عبد الرزاق مسعودي
قد يتساءل المرء أكثر ما يتساءل عن سبب فقره, أو غناه والترف الذي يعيش فيه, وقد يتساءل آخر عن سر وجوده ومعناه. قد يعيش الإنسان طوال دهره شقيا باحثا عن شيء يثبت به انتسابه لأباه.وفي كل رحلة من هذه الرحلات قد يخطئ الشخص هدفه بسبب طول طريق, عجز وكسل, أو افتقاد لسراج يضيء ظلمات الطريق ويؤنس وحشة المكان. قد يتراجع الإنسان للوراء خائفا من المصير المجهول وإذا قدر الله وكان العكس فإن الإنسان قد يتهور و بالتالي يسبق الحدث وتكون نهاية الرحلة في كلتا الحالتين هي الفشل. إلا أن هذا الفشل غالبا ما يكون مبررا لصعوبة الموقف أو الرحلة, فكيف لا والطريق والهدف معا شاقان ومبهمان مثلهما مثل القضايا الميتافيزيقيا الكبرى كمسألة وجود الله, ومسألة خلود الروح, ومسألة تخيير أو تسيير البشر.أسئلة كهذه استعصت في أحيان كثيرة على الفلاسفة باختلاف أجناسهم, وتلا وينهم ومذاهبهم الفكرية والمرجعية من قبيل الدين الإطار والثقافة الإطار اللتان تؤطران الفعل والتفكير الإنساني. أسئلة أبت إلا أن يكون الغموض جوهرها والفشل مصير البحث و الخوض فيها بغية التسيد عليها. فكان الفشل هو المصير و بالتالي الانحناء والرضوخ لسلطة عظمة ومشيئة السماء هو سيد الموقف و كلمة الحسم. كلمة الحسم هاته قد تكون قطعية قاطعة الطريق أمام أي سؤال, حسمت نهايتها قبل الإعلان عن بداية المباراة التفكيرية مع صفارة الحكم, وقبل انتهاء ولو حتى الدقيقة الأولى وهذا يعني انه لا وجود للدقيقة التسعين, ودون الاحتكام للأشواط الإضافية, ولا حتى لضربات الجزاء أو الحظ, فالحظ عندنا غير موجود, وإذا وجد فإنه يكون قليل بل و ناذر خصوصا في مجتمعنا النامي والمتخلف المتأثر بالأفكار الرجعية قاتلة كوبرنيك وغاليليو. فكيف نتحدث عن الجزاء والمرأة التي هي نصف المجتمع ووالدة ومربية النصف الآخر مقصية منه خصوصا ذالك الوجه الإيجابي المتعلق بالاعتراف والامتنان لحسن صنيعها, أما بالنسبة لوجهه الآخر و السلبي فعادة ما يكون حظ ونصيب المرأة فيه كله لنجدها إما معنفة في بيت زوجها, وإما تعيسة محرومة من حقوقها سواء داخل أسرتها أو مجتمعها وإما نجدها جثة حية تكتري وتعرض لحمها للزبائن مقابل دريهمات قليلة لا تكفيها لشيء ولكن لتعبئة رصيدها من بطاقتها إنوي زهيدة العروض وهذا هو حال لطيفة الغليظة ذات الخالة في أسفل عنقها و التي تبيع الخبز والعسل الأسود و تقطن في دروب زايدة الضيقة, في احد الفيلات الراقية المكونة من تسعة طوابق. كيف يمكن الحديث عن الجزاء ونصفنا الآخر محروم وإذا بحثنا عن هويته, أصل وجوده, لا نجد له إلا ماض تعيس مأزوم وحاضر ملغوم ومستقبل أقل ما يمكن أن نقول عنه انه مجهول, فكيف لا والذكر فيه متحكم ولحريته متهكم ولحقيقته وتاريخه كان ولازال مشوه و مزور.
