الوقاية المدنية تسيطر على حريق مهول بأحد المطاعم الشعبية بوجدة

الجيش الملكي يجري آخر استعدادته لمواجهة الرجاء

المعارض الجزائري وليد كبير: ندوة جمهورية الريف تؤكد أن نظام الكابرانات أيقن أنه خسر معركته مع المغرب

كواليس آخر حصة تدريبية للرجاء قبل مواجهة الجيش الملكي في عصبة الأبطال الإفريقية

المعارض الجزائري وليد كبير يفضح نظام الكابرانات ويكشف أدلة تورطه في اختطاف عشرات الأسر بمخيمات تندوف

الحقوقي مصطفى الراجي يكشف آخر التطورات في قضية المدون الذي دعا إلى "بيع" وجدة للجزائر

في انحطاط المشهد السياسي المغربي

في انحطاط المشهد السياسي المغربي

محمد مغوتي

 

حالة التردي الشديدة التي بلغها مستوى الخطاب السياسي في المغرب تستوجب وقفة حقيقية، وتتطلب معالجة دقيقة حتى لا تنطفئ شعلة الأمل الباهتة التي مازالت تمنح بعض الثقة لنسبة من المغاربة في الممارسة السياسية ببلادنا، خصوصا وأن مظاهر هذا التردي أصبحت واضحة للعيان ومتداولة على نطاق واسع، وذلك بعدما تحولت أغلب الجلسات البرلمانية منذ انتخابات 25 نونبر 2011 إلى ما يشبه السوق أو السيرك بسبب سيادة لغة السب والتهريج بالواضح حينا وبالمرموز أحيانا، وبأسلوب يكاد يفرغ السياسة من محتواها ويرسخ في الوعي الشعبي قناعة مفادها: " لا تفتش عن الأخلاق في السياسة".

   اعتدنا على توصيف هذا السلوك الذي ينهل مفرداته من قاموس الشتائم ولغة الشارعبالشعبوية، غير أن التدقيق في المفهوم يجعلنا نستنتج أن ما يعرفه المشهد السياسي المغربي لا علاقة له بالشعبوية، ولا يرقى إلى مستواها باعتبارها خطابا سياسيا له أدواته وآلياته الفكرية، كما هو الشأن في عدد من دول أمريكا اللاتينية مثلا، إذ لا مجال للمقارنة بين السلوك السياسي الذي يصدر عن رئيس الحكومة المغربية وعدد من زعماء وقادة الأحزاب المحسوبة على المعارضة أيضابشعبوية الرئيس الأورغوياني السابق "خوسيه موخيكا" الذي كان يوصف خلال ولايته الرئاسية بأنه أفقر رئيس في العالم. ذلك أن الخطاب الشعبوي لا يعني الحديث بلغة المتداول اليومي البسيط  والمبتذل أحيانا ( استخدام مفردات الزنقة) فقط، بل يشير في العمق إلى الإصطفاف بجانب الشعب وخصوصا في الدفاع عن الطبقات  المسحوقة بالأفعال لا بالأقوال فحسب، وذلك حتى لا يتحول المواطن إلى مجرد كائن انتخابي يتم استدراجه  في كل محطة إنتخابية لإضفاء المشروعية على ممارسة سياسية لا تنتج إلا الإنحطاط والتفاهة.

