سعيد صابر
لا أحد يجادل في أن التعليم يعتبر من أهم الأوراش المجتمعية التي بنجاحها تتقدم الدول و بتعثرها تسقط في غياهب الجهل و التخلف. من هذا المنطلق كان هذا الورش من أكثر الأوراش حصولا على الاهتمام في كل الحكومات ما دمنا نعلم أن قيم المجتمع و غاياته الكبرى و سبل تحكم هذا المجتمع في نمط تفكير مواطنيه تتبلور في الحياة المدرسية أكثر مما تتبلور في أي ميدان آخر.
هذا بصفة عامة، أما إذا أخذنا بلدنا المغرب كحالة ، فإن الجميع يعلم أيضا أن ميدان التعليم عرف عدة إصلاحات، كان مصير أغلبها إلى الفشل بالرغم من أن هطا الأمر نسبي تماما، و الدليل أن الذين ينتقدون التعليم حاليا هم أول من استفاد من الإصلاحات التي حدثت فيه. لذا أنا أحبذ التحدث عن تعثرات بدل الحديث عن أزمة أو إفلاس المنظومة التعليمية.
بعد هذه المقدمة الطللية ، ههههه, لنعد إلى موضوع العنوان: "الرؤية المستقبليةلإصلاح التعليم 2015_2030" التي شعارها :منأجلمدرسةالإنصافوالجودةوالارتقاء: رؤيةاستراتيجيةللإصلاح 2015-2030»،
و لنلاحظ منذ الوهلة الأولى التناقض الصارخبين الشعار و الرغبة في الإصلاح.
فإذا كانتسنة بداية الإصلاح هي 2015 ، و إذا أخذنا بعين الاعتبار كثرة الحديث عن تغيير المناهج و تيسيرها و تقليص الضغط على المدرسين و المتعلمين على حد سواء، نرى أن الموسم القادم لن يحظى بتذوق حلاوة هذا التغيير,و السبب بسيط، لأننا في نهاية الموسم الدراسي 2014_2015 و لا شيء يلوح في الأفق أن الموسم 2015_2016 ستتغير فيه المناهج و المقررات ، إلا إذا حدثت مفاجأة و تمت المصادقة على الكتب الجديدة التي لا أحد من أهل الميدان يعرف دفتر تحملاتها و كيف سيتم المصادقة عليها،و هل فعلا تستطيع تحقيق الغايات التي تحملها هذه الرؤية المستقبلية؟ و كما كتبت في مقال سابق: رغم احترامي لكل الأساتذة و المفتشين الذين اجتهدوا في إخراج الكتب المدرسية السابقة ومع كل تقديريلزادهم المعرفي، لكن يبقى هناك سؤال جوهري: هل استنساخ قصص أو مقاطع من مؤلفات وطنية و عالمية و طرح أسئلة حولها يكفي لزرع قيم المواطنة و حقوق الانسان في نفوس الناشئة؟ فتأليف كتاب بالطبخة المغربية لا يحتاج إلى خلية كتابة، إنما يحتاج إلى من يعرف تقنية "نسخ لصق" فقط،و الدليل على ذلك أنك إذا سألت محرك البحث "العم غوغل" على تمارين و دروس سيعطيك آلاف، بل ملايين النسخ التي ألفها مدرسون مغمورون لكنها أفضل بكثير من تلك التي صادقت عليها وزارة التربية الوطنية. و لاداعي للتذكير هنا أن عدة مقالات كتبها صحافيون مغاربة ذكرت الجميع بالطريقة التي تم بها توزيع "كعكة" الكتب. فهل الإصلاح خرج مائلا من الخيمة كما يقال في المثل؟ لا أدري ، لكني أتساءل فقط؟
الشعار الجميل الذي أُخْتيرَ لهذا الورش يتحدث عن المناصفة ، الجودة ، الإرتقاء. ثلاث غايات رائعة لا أحد يريد أكثر منها في الوقت الراهن، و لايسعني إلا أن أقول عبارة:"دجميل دجميل جدا", على قول الفكاهي المغربي " الخياري" . و الآن لنقم بتحليل كل غاية على حدة و لنبدأ ب:
+ الإنصاف: لا أحد يريد أكثرمن الإنصاف في التربية و التعليم ، إلا أن هذه الغاية تحتمل عدة تأويلات و تنزيلات. فحسب منطوق الرؤية فالإنصاف يعنيتكافؤ الفرص الذي يمر بالضرورة عبر سلسلة من سياسات القطيعة والتغييرتروم تعميم إلزامية التعليم ما قبل المدرسي، ووضع تمييز إيجابي لفائدة المدرسة القروية مضيفة أن هذا المبدأ يعني أيضا ضمان الولوج إلى المدرسة والتكوين للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، و إعادة الثقة في المدرسة التي يتعين عليها أن تصبح مدرسة تفاعلية أكثر فأكثر.