رأيت وتمنيت لو ولدت كطاه حسين أعمى ولا أرى, نعم أن لا أرى طفلة مغتصبة في سرير مزركش بالورود الشائكة التي تخذ وتدمي جسدها اللين ليونة الطين الذي يجري مع الوادي, نعم مغتصبة تحت ضوء ذاك الأباجور اللعين خافت الضوء الذي أبى إلا أن يكون شريكا في الجريمة وبالتالي متسترا عن حقيقة المغتصب للطفولة البريئة, خصوصا ما يتعلق بأصله وفصله وحالته العائلية, دون أن ننسى سنه ففي نهاية المطاف يبدو معروف, نعم اقسم انه كذلك, فهو في سن يضاعف سن مغتصبته مرتان أو أكثر.
رأيت وتمنيت لو كانت الحواس كما جاء على لسان رونيه ديكارت كثيرا ما تخدعننا ولا أرى رحما في سن الثالثة عشرة يزف زفاف الأبله لقدم الرجل الوسطى و الثالثة التي لا تلبس إلا الرقم الخامسة والأربعين فتكون النهاية انتهاك العرض واغتصاب الكرامة وبالتالي السخرية من القدر والطبيعة التي صيرت الطفلة أما, والبراءة طليقة وبالتالي تصيير الرحم بيتا يتسع للجميع خصوصا لأولئك الذين يغتنمون الفرص الضائعة, فتجدهم تحت عتبة مكان اغتصابها ينتظرون وهم متأكدون من حصول الرحم على البطاقة الحمراء وبالتالي الإقصاء من استكمال ولا حتى تمديد لعبة عروسة وعريس.
سمعت كثرة ما سمعت عن الذكور يتفاخرون في قصور الريصاني وبعض المناطق الأخرى بالأطلس وبعض مداشر سوس عن مدى الطاعة التي تظهرها نسوتهن اللاتي لا تشارك الزوج إلا في الفراش وحمل أثقال الجبال من الحطب والكلاء وغيره. سمعت واستغربت لحال شاب يتفاخر بمدى تحكمه في حياة زوجاته وانه لا صوت يعلوا فوق صوته سواء أكان ذلك بوجه حق, وهي حالة ناذرة, أو باطل وهو الحال السائد في مجتمعنا. سمعت أحدا يسمونه العربي يقول أن زوجته لطالما تمتثل لأوامره حتى ولو اجبرها على عدم زيارتها لبيت أبيها سواء في حالة قرح أو فرح. استغربت لحال (الحاج أمقران) الذي يحاول إقناع نفسه بتدينه وأن تقدمه نحو سن السبعين هي مجرد بركة عندما يحاول إقناع (العياشي) بتزويجه ابنته الصغرى( ماما يشن) ذات سن العشرين. سمعته يقول أن السن ليس بالمشكل خصوصا وانه هو الرجل وهو الغني وهو الخلوق و الوارع والمتدين مستدلا بقول خير البشر (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه). فعن أي خلق نتحدث, خصوصا ذاك الذي يسمح للشخص بتقمص عدة ادوار ولا يرضى إلا أن يكون هو الزوج والأب, والجلاد والقاضي, والفقيه والمغتصب للبراءة. وعن أي دين يمكن أن نتحدث خصوصا في ظل تحريف وتطويع معانيه لخدمة أغراض ونزوات وعقد الذكور الوحشية. عن أي دين يمكن أن نتحدث خصوصا في غياب إنصاف وعدالة حقيقيين للمرأة بنت زنوبيا أو بلقيس أو عائشة. لأي دين يمكن أن نحتكم ونهتدي, هل للدين السماوي, دين الله عز وجل الذي أوصى بالمرأة ووضع الجنة تحت أقدامها, أم لدين وضعي مصدره الفقهاء من المرتادين للزوايا. إذا قدر و قصد بالدين هذا الأخير الذي افقد المرأة حريتها وكرامتها وبالتالي إفقاد الأسرة والمجتمع حقه في السعادة فلا يمكنني بالتالي إلا أن أعلن إلحادي و أقول لكم أيها المتدينون احذفوا اسمي من اللائحة, فانا لست منكم. نعم لست منكم ولن أكون أبدا ما حييت. لكن حاشى لله أن يحل الأخير محل الأول وتنقلب الآية ولذلك أنا مؤمن بطبيعة الحال بذلك الدين الذي كرم المرأة وأكرمها بكل شيء فخلق منها عائشة عالمة , وخلق منها خديجة تاجرة, وخلق منها خنساء فارسة, وخلق منها بلقيس مالكة, وخلق المرنيسي وشعراوي منها مناضلتين, وخلق...الخ.
