شاهد لحظة مغادرة "أزواغ" حارس اتحاد طنجة دربي الشمال باكياً

رغم التأخر في النتيجة...الجماهير الطنجاوية تشجع فريقها بقوة في ديربي الشمال

كركاج خيالي للجماهير الطنجاوية في ديربي الشمال

لاعبو الوداد والرجاء يعلقون على نتيجة التعادل في ديربي الويكلو

الله ياخذ الحق..أول خروج إعلامي لعائلة التلميذ ضحية جريمة قتل بطنجة

سابيتنو ينتقد الحكم صبري بسبب عدم طرد لاعب الوداد ويؤكد: الخصم لم يكن يستحق التعادل

العفو العام فضيلة منسية أم جريمة ضد الإنسانية

العفو العام فضيلة منسية أم جريمة ضد الإنسانية

يوسف المتوكل

 

على مر التاريخ البشري، باختلاف أديانه وفلسفاته وتقاليده الإنسانية، لم يخلو مجتمع أو قبيلة أو أمة إلا ونظر لقضية العفو، نظرة كلها تقدير واحترام، وأصبح العفو فضيلة من فضائل وقيم مكارم الأخلاق الحقيقيّة والإنسانية، في كل ربوع العالم، وفوق كل بقعة من بقاع الأرض، فأصبح كل من يتحلّى بصفة العفو،موسوم بالكرم وحسن الأخلاق والفضيلة.

ويعتقد أن قضية "العفو العام" ظهرت على نطاق الإنسانية قاطبة مع ظهور مصطلح "الجرائم ضد الإنسانية"، خصوصا في القرن العشرين بعد الحرب العالمية الثانية، حيث ولأول مرة تقف الإنسانية بشكل قانوني لمحاسبة نفسها على نطاق كوني، ومنذئذ تحول العفو إلى قيمة أخلاقية تلجأ إليها الشعوب لتأمين انتقال مدني سلمي للسلطة، نحو مرحلة جديدة من التصالح بين أعضاء المجتمع الواحد.

ولما كان العفو العام عن الجريمة موجود منذ أقدم العصور،وتطور حتى صار تشريعاً،فأصبح يعرف في الاصطلاح القانوني؛أن العفو العام هو قانون يصدر عن السلطة التشريعية؛ يهدف إلى محو الصفةالجرمية عن الفعل،وبه يتنازل المجتمع عن حقه في معاقبة الفاعل على فعله، وهو عفو شامل يشمل جميع الجرائم والأشخاص بأحكامه. 

ويصدر هذا العفو غالبا إثر الاضطرابات السياسية والاجتماعية، ومحاولة تغيير بعض الأنظمة الشمولية إما بالثورة أو الانقلاب، فيسعى المشرع أو رئيس الدولة او الملك إلى إصدار عفو عام، فيسدل الستار على ذلك الماضي، وما اكتنفه من ذكريات أليمة، سعيا لتحقيق مصالحة عامة، ونشر الطمأنينة والسكينة في المجتمع.

إنّ فلسفة العفو ليست دفع الأفراد والجماعات الى التمادي في الجرائم، أوتجاوز القوانين والحدود، بل إنّ فلسفته الحقيقيّة هي محاولة إبعاد جوّ الذنب والجريمة عن المجتمع. وبناء على هدا فإن الدين الإسلامي يتوخّى من ذلك تحقيق عدّة أهداف من أهمها - وأخطرها-: القضاء على الذاتية والأنانيّة؛ إذ من المعلوم أنّ النسبة الأكبر من الصراعات السياسية والاجتماعية منشؤها حبّ الذات، والجري وراء المصالح الذاتيّة في التسلط على البلاد والعباد. وهو ما يصطلح عليه الفيلسوف "طه عبد الرحمن"ب "مبدأ النسبة"، أي أن النفسالبشرية تنسب الأشياء إليها، ولا تزال هذه النسبة تتزايد ويتسع نطاقها مورثة إياه الشعور بأنه أضحى يملك ويسود ، حتى تنبعث فيه الرغبة في السيادة على غيره من الخلق، ثم تأخذ هذه الرغبة في التصاعد والاشتداد حتى تستبد به"1.

تلك هي فلسفة العفو الذي يراد به الدفع بالمجتمع نحو التصالح مع الذات والغير، في نزوح جماعي للضمير الإنساني نحوالرقي والكمال لكي يعفو ويصفح عمن ظلم واعتدى. 

وإذا كنا بصدد التسويق، وإعطاء مدلول آخر لهذه القيمة الإنسانية والأخلاقية، ذات البعد الاجتماعي والسياسي، يستجيب لنداء الفطرة الإنسانية السليمة، فإنه لا بد وأن نستشير التاريخ الإنساني في أرقى حقبه الزمنية، ونستدعي نماذجه الحية التي يشهد لها العالم بأسرهفي العدالة الاجتماعية، ذلك لأن التاريخ مدرسة شاهدة على مراحل رقي المجتمعات وتطورها أو انحطاطها وأفولها.