   في أوربا أيضا تنامى المد الشعبوي بشكل ملحوظ في عدد من الدول، فظهرت خلال السنوات الأخيرة أحزاب جديدة بدأت تفرض نفسها في الساحة، وتسحب البساط تدريجيا من الأحزاب الكبرى التقليدية التي اعتادت على التناوب في تسيير الشأن العام منذ وقت طويل، وهو ما حدث في اليونان مثلا، حيث نجح حزب يوصف بالشعبوية هو "سيريزا"  في الفوز بالإنتخابات الأخيرة التي جرت في يناير الماضي.والنموذج الأكثر بروزا في السياق الأوربي الآن يقدمه حزب " بوديموس" اليساري الإسباني الذي استطاع في وقت وجيز أن يحظى بشعبية جارفة وتعاطف كبير في إسبانيا، وأصبح رقما صعبا في الخريطة الحزبية هناك، بعدما نجح في فرض نفسه كبديل محتمل في وجدان الناخبين الإسبان - ممن ليسوا راضين على الأداء الحكومي هناك - لخلخلة المشهد السياسي الذي ظل يتقاسمه الحزبان الكبيران " الشعبي" و"الإشتراكي"، وهو ما بدا واضحا عندما نجحت الحركة الإحتجاجية التي عرفتها البلاد في ماي 2011 في استقطاب عشرات الآلاف من المواطنين رفضا لسياسات التقشف التي تنتهجها حكومة "راخوي"، وهي المظاهرات التي شكلت النواة الأولى التي مهدت لظهور الحزب الجديد. ويعرف زعيم هذا الحزب (الثوري) "بابلو إغليسياس" على نطاق واسع بهجومه الحاد والعنيف على حكومة بلاده، ورفض سياساتها ومقاومتها بلغة يفهمها الشارع ويستوعبها جيدا ويتناغم معها أيضا، لكنها لغة بعيدة عن قاموس الهجاء ومفردات داحس والغبراء التي يعج بها المشهد السياسي المغربي سواء تحت قبة البرلمان أو في التصريحات الإعلامية أو في التجمعات الحزبية.

إن انحطاط الخطاب السياسي الذي تنتجه بعض الأحزاب المغربية يبعث على الأسى والخوف من المستقبل، لكنه أيضا يثير الشك والدهشة. فهل ما يحدث هو نتيجة طبيعية مرتبطة بسياق معين يفرض نفسه في هذه المرحلة، أم أنه سلوك مقصود يراد من خلاله إبعاد المغاربة عن السياسة والنفور منها؟. هذا السؤال له ما يبرره، ففي الوقت الذي يتحدث فيه جميع الفاعلون الحزبيون عن ضرورة تخليق السلوك السياسي وتجديد النخب السياسية وتشجيع الشباب على الإلتحاق بالأحزاب، يبدو واقع الفعل غير منسجم بتاتا مع ما هو معلن، فعلى الرغم من أن المغرب قد قضى أشواطا مهمة في تجاوز ممارسات الماضي التي كانت خلالها كلمة "سياسة"  كافية لتثير الرعب والخوف في النفوس بسبب التضييق الشديد على الحريات، فإن ما نشهده اليوم هو محاولة جديدة لإجبار المغاربة على " العزوف السياسي"، لكن الأمر يتم هذه المرة بوسائل وأدوات جديدة يبدو أنها تحصد يوما بعد يوم نجاحات مبهرة، فالثقة في السياسة والسياسيين وصلت إلى الحضيض، والنخب المثقفة التي يعول عليها لتحقيق التغيير وبعث الروح في الأداء الحزبي لا تجد مكانا لها بين أغلب القيادات الحزبية، ولا تأثير لها في صنع القرار الحزبي الذي يعاني من التبعية والوصاية ولا يحضر إلا كديكور للتزيين.

هذه الأحزاب التي لا يهمها إلا الحصول على أصوات انتخابية تمنحها المشروعية وتكرس نفس الواقع وتنتج نفس الممارسات. واستدعاؤها المستمر لاسم الملك وإقحامه في حروبها الكلامية كما تعبر عنه التصريحات والأفعال الصادرة عن بعض قادتها: ( حكومة ومعارضة صاحب الجلالة –الملك راض عن أداء الحكومة –  طلب التحكيم الملكي....)، هذا الإقحام إذن، دليل على انحسار الأفق الفكري والإيديولوجي لهذه الأحزاب، وخصوصا تلك التي توصف بالكبيرة سواء في الحكومة أو المعارضة. وهي بذلك لا تخدم المغرب بأي حال من الأحوال ولا تساهم في الدفع بعجلة الديموقراطية التي يبدو أنها مازالت متوقفة في لحظة الإنتقال التي طالت كثيرا. وتلك نتيجة طبيعية مادام المشهد الحزبي لا ينتج خطابا سياسيا إصلاحياديموقراطيا وجريئا بالقدر الذي يسعى إلى نيل الترضيات، وينتج ظواهر صوتية تتنافس في السوقية والبهرجة.

 


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات