عبد الحفيظ زياني
ترتبط التربية، من منطلق كونها عملية توجيه وتعديل وبناء شخصية الكائن البشري في اتجاه الأحسن والأفضل، بالطفل، كموضوع للدراسة، في مراحل معينة، لأجل صنع نموذج ينسجم والمرجعية الثقافية والبيئية وحتى الاجتماعية، ورغم ارتباط البيئة بالجانب الاجتماعي ارتباط الأصل والدلالة، إلا أنه لكل جانب خصوصيته وتأثيره، فالتربية تستمد قيمتها وكينونتها من جملة أبعاد يلخصها الإطار المرجعي العام الذي نشأت فيه، هذا الإطار الذي جعل من خصوصيتها قضية إنسانية في شموليتها، قبل كونها قضية زمكان، فلسفة التربية، أو نظام تربوي.
تنبني قضية التربية على أسس بمثابة أعمدة كفيلة بضمان نجاح المهمة أو فشلها، وهي عناصر تلخص في الآت : الأهداف، آليات الممارسة، النتائج، المواكبة، القيادة الجيدة .
كل عمل تربوي ناجح يفرض أهدافا مسطرة سلفا، ليتم ترجمتها إلى خطة محكمة التنفيذ بناء على أساليب، أو آليات للممارسة تفرض الإلمام بالجوانب المكونة للشخصية في ديناميتها وحركيتها الدائمتين، مراعاة لتفاعلها، أي الشخصية، مع عنصر البيئة والمحيط، كما يستلزم تحيين المعارف باستمرار، تكوينا ومنهاجا، وتقييم ثم تقويم النتائج، الأمر الذي يحتم بدوره تفعيل آليات المراقبة الدائمة والمستمرة، والمواكبة في جميع أشواط العملية ذات الطبيعة البيداغوجية، حتى يسهل التدخل الآني قبل استفحال الوضع، وإلا فسيصعب تحديد الخلل، وتدقيق المسؤوليات، بسبب تداخل الأدوار و تشابك المؤثرات، واختلاط الذاتي بالموضوعي .
إن ما يجعل مهمة التربية من أصعب المهام وأعقدها، هي كونها ترتبط بالسلوك المزاجي، كتجلي من تجليات الشخصية، الذي كان ولا يزال موضوع دراسة العلوم الإنسانية وما تفرع عنها، كما يعد السلوك مساحة فسيحة وجد معقدة تتطلب ممارسة ترتكز أساسا على رسم معالم خطة أو استراتيجية، تعتمد على أولويات، بدء بالأهداف، العامة والخاصة، ثم أجرأتها، وصولا إلى النتائج، على اعتبار أن الأمر يتعلق بمجال يتطلب المواكبة من جهة، ومن جهة أخرى تحيين المعارف والمهارات باستمرار، خاصة إذا ارتبط الأمر بظاهرة يصعب ضبطها وتحليلها، الأمر الذي يفرض في المربي مواصفات تجمع بين التنوع والتداخل في المهام .
كل ما سلف، يمهد للنقاش والتداول بشأن مسألة القيادة التربوية، التي تعد معيار نجاح المقاربة التربوية أو فشلها، فإن كانت، بحق، عملية تدبير وتسيير الشأن التربوي، الذي يمثل دينامية دائمة الحركة والنمو، من خلال طبيعة موضوع الدراسة وخصوصياتها، فإنها تستلزم تجديد البرنامج والمنهاج، المقصود هنا الشأن التربوي لا التعليمي، فرغم الارتباط والتماسك البنيوي الوظيفي بينهما، إلا أن الاختلاف ثابت ظاهرا وعمقا، فمن شروط نجاح ونجاعة القيادة التربوية هي بلورة رؤيا تنسجم مع الغايات والمرامي، واعتماد أرقى السبل لتنزيل فلسفة التربية كإطار مرجعي يتغدى على الخصوصيات الثلاث: الثقافي، الاجتماعي، البيئي، كما تشترط الإلمام المعرفي المحين باستمرار، إلى جانب تبني سيرورة عملية قادرة على رسم معالم الجودة شريطة اعتماد حكامة التذبير.
بدون شك، فإن القيادة التربوية الناجحة ترتكز على محاور تعتمد على التخطيط أولا، ثم التتبع والتقويم للعملية البيداغوجية في مختلف مراحلها، فهي تبدأ بالتخطيط، الذي يتضمن رسم معالم خطة تستحضر بإمعان شديد تنزيل الأهداف، ليتم ترجمتها إلى برامج يتم تحيينها باستمرار، ويظلنجاح القيادة التربوية مرهون بعمليتي التتبع ثم التقويم، شريطة المواكبة الآنية والمستمرة، والتي تسهل التدخل، لأجل اتخاد القرار الأنسب، في الآن المناسب، الأمر الذي يجعل الجودة والنجاعة رهينتي الحكامة الجيدة، فشروط القيادة التربوية السوية والفاعلة تتعلق بالذاتي قبل الموضوعي، فمواصفات القائد الناجح ترتبط منهجيا ودلاليا بكاريزما قادرة على التأثير في الأفراد نحو خدمة الغايات والمرامي وترجمتها إلى أهداف، بل يعد القائد البيداغوجي الناجح محركا قادرا على تذبير كل النواحي البشرية والمادية والفنية للحياة المدرسية، بالإضافة إلى العمل على ضمان العلاقات الجيدة داخل وخارج الفضاء المدرسي .
لعل أبرز الصفات التي يجب أن تتوفر في القائد التربوي، تلك المتعلقة بجوانب شخصيته، وبتكوينه المعرفي والمهاراتي، قابلية تشخيص المواقف وترجمتها إلى ممارسات، إلى جانب إلمامه بمتطلبات الميدان، التي تقتضي الظرفية تحيينها باستمرار، إلى جانب قدرته على بناء علاقات مبنية على أساسيات من قبيل : الدينامية، الجاذبية، وقوة التأثير في الأخرين، والقدرة على ترجمة الغايات إلى ممارسات فعلية، بإمكان ما سلف الارتقاء بالفعل البيداغوجي نحو الأفضل، إذا ما تميز بالقدرة على حسن ترتيب الاحتياجات الملحة، انطلاقا من الوعي التام بمستلزمات المرحلة وضرورياتها الأساس، فالإيمان بأهمية العمل في دينامية، وحسن استثمار وتوظيف الطاقات البشرية المتوفرة، يظل أهم ميزة وأفضل خاصية لنجاح أدواره القيادية .