حسن الفتحي
عندما تريد كسب رهان ورق، فالأجدر بك أن تكون حِرّيفاً في لعب الورق، متمكناً من قواعده المشروعة واللامشروعة، حدودك تكمن في اللاحدود، كلمة غير ممكن تُعدّ ورقة محروقة... تُجيد رفع الشعارات الثقيلة، بعد أن تتقن فن الكلام وترتديَ أبهى ما بحوزتِك من هِندام، هكذا حال السياسة في بلدي... سجالات وجدالات ومهاترات كلامية، الكل يطبل ويزمر ويغني على ليلاه، بعدما أوهم كل طرف نفسه أنه المهدي المنتظر الذي سينقذ البلاد والعباد...
دقت ساعة الصفر ليجد المُعطل نفسه على طاولة للعب الورق مع الكبار- الصغار- فظنّوا أنه الحلقة الأضعف، ليبدؤوا بخلط الورق كإعلان رسمي عن بداية لعبة محسوم أمرها - في نظرهم طبعاً - فخاب ظنهم وكان المُعطل في الموعد، بعد أن غضّ بناظريه عن مراقبة الورق، وأخذ يراقب ما يُحاك من خدع وحِيَل تحت الطاولة التي يُلعب عليها ذاك الورق...
بادرت الحكومة بلعب أولى أوراقها بعد أن راهنت عليها " منع التوظيف المباشر والحل إجراء المباراة "، لتبدأ فصول الحكاية بعد أن أضحى المستور مكشوفاً، ويجد المُعطل نفسه أمام المِحك، أكون أو لا أكون، بعدما كان وقع الورقة خارج حسبانه، لكن سرعان ما التقط هذا الأخير أنفاسه، ليرمي بورقته الأولى "رفض القرار جملة وتفصيلا "، ويُعلنَ عن استمرار نضاله في ساحات الرباط، الأمر الذي لم تستصغه الحكومة التي قامت بلعب ورقتين متتاليتين وإن كانتا تحت الطاولة، أولاهما "برنامج تكوين 10.000 إطار تربوي" وثانيهما "إدماج حوالي 7.000 من الشباب المعطل في القطاع الخاص" بعدما أبرمت معهم اتفاقية تقضي بتكوينهم، والهدف إسالة لعاب المُعطل على الوليمة الفخ، لكن على من؟؟؟
فَهِمَ المُعطل السيناريو المُتّبع ورمى بورقة "مقاطعة المباريات"، ليلعب بعدها القَدَر ورقته وتنزل جحافل من الأساتذة المجازين للساحة والمطلب كان "التّرقية"...، لتنقلب مجريات اللعبة رأساً على عقب، بعدما أضحى المُعطل المستفيذ الأكبر، لينتظر بشغف كبير ما سيؤول إليه ملف "الأساتذة المجازين"، كيف لا وملفهم شبيه بملف المعطلين، إذ أن كلاهما مُقيّد ببندٍ قانوني اسمه اجتياز المباراة، ليُفسح المجال بعدها للحكومة قصد لعب ورقة الفصل، لكن وكما هو معمول به في مختلف فقرات الخُدع البصرية والخفّة السحرية رمت الحكومة بورقة "اللاورقة" تحت الطاولة بطبيعة الحال، فحُلَّ ملف الأساتذة المجازين هكذا في رمشة عين دونما إفصاح عن بنوذ هذه التسوية؟؟؟ لتعقبها بورقة "الإعتقال" على أملِ تشتيت النّضال، ولعلّ التسعة أطر المعتقلين خير شاهدِين على خلفية قضية واهِيَة والقاضي أخرق داهِيَة لم يجد رادعاً يقف في وجهه ويستعمل ضِدَّ حُكْمِهِ (لام الناهِيَة) وليتك استوعبت التُّهْمَةَ ما هِيَ ؟؟؟ تسعة أطرٍ من خيرة شباب هذا الوطن الذي كدّ واجتهد وتسلق مراتب العلم، عوض أن يُحتفى به وتُتوّج مسيرته بحقه العادل والمشروع في العمل الذي يضمن له كرامته، ها هو ذا يجد نفسه خلف القضبان يؤذي ضريبة سجن بسنة وأربعة أشهر من أوج شبابه، أوج حيويّته وديناميّته وعطائه... ويا له من سجن يجمع بين القاتل والسّارق والمغتصب والمفكّر... في زنزانة واحدة.
وقف المعطّل حائراً متأمّلا في عجيب صنع هؤلاء داعياً الله عزّ وجلّ أن يصرف عنه هذا البلاء، فما كان للحكومة إلاّ أن استجابت وليتها ما استجابت فرمت بورقة "الإحصاء العام للسكان والسكنى" فما كان من المعطل إلا أن لبى النداء كيف لا والعرض كان مغرياً، منحة تساوي راتب شهر من الدّوام بسلّم 11 في أسلاك الوظيفة العمومية، فمرّت الأمور بسلام وظنّت الحكومة أنّها أضحت بأمان بعدما كسبت الرهان، لكن العكس كان سيّد الموقف ليرمي المعطل بورقة "التوظيف المباشر ثم التوظيف المباشر" لاسيما وأنه ذاق حلاوة راتب الحكومة في راتب الإحصاء العابِر، لينقلب السّحر على السّاحر...
درس المعطل خيوط اللّعبة جيّداً، وما هي إلاّ أيام معدودَة - مرّت على الإحصاء النّزهة - حتى بَصَمَ المعطل على أبهى عودَة ليُبادر بإلقاء ورقة " الوحدَة "، وحدة ضمّت كلّ التنسيقيات المعطلة المرابطة بالرباط تحت اسم واحد، والمطلب كان واحداً وبصوت واحد " حرية كرامة عدالة اجتماعية "، ثلاثي يختزله التّوظيف المباشِر فهل من مسؤول يُصغي ويُباشِر، ليُفسح بعدها المجال أمام الحكومة قصد لعب ورقتها، فماذا أنتِ فاعلة يا حكومة بنكيران بعدما أقحمت نفسك في دوّامة أنتِ في غنىً عنها، وموقف لا تُحسدين عليه.
الحكومة مع كامل الأسف تُقَمِّرُ على عدة جبهات، في حين نسِيَت أو تناست أن جلّ تركيز المُعطل مُنْصَبّ على كسب رهان هذه الورقة "التوظيف المباشر"، والذي ليس لديه هدف غيره بطبيعة الحال، كونه مصدر تواجده ونضاله بالساحة، أظن أن حال الحكومة أضحى كحال الغريق الذي يقبض بساعِدَيه على الوهم ظناً منه أنه حقيقة، في زمن لا يصح إلا الصّحيح، فليلعبوا كل الورق، وليأتوا بجميع الخدع والحيل، أعلى ما في خيلهم فليركبوه، ما دامت الورقة الرابحة بحوزة المعطل (إيمانه بحقه) فالفوز حليفه لا محالة، فقط فليلعبوا معه على الأرض عوض اللعب تحت الطاولة...
OUJDA
OUJDA
BROVOOOOOO