كما تقترح الرؤية لتحقيق هذه الغاية القيام بتشجيع تمدرس الفتاة و تشجيع الدعم الاجتماعي و تعميم التعليم الأولي مع حث الجماعات الترابية على المساهمة في هذا الورش الوطني الهام.
كلام جميل، كلام معسول ، لكن دائما لنعد إلى الواقع، لأنه هو الفيصل و الحكم في مثل هذه الحالات، و للتوضيح أذكر هنا أن الدولة المغربية في شخص حكومتها الحالية لا تنفك تتحفنا بتلك الأسطوانة المشروخة على أننا بلد فقير وعلينا التحمل قليلا من أجل الوطن تحت مسمى سياسة التقشف الحكومية و شد الحزام الذي ضاق كثيرا على خصر الطبقة المتوسطة خصوصا في القطاعات الاجتماعية و على رأسها "التعليم". فكيف بحكومة لا تستطيع النهوض باقتصادها إلا عن طريق القروض و الزيادات المتتالية أن تجعل من التعليم رافعة للتنمية؟ وكيف تستطيع الدولة أن تدفع الجماعات المحلية الفقيرة أصلا إلى المساهمة في تعميم التعليم الأولي في ظل الحديث عن شح الإمكانيات المادية؟ و هنا وجب تذكير الجميع أن هذه المقترحات كانت حاضرة في الميثاق الوطني للتربية و التكوين لكنها ظلت حبرا على ورق، فهل بعد مرور أكثر من عشر سنوات على الميثاق مازلنا نقف عند نفس نقطة الانطلاق؟
+ الجودة: حيثأبرزت وثيقة الرؤية أن أي إصلاح كبير يتطلب أيضا سلسلة من السياسات المجددة تروم بالخصوص ضمان مدرسة الجودة بالنسبة للجميع، ولبلوغ هذه الأهداف يتعين إعادة التفكير في التكوين والتأهيل في مهن التدريس وإعادة النظر في المناهج البيداغوجية ومراجعة البرامج وتوضيح الاختيارات اللغوية وإقامة حكامة جيدة والنهوض بالبحث العلمي والابتكار.
هنا سأستعير عبارة السي كبور: " وايلي وايلي". لست هنا أستهزأ بما توصل إليه المجلس الأعلى ، لكني أتساءل أيضا: هل تسبق العربة الحصان؟ فلتحقيق هذا الهدف لابد ان يكون هناك عدد كاف من المؤطرين التربويين لتقديم التكوين البيداغوجي المستمر للمدرسين ، و فيما يخص المناهج و البرامج فلا بد قبل ذلك كله أن نعرف أي مقاربة بيداغوجية سنتبنى في التدريس، هل سنستمر في بيداغوجيا الكفايات أم شيء آخر؟ و ماهي فلسفة التربية التي سنعتمد عليها؟ و بخصوص الاختيارات اللغوية ، فعلى الرغم من الانتصار للغة العربية و الأمازيغية في التدريس لأنهما اللغتان الرسميتان بقوة الدستور، و هذا لوحده يحتاج مقالا لوحده لرصد العراقيل التي ستعترضه، إلا أن الجدل حول اللغة الأجنبية سيستمر رغم التفوق الحالي للوبي الفرنسي. أما النهوض بالبحث العلمي، فلاداعي للخوض في هذا الموضوع أصلا، لأن الجامعات المغربية و المختبرات خير شاهد على تفوقنا في هذا الميدان.
الجودة اختيار و غاية ، لكن الوصول إليها لا يكون فقط بالنية الحسنة و التمني، بل بتوفير الشروط الموضوعية لتحقيقها.