سمعت وليتني لم اسمع عن كيف ينظر الإنسان الربا طي والفاسي والمكناسي والكازاوي لاولائك العاملات في المخادع الهاتفية والمقاهي ومرتادات المواقف الباحثات عن رغيف خبز حافي يكفيهن لسد حاجاتهن و رمقهن من الجوع وعدم مد يديهن استعطافا للغير. سمعتهم يفصلون أثواب العار على أجسادهن الرهيفة فتارة تنعت با (ا—------ل-------ق---ح---ب--------ة), وتارة أخرى بالعبيتيكة أو التويشية تقليلا لقيمتها وشأنها. سمعتهن وأنا أشاهد مباراة لكرة القدم وهم ينتشون الشيشة يتحدثون عن أولائك الفتيات كما لو كن سيارات لتعلم السياقة وتجريب أدوات العرس الذكرية. سمعتهم ينعتون كل من تتجاهل تحرشهم بخربوبشة وقصدهم هنا الشيخة وهم هنا لا يدرون أن لفظة خربوشة لا تنقص من قيمة المرأة بشيء, بل على العكس من ذلك فهي تكسب أولائك العارفات بتاريخ خربوشة وعلاقته بالمقاومة ثقة, وقناعة, وإصرارا, فكيف لا وهي مدرسة النضال من أجل التحرر من قبضة المستعمر, كيف لا وهي الصدر الرحب الذي احتضن قضايا الشعب فعبر عنها بصوته الذي بدا للمستعمر وكأنه حجارة عرفات أو كلاشينكوف تشي غفارة.
سمعت وتمنيت لو كنت بركانا فأثور أو تسو نامي واضرب كل من يزدري أمي, ويقصي أختي, ويتحرش بمحبوبتي, ويحاول إجهاض ولادة ابنتي. تمنيت لو كنت ماء لأصير سرابا في وجه الظمأى من الذكور المحسوبين خطأ على الرجال وهم مسافرون في الصحاري بحثا عن التعاسة والمشقة والآلام قصد جلبها للمرأة.
سمعت وتفاءلت كثيرا بالغد القريب عندما رأيت كيف كانت رفيقات دربي أسماء وعائشة وفاطمة الزهراء تناضلن بجانب رفاقهن في قلعة الصمود ظهر المهراز دون اكتراث إلى مصيرهن والذي كان بطبيعة الحال هو الاعتقال والتحرش ومحاولة الاغتصاب لا لشيء ولكن لمجرد وعيهن بحقهن في التعليم والمساواة والعدالة. تفاءلت كثيرا بهن وهن يرفعن شعار التنديد بالإقصاء المدوي في حناجرهن (قاضيات المرأة قضية طبقية, قضية تصفوية, هدفها ضرب المرأة).
سمعت كثيرا, فماذا سمعت أنت أيها المثقف عن المرأة وحضورها في المجتمع وعن مستقبل الشعوب من دونها؟
مسعودي عبد الرزاق
تعقيب
واسفاه على اناس اكل منهم الجهل ما أكل. اسف على حالك إن كنت لم تفهم المقال, دكالي. أسف عليك وعلى كل من يتقاسم معك فكرة تنميط الناس وفق قوالب رجعية تقوم على ثنائية المسلم والكافر. المِمن والكافر. المقال يا دكالي لا يناقش موضوع الدين او التدين. لان هذا النقاش لم يعد ذا قيمة باعتبار ان الانسان حر في معتقاداته و افكاره. أسف كل شيء عند الرجعيين يقاس بالدين رغم ان علاقتهم بالدين هي علاقة ماء ونار. المقال هو بالحرى قراءة سوسيولوجية لواقع المرأة عندنا. قراءة لاسباب تخلفنا والجهل المعشش في عقولنا. اعد القراءة دكالي وناقش الفكر. اما عن اسرائيل والغرب والتواطؤ مع الغرب فحرام عليك ان تصف من هم اكثر منك تمسكا بقضايه بالتوطؤ. اعذرك لانه ليست لديك قضية تؤمن بها فقضيتك هي الرجعية.