أما النموذج الحي الذي نحن إزاء بسطه وتحليل أحداثه، وفق رؤية جديدة، فهو حدث "فتح مكة"،الذيشهد له التاريخ الإسلامي وبالضبط في عهد النبوة، والذي أُرخ له في 20 رمضان 08 للهجرة، الموافق ل 10 يناير 630 ميلادية، حيث كان حدثا باهرا للعالمين، وكان نموذجا راقيا يحتدا به في قضية "العفو العام".

وقداعتبره المؤرخون والدارسون معجزة في العفو عن الناس، لا يمكن أن تتكرر على مر التاريخ، لما كان لها من وقع مفاجئ على أهل مكة والجزيرة العربية وكل العالم من حولها آنذاك.

وقبل الدخول في تفاصيل الحدث؛ دعونا نستحضر شهادات بعض المستشرقين الغربيين المنصفين،والتي جاءت نتيجة دراسة علمية اكتملت فيها عناصر المنهج العلمي الحديث، القائم على الملاحظة والتجربة والاستقصاء حول هذا الحدث الذي توج ب"العفو العام".

ونبدأ بالمستشرق الفرنسي E.Dermenghem"إميل دير منجيم"2،الذي يشهد شهادة منصفة على هذا الحدث في كتابه "حياة محمد"فيقول:"أن محمدا قد أبدى في أغلب حياته اعتدالا لافتا للنظر، فقد برهن في انتصاره النهائي على عظمة نفسية قل أن يوجد لها مثال في التاريخ، إذ أمر جنوده أن يعفوا عن الضعفاء، والمسنين والأطفال والنساء، وحذرهم أن يهدموا البيوت، أو يسلبوا التجار، أو أن يقطعوا الأشجار المثمرة، وأمرهم ألا يجردوا السيوف إلا في حال الضرورة القاهرة، بل رأيناه يؤنب بعض قواده ويصلح أخطاءهم إصلاحاً مادياً ويقول لهم: إن نفساً واحدة خير من أكثر الفتوح ثراء"3.

وذلك ما أكده المؤرخ الأمريكيWashingtonIrving"واشنجتونايرفنج"4، في كتابه "حياة محمد" أيضا، معلقًا على قرار "العفو العام"، حيث قال: "كانت تصرفات الرسول محمد في أعقاب فتحمكة تدل على أنه نبي مرسل لا على أنه قائد مظفر، فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح في مركز قوي.ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو"5.

وباستدعاء هذا النموذج الحي من التاريخ الإسلامي، واستحضار هذه الواقعة  

التي كانتفتحا عظيما،ليس للمسلمين فقط بل حتى للأديان المجاورة والثقافات الأخرى، التي تتلمس عظمة الإسلام والمسلمين في تعاملهم مع مخالفيهم وحتى أعدائهم بالسماح والعفو ومنحهم الحرية التامة، بالأحرى مع المجاورين من أهل الكتاب من المسيحيين أو اليهود أو الوثنيين.

فبعد أن تمت المعاهدة السياسية - التي تحدثنا عنها في مقال سابق تحت عنوان: "قواعد الأمن والسلم من خلال نموذج صلح الحديبية، المعاهدة السياسية البارعة"-،اشتغل المسلمون بنشر الإسلام وتعاليمه، وكان وفاؤهم لقوم قريش أمرا مقررا فيما أحبوا و فيما كرهوا. 

جاء سبب الفتح هو نقض قريش لهده المعاهدة، ونحن نعلم أن الغدر ليس من صفات النبيين و أتباعهم، لكن عندما ينقض العهد، ويخل ببند من بنود المعاهدة، ويعتدى على الحلفاء، فلا مجال إلا للعقوبة الرادعة6. 

لقد كانت استجابة الرسول – صلى الله عليه و سلم – لنصرة المتحالفين معه وهم قبيلة "بني كعب"، والرد على عدوان قريش من السرعة والحزم، بحيث لا يقبل المناقشة و الجدل.فسار جيش المسلمين مسرعا إلى مكة، و نصبت الخيام وأوقدت النيران في معسكر يضمحوالي عشرة آلاف جندي.

دخل  "أبو سفيان"- وهو من كبار وأشراف قريش - ، دخل مكة مبهورا مذعورا، وهو يحس أن من ورائه إعصار، إذا انطلق اجتاح ما أمامه فما يقف دونه شيء. ورأى أهل مكة الجيش الفاتح يقبل من بعيد، فاجتمعوا على سادتهم ينتظرون الأمر بالقتال، فإذا "بأبي سفيان" ينطق بصوت عال:"يا معشر قريش، هذا محمد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن.ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، و من دخل المسجد فهو آمن". فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد. 

