سعيدة الوازي
أصبحت ظاهرة العنف المدرسي واقعا مؤلما يجتاح المؤسسات التعليمية المغربية، فحسب آخر تقرير قدمته وزارة التربية الوطنية حول " مؤشرات العنف داخل المؤسسات التعليمية و في محيطها من خلال المتابعة الصحفية للجرائد الوطنية من 1 شتنبر 2012 إلى 30 يونيو 2013" فإن عدد الحالات المسجلة داخل محيط المؤسسات التعليمية بلغ 105 حالة بنسبة 53% من مجموع الحالات (203). و قد اختلفت أنواع العنف المسجل بين اللفظي و الجسدي و التحرش الجنسي، كما اختلفت الأطراف التي تسببت و عانت من العنف من أساتذة و متعلمين و إداريين.السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل العنف المدرسي عرض من عوارض فشل المنظومة التربوية و مؤشر من مؤشرات بعدها عن هدفها الأساس و هو "التربية"؟ أم أنه مرض خطير أصاب الجسم التعليمي وبدأ ينخر فيه – إلى جانب أمراض كثيرة أخرى- و يستوجب من الباحثين التربويين و الأخصائيين إيجاد العلاج الناجع له؟
للإجابة عن هذا التساؤل الجوهري، وجب أولا تحديد مفهوم العنف المدرسي و أشكاله وأسبابه، فالعنف كما عرف في النظريات المختلفة: هو كل تصرف يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين، قد يكون الأذى جسمياً أو نفسياً. فالسخرية والاستهزاء من الفرد وفرض الآراء بالقوة وإسماع الكلمات البذيئة جميعها أشكال مختلفة لنفس الظاهرة.أما في معجم «قاموس علم الاجتماع»، فإن العنف يظهر عندما يكون ثمة فقدان «للوعي لدى أفراد معينين أو في جماعات ناقصة المجتمعية. وبهذه الصفة يمكن وصفه بالسلوك«اللاعقلاني»(). و في القاموس التربوي: العنف هو اللجوء غير المشروع إلى القوة، سواء للدفاع عن حقوق الفرد، أو عن حقوق الغير«كما أن العنف لا يتمظهر بحدة إلا في وجود الفرد/المراهق في مجموعة ما»(). أما أندري لالاند فقد ركز على تحديد مفهوم العنف في أحد جزئياته الهامة، إنه عبارة عن«فعل، أو عن كلمة عنيفة»(). وهذا ما يدخل في نطاق العنف الرمزي…فأول سلوك عنيف هو الذي يبتدئ بالكلام ثم ينتهي بالفعل. وهكذا فتحديدات العنف تعددت واختلفت، إلا أن الجميع يقرُّ على أنه سلوك لا عقلاني، مؤذي، غير متسامح…
تختلف أشكال العنف المدرسي حسب التعاريف التي سبق ذكرها، و التي تتسم بين الرمزية و الفعل، فنجد مثلا العنف الجسدي و الذي يمكن تعريفه ب: استخدام القوة الجسدية بشكل متعمد اتجاه الآخرين من أجل إيذائهم وإلحاق أضرار جسمية لهم، وذلك كوسيلة عقاب غير شرعية مما يؤدي إلى آلام وأوجاع ومعاناة نفسية جراء تلك الأضرار كما ويعرض صحة الطفل للأخطار. و العنف النفسي و هو عنف قد يتم من خلال عمل أو الامتناع عن القيام بعمل وهذا وفق مقاييس مجتمعيه ومعرفة علمية للضرر النفسي، وقد تحدث تلك الأفعال على يد شخص أو مجموعة من الأشخاص الذين يمتلكون القوة والسيطرة لجعل طفل متضررمما يؤثر على وظائفه السلوكية، الوجدانية، الذهنية، والجسدية، ومن تجلياته الإهانة، و التخويف، و التهديد، والعزلة. مما يخلف لذى الطفل شعورا نفسيا مضطربا. و الشكل الآخر هو التحرش الجنسي و الذي يعتبر كل فعل يقصد به استغلال قاصر(ة) جنسيا.
