أخبارنا المغربية - و م ع
أكد السيد ادريس بنهيمة، الوزير السابق والرئيس المدير العام لشركة الخطوط الملكية المغربية، أنه يجب إنجاح المسألة "الحاسمة" للتقطيع الترابي منذ الوهلة الأولى في إطار مشروع الجهوية المتقدمة.
وأبرز السيد بنهيمة، الذي سبق وأن شغل العديد من المناصب العليا من بينها والي جهة الدار البيضاء الكبرى، في مقال رأي نشرته صحيفة "الأحداث المغربية" مؤخرا ونشرت نسخته الفرنسية يومية "لومتان المغرب العربي والصحراء" اليوم الجمعة، أن "التقطيع الجغرافي للجهات يعد العملية التي تسبق إنشاء المجالس الجديدة وهي لا رجعة فيها، وهو ما يفسر العناية الخاصة التي يجب إيلاؤها بها والعمق الاستراتيجي الذي يجب الاعتراف لها به".
وأضاف المدير السابق لوكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال، في مقاله الذي حمل عنوان "التقطيع الجهوي: أداة حاسمة للتنمية"، أن "بناء المؤسسات الجهوية يمكن أن يتم تدريجيا وعلى مراحل. ومما لا شك فيه أن المحطات التي تشكل قطيعة في هذا المسلسل لن تكون سهلة التحقيق مثل تلك المتعلقة بانتقال بعض اختصاصات الدولة المركزية إلى الجهات، لأنها رهينة بمساطر ثقيلة وكذلك لأنها تتطلب الوقت الكافي لبناء الهياكل الجهوية التي من شأنها التكفل بهاته المهام الجديدة".
وأشار إلى أن تقطيع سنة 1996 لم يعد يواكب في الواقع اختصاصات الجهوية الموسعة لأن منهج التقطيع فيه يرتبط بمفاهيم التطور المرتكز على الذات (استراتيجية تعود إلى ستينات القرن الماضي) المعمول بها لدى غالبية اقتصادات ما بعد الاستعمار، أي أنه من أجل ازدهار الدولة، عليها أن تطور مجموع قطاعاتها الصناعية، بما فيها تلك التي لا تتوافق مع حجم السوق ولا مع الامتيازات التنافسية الخاصة.
وأوضح في هذا الصدد، أن التقطيعات الجهوية المتتالية أخذت نفس منطق التطور المتمركز حول الذات وعملت على أن تجعل من كل جهة عالما مصغرا، بمعنى استنساخا مصغرا لإطار اقتصادي يعرض تشكيلة كاملة للقطاعات الاقتصادية (الصناعة، والفلاحة والسياحة).
وأضاف السيد بنهيمة أنه لذلك شرع في البحث لكل مؤشر سوسيو اقتصادي جهوي، عن قيمة قريبة من المعدلات الوطنية، مما أدى إلى ما يمكن تسميته باستراتيجيات "مجهولة الاسم" قابلة للتبادل بين جهة وأخرى، "دون أن نرى خصوصيات جهوية مميزة. وهو ما تفرزه المخططات الجهوية الحالية للتنمية".
ويفرض الاندماج في العولمة وما يرتبط بها، وتخلي الدولة عن أنشطتها الصناعية والفلاحية والمالية، بالإضافة إلى التحرير الاقتصادي، اتخاذ مواقف جديدة، بحسب كاتب المقال الذي أبرز أن العولمة "تقتضي قبول تبادل، داخل سوق عالمية، للمنتوجات والخدمات التي يقدمها الآخرون أحسن منا وبتكلفة أقل، مقابل منتوجات وخدمات نتوفر فيها على امتياز من حيث التكلفة والجودة".
وقال "إننا نكتشف بسرعة أن الإطار الجهوي هو الأكثر ملاءمة للتعريف بأحسن المنتوجات والخدمات التي يمكن تقديمها في السوق العالمية"، مضيفا "لهذا، تعد الجهة وحدة القتال داخل حرب العولمة، ويعد التعريف الأمثل لحدودها الجغرافية أول معاركها الحاسمة".
واعتبر السيد بنهيمة في هذا السياق أن التحديد الأمثل للتقطيع الجهوي يجب أن يقوم على مجالات ترابية متماسكة، من خلال تجميع كل المجالات الترابية التي تقتسم نفس الميزات والخاصيات داخل فضاء واحد، معتبرا التعريف الأمثل للحدود الجغرافية للجهة أول معاركها الحاسمة في حرب العولمة.
وأبرز أن هذه المجالات الترابية المتماسكة التي تتسم بمميزات وبصفات موحدة، تتسم لا محالة بنفس نقاط الضعف، وأن هذا التقطيع يبعد الجهة من المعدلات الوطنية التي لا تكشف عن واقع الأمور، ويبرز بجلاء نقاط الضعف التي يجب على الجهة التصدي لها قبل كل شيء، معتبرا هذه المجالات "أفضل إطار للتعبئة والتفكير والمبادرة من أجل مقاومة نقاط الضعف".
فمثلا أدى التقطيع الجهوي السيء، حسب الكاتب، إلى عدم تسليط الضوء على ظاهرة قلة تمدرس الفتيات في منطقة الريف المنقسمة اليوم بين جهتين والتي لا تعكسها الخريطة المدرسية، إذ أن معدل الحضور النسوي على مستوى الأكاديميات الجهوية قريب من المعدل الوطني أو يفوقه، في حين أن نسب استفادة الفتيات من التعليم الثانوي والعالي قليلة بكثير مقارنة مع المعدل الوطني.
ولهذا لم يتم اعتماد أي نوع من البرامج المركزة والمحلية خارج تطبيق البرنامج الوطني لدعم تمدرس الفتاة القروية، يضيف السيد بنهيمة الذي اعتبر أن إشكالية الهدر المدرسي لدى الفتيات بالريف مرتبطة أساسا بعوامل جهوية لا بمسؤولية الدولة، نظرا للتشتت القوي للسكن، والتدني المزمن لمستوى البلديات، مع قلة الجماعات الحضرية في المجال الممتد من الناظور إلى تطوان.
من جهة أخرى، اعتبر السيد بنهيمة أن التقطيع الجهوي المبني على مجالات ترابية ذات اختصاص يرتبط أيضا بالتطلع إلى الاعتراف والإشادة بالهويات الثقافية الجهوية، موضحا أنه انطلاقا من رسم الحدود الجهوية تبعا للخصائص القوية المشتركة داخل المجال الترابي المعني، "فإننا نجد بشكل طبيعي ومتزامن، ليس فقط هياكل الجغرافيا الفيزيائية بل أيضا حدود الهويات الثقافية الجهوية".
وأضاف أن ذلك يسهل بروز سلوك التملك الجماعي، على الصعيد الجهوي، لأهداف التنمية المستدامة والتطلع إلى العيش معا في انسجام ووعي بالذات داخل الساحة الوطنية، عن طريق الوعي بتقاسم فضاء متماسك، واع بمميزاته وبنقاط ضعفه ومتوفر على وسائل مواجهتها، عن طريق إنشاء مؤسسات جهوية.
وأبرز السيد بنهيمة عموما أن مشروع الجهوية الموسعة الذي ينخرط فيه المغرب يتطرق إلى خمسة أبعاد مختلفة لكنها متكاملة، من بينها الاختيار المناسب للفضاءات الجغرافية الجهوية، قائلا إن الاختيار المقترح من أجل التقطيع الجهوي جدير بتعميق البحث والنقاش، لكونه يشكل الوعاء الذي لا محيد عنه بالنسبة للمشروع الاستراتيجي بأكمله، وكذا الشق الأكثر تعرضا لاحتمال المعارضة لأسباب ثانوية.
وبالنسبة للأبعاد الأربعة الأخرى، أشار السيد بنهيمة أولا إلى البعد التاريخي لتغلغل المعاصرة في تفاصيل الديمقراطية التقليدية للسلطة المغربية، قائلا إنه وفاء منهم للعقد الاجتماعي التاريخي، الذي تمت إعادة النظر فيه من أجل انخراطه في القيم الكونية التي تتطابق بدورها مع القيم الحقيقية لإسلام مغربي متسامح ومنفتح، لم يدخر الملوك المغاربة جهدا، منذ منع الحزب الوحيد، وإلى غاية المرحلة الحديثة لدستور 2011 ، مرورا بميثاق الجماعات المحلية لسنة 1976 ، وبطريقة تدريجية وفي حدود الإمكانيات الظرفية، في فتح أوراش الديمقراطية والحكم الذاتي المحلي.
وبالتالي فإن بناء الجهوية الموسعة، حسب الكاتب، ينخرط في هذا المشروع الملكي والذي يقتضي تعزيز وتحديث العقد الاجتماعي الذي يتوخى حث التفكير الجماعي والمبادرات التي يتم اختيارها بحرية من طرف الفاعلين في التنمية الجهوية، إلى جانب تعميق واستيعاب التنوع الثقافي الذي يصنع الهوية المتعددة للأمة، وتشجيع إدماج التراب في العولمة، وضمان حماية مصالح الأجيال القادمة.
ويتمثل البعد الثاني في إرادة لمواجهة ووقف الميل المتوالي لتمركز النشاط حول الوجهات الأطلسية، أو ما يعرف ب"المغرب النافع والمغرب غير النافع"، قائلا إن هذه الظاهرة لا تتحكم فيها السلطات العمومية، لأنها تنتمي إلى التطورات القوية التي لا يمكن إيقافها في المغرب المعاصر على غرار الانتقال الديمغرافي والهجرة القروية والتوسع الحضري السريع.
وتبقى كل هاته الظواهر إيجابية من حيث النمو وارتفاع مستوى العيش والاندماج الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين، غير أنها تطرح إشكالية التطور المتزامن للمجالات الترابية العميقة والتصدي لتهميشها، حسب السيد بنهيمة الذي أبرز أنه "لكي يبقى المغرب فضاء متماسكا، يعتبر تثمين مزايا كل شبر من مجاله الترابي وتجاوز نقط ضعفها رهانا ذا أولوية ضمن مشروع الجهوية".
وأشار كاتب المقال إلى البعد الثالث المتمثل في خلق مستوى مؤسساتي جديد من أجل تعميق الديمقراطية ومنح الهويات الجهوية إطارا للتعبير، قائلا إنه بفضل الديمقراطية الجماعية المدعومة من قبل ميثاق الجماعات المحلية، وخصوصا بفضل مجهودات العديد من الجمعيات المحلية، هناك بداية لمشاركة مواطنة في شؤون المدينة يجب تدعيمها عبر توضيح أفضل للمهام بين ما هو مقرر ومتفق عليه في المجالس البلدية، وما هو منفذ ومحمول على عاتق المجلس الجماعي لوحده.
ويجب بالمقابل ملء الفراغ الحاصل بين المستوى الجماعي ومستوى الدولة المركزية من طرف المجلس الجهوي والمؤسسات التابعة له، برأي الكاتب الذي اعتبر أن هذا المستوى المؤسساتي من شأنه أن يمكن الهوية الجهوية من أن تصبح شرعية ومعترفا بها على الساحة الوطنية، وفي غيابه قد تتخذ هذه الهوية الجهوية أشكالا عصبية للاحتجاج بل وأن ترفض المبادرات الصادرة عن الدولة كما سبق أن فعلته أحيانا.
وتحدث السيد بنهيمة أيضا عن البعد المرتبط بالمهام المؤسساتية الخاصة بالمجلس الجهوي الذي ينبغي أن يتطرق ويدبر، عبر استشراف المستقبل، إشكاليات إعداد التراب وصيانة الموارد وحماية البيئة ومحاربة الفقر والتهميش عن طريق إدماج السياسات الوطنية التي يتم إعطاؤها إضافة معرفية وحساسية القرب.
كما يجب على المجلس الجهوي بلورة رؤية ومشروع للتنمية الجهوية يعملان على إعداد الأسئلة الكبرى الخاصة بالمستقبل، والمتمثلة في التشغيل، والاستثمار، والبنيات التحتية، وكذلك التربية، ومحيط الحياة، والثقافة والخدمات، حسب السيد بنهيمة الذي أضاف أن إمكانيات ومهمة المجلس لا تتمحور حول إدارة كلاسيكية بقدر ما تتمحور حول منظومة من الوكالات، أبرزها وكالة جهوية للتنمية، تنضاف إليها وكالات متخصصة في القضايا القطاعية الخاصة بالجهة.
وحذر السيد بنهيمة أيضا من استغلال الموارد الجهوية الجديدة أساسا باعتبارها ميزانية تكميلية للجماعات المحلية أو للبرامج الوطنية، قائلا إن هذا الخطر يكون حقيقيا إذا كان أعضاء المجلس ينتخبون من طرف الجماعات المحلية، كما هو الحال اليوم.
وأشار في هذا الشأن إلى أن النصوص التي هي قيد الإعداد تعطي الأولوية لانتخاب مباشر حول مستوى انتخابي أعلى درجة من ذلك المتعلق بالجماعات ولقواعد عدم جمع المهام، معتبرا أنه من الأفضل، بالتأكيد، اعتماد اقتراع باللائحة داخل مجموع الجهة.
mustafa
les vols regioinales
nous souhaitons voyager entre les regions par avion monsieur Benhaima .