دويتشه فيله
في أقصى جنوب الجزائر وعلى الحدود مع شمال مالي المضطرب تزداد عمليات تهريب البضائع وحتى المخدرات والأسلحة، هذه الظاهرة ازدادت حدتها بعد أن اصبحت مصدر دخل مهم لبعض الجماعات المسلحة النشطة هناك.
تفاقمت، ظاهرة التهريب في الجنوب الجزائري، ما أثر بشكل مباشر على اقتصاد البلاد خاصة بعد انهيار أسعار البترول، ورغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للحد من الظاهرة، إلا أن المهربين يستغلون عدم الاستقرار في شمال مالي و دول الساحل لمزاولة نشاطهم وبشكل مكثف.
المخدرات، الأسلحة ، البنزين والمواد الغذائية ... كلها سلع ومواد قابلة للتهريب عبر الشريط الحدودي بأقصى الجنوب الجزائري على نقاط التماس مع دول الجوار، خاصة بمنطقتي برج باجي مختار وتيمياوين الواقعتين أقصى الجنوب، والقريبتين من شمال مالي.
الدولة تعتبرنا مهربين الا أننا نقوم "بالمقايضة"
تم الوقوف على العديد من المرات التي تستخدم في عمليات التهريب لاسيما بين منطقة تيمياوين ومدينة الخليل المالية التي تبعد عنها 5 كيلومترات فقط .. ففي طريقنا التقينا أحد المهربين ويدعى بومدين وكان دليلنا في تلك المناطق الصحراوية القاحلة. بومدين كشف لنا أنه يملك ثروة كبيرة، جمعها من وراء عمليات تهريب السجائر من الجزائر إلى مالي حيث قال لنا:" لقد جنيت الكثير من الأموال خاصة في السنوات الماضية كون الجماعات المسلحة، خاصة القاعدة، كانت تبسط نفوذها وتقيم الحد على من تجد بحوزته السجائر، مما جعل عملية تهريبها تدر الكثير من المال، وقد انتهزت تلك الفرصة لعدة سنوات، لكن حاليا بعد الحرب وتضييق الخناق علينا أنا أهرب المواد الغذائية مقابل الفحم لكن هذا بالنسبة لي ليس تهريب و إنما مجرد مبادلات تجارية".
بومدين ليس الشخص الوحيد الذي يمتهن التهريب في إطار ما يطلق عليه مصطلح "مبادلات" فـ "أنوت" الذي نشأ بين مالي والجزائر ويملك مقهى للانترنت، يمضي فيه معظم وقته لتضليل مصالح الأمن عن نشاطه الذي ينطلق عادة مع غروب شمس كل يوم، ويتمثل في تهريب المواد الغذائية، المدعمة من الدولة إلى مالي. "أنوت" يقول: "أنا مضطر لمزاولة التهريب، فكما ترون في هذه المنطقة لا توجد أي بدائل أخرى لا مدارس ولا مصانع ولا أي مصدر من مصادر الرزق، ولولا هذه المبادلات لمتنا جوعا، ورغم الحرب والتشديدات الأمنية على الحدود الجزائرية المالية فأنا أخاطر بحياتي لأعيل عائلتي".
وعلى الرغم من تحصين الحدود الجزائرية وفرض حراسة مشددة على الشريط الحدودي ومراقبة حركة تنقلات الأشخاص والسلع، وفرض رخص للتنقل من منطقة إلى أخرى، إلا أن النزاع في شمال مالي زاد من حجم عمليات التهريب نظرا لازدياد إعداد اللاجئين، وهو الأمر الذي استغلته مافيا التهريب التي غالبا ما تعمل مع أو تحت إمرة الجماعات المسلحة للحصول على الأسلحة مقابل تهريب هذه المواد.
إجراءات أمنية مشددة والتهريب متواصل
الظروف المعيشية الصعبة للعائلات التي تقطن في تلك المناطق دفعت بهم إلى تشجيع أبنائهم على الانخراط في عمليات التهريب. التقينا بمحمد، وهو طفل يبلغ من العمر 15 عاما، وكان رد فعله الاول عندما رأى كاميرتنا بالهتاف بأعلى صوت "أنا جهادي وأدعو للجهاد وسألتحق بأبي للجهاد في مالي.." اقتربنا منه و تحدثنا إليه محاولين معرفة أسباب تبنيه للأفكار المتطرفة فكان رده :" أبي في مالي ينتمي لإحدى الجماعات المسلحة وأنا أهرب البنزين والمواد الغذائية، وقد قمت بتهريب قطع سلاح من مالي إلى الجزائر".
لم يكن محمد الطفل الوحيد، الذي وجد نفسه ينخرط في عمليات التهريب بدل الذهاب إلى المدرسة، إذ أن العشرات من أبناء منطقة برج باجي مختار يحترفون التهريب ويجدون ذلك أسلوبا سهلا لكسب المال.
رئيس بلدية برج باجي مختار انقيدا سلسلي يفسر لنا تفاقم ظاهرة التهريب في المنطقة بالقول:" هنا السكان منخرطون في عمليات التهريب لمعرفتهم الجيدة بتضاريس المنطقة، وقد دفعهم إلى ذالك الظروف المعيشية الصعبة وعدم وجود بدائل أخرى".
الجماعات المسلحة تؤمن تجار المخدرات والمهربين
كريم أو كما يطلق عليه في قبيلته اسم " طونقوا" معروف بتجارة المخدرات، في البداية رفض الحديث معنا، لكن بعد أن قدمنا له ضمانات بعدم ذكر تفاصيل تخص عمله، كشف لنا أنه يهرب المخدرات بالتعاون مع جماعات مسلحة تنشط في مالي. مؤكدا أنه وفي جميع عملياته يستخدم السلاح لحماية بضاعته ورجاله في حال حدوث أي مواجهة مع قوات الأمن.
وفيما يخص عائدات التهريب كشف لنا أنه "بمجرد أن أوصل البضاعة أتحصل على مبالغ مالية تصل إلى الملايين"، مضيفا: "هناك من يعمل مع شبكات منتشرة في الجزائر تتقاسم فيما بينها الأرباح لكن جل المهربين يملكون محلات او يزاولون نشاطا تجاريا حتى لا ينكشف أمرهم وجميعهم يتعاملون مع الجماعات المسلحة و من بينهم أنا، خارج الحدود و ذلك لحماية بضاعتي".
من يتحمل المسؤولية؟
ومن جهته يرى الخبير الأمني والسياسي الدكتور أحمد عظيمي في تصريح لـDW عربية، حول ظاهرة التهريب عبر الحدود، أن الظاهرة ليست بالجديدة وغياب البدائل من طرف الحكومة هو من أهم أسباب تفاقمها، بالإضافة إلى أن سكان الحدود دائما تجمعهم علاقات عائلية وقرابة مع سكان الضفة الأخرى ما يسهل عملية ربط الاتصال بينهم، محملا السلطات مسؤولية التهريب بسبب غياب مصانع أو حتى مدارس قائلا : " أطفال الحدود يولدون ويتعلمون شيئا واحدا فقط وهو التهريب و يرون فيه امرأ عاديا، ولذالك لا استطيع أن القي باللوم عليهم، بل ألوم السلطات التي لم تبحث عن بدائل بل تقوم فقط بتعزيز الإجراءات الأمنية التي تزيد من حدة الظاهرة.