أما عن أسباب العنف المدرسي فنجد أسبابا اجتماعية تدفع المتعلم لممارسة فعل العنف داخل المؤسسات التعليمية. إذ في ظل مستوى الأسرة الاقتصادي المتدني، وانتشار أمية الآباء والأمهات، وظروف الحرمان الاجتماعي والقهر النفسي والإحباط…كل هذه العوامل وغيرها تجعل هؤلاء المتعلمين عرضة لاضطرابات ذاتية وتجعلهم، كذلك، غير متوافقين شخصياً واجتماعياً ونفسياً مع محيطهم الخارجي؛ فتتعزز لديهم عوامل التوتر، كما تكثر في شخصيتهم ردود الفعل غير المعقلنة، ويكون ردهم فعلهم عنيفاً في حالة ما إذا أحسوا بالإذلال أو المهانة أو الاحتقار من أي شخص كان. السبب الثاني الذي يؤدي للعنف المدرسي هو الفشل، حيث أننا في كثير من الأحيان نحترم المتعلم الناجح فقط ولا نعطي أهمية وكياناً للمتعلم الفاشل تعليمياً، في حين يجب علينا البحث عن أسباب هذا الفشل و معالجتها، إلا أن منهجية التعامل مع المتعلم الفاشل تتسم في غالب الأحيان بالعنف، و إن كان رمزيا و ذلك بإهماله في الحصة التعليمية و إعطاء الأولوية و فرص المشاركة للمتعلمين المتفوقين دراسيا، مما يولد لديه شعورا بالمهانة و الاحتقار و الرفض من طرف المحيط التعليمي، و يدفعه للقيام بأعمال عنف لإثارة انتباه الأستاذ(ة) له و لإجباره على الاعتراف بوجوده داخل مجموعة القسم.
بعد تقديم التعاريف و شرح أشكال و أنواع العنف المدرسي، وجب تسليط الضوء على العنف الممارس من طرف الأستاذ(ة) على المتعلم(ة)، والذي يتفاوت أيضا بين الرمزي و الجسدي. مما يجعلنا نعيد النظر في العلاقة التي أصبحت تربط بين أطراف العملية التعليمية التعلمية، كيف يمكن لمتعلم(ة) أن يقضي وقته في القسم رفقة أستاذ(ة) ينتهج العنف ضده بشكل من الأشكال و ننتظر منه أن ينجح تعليميا؟ و كيف لأستاذ(ة) يقف أمام المتعلمين و في قرارة نفسه خوف من تصرف عنيف يطاله من أحدهم في أية لحظة و ننتظر منه أيضا أن يساعدهم على بناء معارفهم؟ و من هنا نستطيع القول أن العنف المدرسي عرض و مرض في نفس الآن، هو عرض من عوارض فشل المنظومة التعليمية التي تقدم أقساما تتسم بالاكتظاظ، و تغيب عنها الوسائل الديداكتيكية اللازمة لإنجاح الحصص الدراسية، و تقدم مؤسسات تعليمية يغيب عنها المتخصصون الاجتماعيون و النفسيون لتدارس المشاكل التي يعاني منها كل من المتعلم(ة) و الأستاذ(ة)، و الذين يعهد إليهم تدارس كل فعل يشل العلاقة الجيدة بين أطراف العملية التعليمية التعلمية دون تغييب تأثير الدور الاجتماعي للأسرة و إشراكها في تتبع المتعلم تعليميا و نفسيا و حثها على أن تكون عنصرا فعالا في تحقيق السير العاديللتمدرس، و هو أيضا مرض من الأمراض التي تنخر الجسم التربوي و تؤدي إلى توسيع الهوة بين الأستاذ(ة) و المتعلم(ة) و بالتالي غياب التواصل بل و انعدامه في بعض الأحيان، و توسع رقعة الفشل و الهدر المدرسي.
يجب على كل الفاعلين التربويين الانكباب على دراسة هذه الظاهرة الخطيرة، و تقديم حلول جذرية لها، و التي ستؤدي حتما إلى تفكيك الروابط التربوية بين الأستاذ(ة) و المتعلم(ة) و جعل القسم الدراسي حلبة للمصارعة ولترجمة مختلف أنواع العنف اللفظي و الجسدي بين الطرفين الأساسيين للعملية التعليمية التعلمية، بدل أن يكن فضاء تربويا يشوبه الود و الاحترام المتبدلان و مكانا للتحصيل الدراسي و للمساهمة في بناء الفرد و المجتمع، و لن يتأتى هذا إلا بإعطاء الأستاذ(ة) المكانة الاجتماعية التي يستحقها، و تمكينه من الاحترام و التقدير ليتمكن من تأدية مهامه التربوية على أتم وجه، و أيضا لن يتأتى هذا إلا باتسام علاقة الأستاذ(ة) بالمتعلم(ة) بالاحترام المتبادل و بتقبل الحمولة الثقافية و الاجتماعية للمتعلم(ة) و المساعدة على تربيته وفق المرتكزات الأساس التي ينص عليها الميثاق الوطني للتربية و التكوين، حتى يكون نتاج المؤسسات التعليمية مواطنين صالحين يساهمون في تنمية البلد بدل أشخاص يتسمون بالفشل و العنف.
العزاوي عبد الكريم .
العنف المدرسي .
العنف المدرسي ظاهرة خطيرة مستشرية بكثرة في منظومتنا التربوية وهذا يعزى الى بعض السلوكات المتنمرة التي أنتشرت صفوف التلاميذ .