+ الارتقاء: من خلال التقرير نلاحظ أنهاتمثل الرافعة الثالثة للرؤية الاستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية و ذلك من خلال خلق مدرسة تساهم في اندماج الفرد والتطور الاجتماعي، والتي تتطلب ايضا سياسات مركبة تروم تطوير مدارك التلاميذ والطلبة، وتحقيق اندماجهم الفعال في مجتمع المواطنة و الديموقراطية.
هذا المطلب يتعلق ضمنيا بالغايتين السابقتين، فلكي نحقق الارتقاء و جعل المدرسة وسيلة للاندماجالاجتماعي و التفوق، لابد أن تحقق أولا الإنصاف و الجودة، لكن من خلال الواقع الذي يكذب هذا الأمر لا نجد أنفسنا متفائلين البتة. للتوضيح:
تشجيع تفريخ المدارس الخصوصية على حساب التعليم العمومي لا يجعل هذا الأخير رافعة للارتقاء الاجتماعي.
إقفال المدارس العمومية بالمدن بدعوى قلة المتمدرسين و توزيعهم على المدارس القريبة في ضرب واضح لقيم الجودة و تكريس ممنهج لمشكل الاكتظاظ بدل النقص منه عن طريق القيام بعملية عكسية و تنقيل تلاميذ المدارس المكتظة إلى المدارس الأخرى حتى يتم تخفيف الضغط على الأساتذة. هذا أمر لا يشجع على الارتقاء.
الأقسام المشتركة في العالم القروي و مشكل الوسائل الديداكتيكية المنعدمة و عدم تخفيف الدولة من معاناة المتمدرسين في القرى النائية، خاصة في فصل الشتاء, وانعدام تشجيع المدرسين ولو معنويا رغم قساوة الظروف التي يعملون تحت وطأتها، و تحميلهم مشاكل المنظومة التربوية في المغرب وحدهم دون سواهم لا يمكن أن يشجع على الارتقاء.
و و و و هناك العديد من الأشياء التي يمكن إدراجها هنا و لكن هذه فقط تكفي لتعطينا الجواب.
الشيء الوحيد الواقعي الذي جاءت به الرؤية هو أن الإصلاح المنشود لن يتحقق دون انخراط هيئة التدريس فيه بشكل جدي. لكن هنا لا بد أن نقف قليلا، بل كثيرا حول هذه النقطة، لأن الانخراط يحتاج إلى تشجيعات. و في حالتنا المغربية، لنتذكر معا عدد الربورطاجات التي قدمها الإعلام و التي تضرب قيمة المدرس و تبخسه حقه و تصوره إنسانا مليئا بالعقد. لنتذكر المذكرات التي سلبت الأستاذ حقه حتى في التحكم في قسمه، لنتذكر التحفيز المادي الذي قال عنه رئيس الحكومة أنه لن يكون، لأنها حكومة لا تكذب،ولأننا أيضا دولة فقيرة ،وتحسين وضعية الموظفين تكلفته كبيرة، في تحطيم كلي لكل معنويات هؤلاء الذين نريد أن ينخرطوا في الإصلاح و تحقيق غايات الرؤية.
هنا أعود بكم إلى أعلى مرة أخرى. الحكومة تريد إصلاحا مجانيا وعلى رجال و نساء التعليم التضحية مجددا من أجل الوطن على حساب عيشهم الكريم. و بما أننا نعيش في ظل حكومة البركة ، فالإصلاح سيكون أيضا بالبركة و نبينا عليه السلام.
هذه بعض الملاحظات كان لا بد لنا من الإشارة إليها قبل أن ينتهي الموسم الدراسي الحالي و نشرع في تطبيق الرؤية ابتداء من الموسم القادم. لسنا متشائمين بطبعنا، لكن في ظل هذه الاجواء لسنا كذلك متفائلين، إلا أن الغد قد يحمل مفاجآت لهذا نحن أيضا فقط نتمنى أن تكون مفاجآت سارة و إلا ضاعت أجيال أخرى من شبابنا في طريقنا للبحث عن وصفة سحرية لأعطاب التعليم.
استاذ
مفهمت والو
مقال مصلصد ، افكار غير متناسقة، استدلالات باطلة، ...حاول اكثر