على حين كان الجيش الزاحف يتقدم، ورسول الله على ناقته، وبدا عليه التواضع الجم. إن الموكب الفخم المهيب الذي ينساب به حثيثا إلى جوف الحرم، والفيلق الدارع الذي يحف به ينتظر إشارة منه فلا يبقى بمكة شيء آمن7. 

إن هذا الفتح المبين ليذكره بماض طويل الفصول، كيف خرج مطاردا؟ وكيف يعود اليوم مؤيدا منصورا، أي كرامة عظمى حفه الله بها هذا الصباح الميمون.لكن الصحابي"سعد بن عبادة" زعيم الأوس، ذكر ما فعل أهل مكة، ثم شعر بزمام القوة والسطوة في يده فصاح: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشا"، بلغت هذه الكلمة مسامع رسول الله فقال:" بل اليوم، يوم تعظم فيه الكعبة،اليوم يوم أعز الله فيه قريشا". 

ودخل النبي مكة، شاكرًا حامدًا ربه، متواضعالله، حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح،و قد أمر بتطهير البيت الحرام بإزالة الأصنام عنه، وشارك بيده في تكسيرها، وهو يقرأقوله تعالى:" قل جاء الحق وما يبدئ الباطل و ما يعيد "8. وقوله:" قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا "9.

وكان يحفه خير الجنود، عليهم وَقَار البطولة، وكلهم في انتظار إشارة منه؛ لتتحول مكة إلى حمام دم، ومذبحة يشيبُ لها الولدان، وخسف وهدم، ليدمروا مكة على رءوس المشركين، فهم الذين عذّبوا المسلمين أيام عهد مكة، وسجنوهم وحاصروهم وأخرجوهم، ولكن ما حدث ليس ذلك. 

فبعد أن  طهر المسجد أقبل على قوم قريش وهم صفوف، يرقبون قضائه فيهم،فقال:"لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده".

وأعلن النبي الكريم في هده اللحظة"العفو العام" عن أهل مكة، عندما اجتمعوا حول الكعبة وهم يسمعون له، إذ قال: "يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم و ابن أخ كريم، قال:" فإني أقول لكم ما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم، اذهبوا فأنتم الطلقاء"10.

تلك كانت قصة "العفو العام"، وكان هذا ما نطق به لسان محمد بن عبد الله عليه الصلاة و السلام، في يوم "الفتح الأعظم"، الذي شهد له التاريخ بعظم عفوه وتسامحه مع ألذ أعدائه، الذين ما فتئوا يطلبون رأسه حيا أو ميتا، فهذا جوابه، وهذا خلقه، في قمة التعبير عن العفو عمن ظلم واعتدى. 

لقد كان هذا الفتح فتح أخلاق ورحمة، قلما نجد في تاريخ البشر فتحًا يضاهي فتح مكة في روعة أخلاقياته. وقد ازدحمت في هذا اليوم، مشاهد الأخلاق الكريمة، وصور الخلال السجية، حتى تيقن الدارسون والباحثون والمفكرون في التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية؛ أن محاضن التربية التي كانت "دار الأرقم" وعاء لها، قد أتت أُكلها، وأينعت ثمارها، وانتفضت حية في سلوك الصحابة يوم الفتح.

فلم نسمع يوم صدور "العفو العام"؛ أن رجلاً مسلمًا هتك عرض امرأة، أوهدم بيتًا، أو أفسد زرعًا، أو قتل ظلمًا، أو فزّع طفلاً. فأخلاقيات "العفو العام"، هي أخلاقيات تمخضت عن نفوس أُشربت على التراحم فيما بينها والتآخي والتغافر.

وحتىبعد أنتمكنوا من الحكم وشيدوا نظاما سياسيا، وتمكنوا من رقاب الناس، أَعطوا العفو، وتجنَّبوا الضرببالقوة.فمسألة التمكين ليست حكاية تصفية حسابات، وليست حكاية تجهيز المشانق لمن شنقوهم، فشنقًا بشنق وتنكيلاً بتنكيل، بل يعتبر الإيذاء ضريبة التمكين. وبالتالي تبين لنا أن العفو العام عن الناس إنما هو فضيلة كبار النفوس كيف ما كانت مستوياتهم الاجتماعية والسياسية، وكيف ما كان موقعهم من المسؤولية في الدولة أو المجتمع.

بقلم: يوسـف المتوكل

[email protected]

 

فهرس المراجع

1) طه عبد الرحمن، روح الدين؛ من ضيق العلمانية إلى سعة الإئتمانية، ط/2، 2012، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ص 91.

2) E.Dermenghemإميل درمنغم، مستشرق فرنسي، عمل مديرا لمكتبة الجزائر، من مؤلفاته: "حياة محمد"، و"باريس 1929"، وهو من أدق ما صنفه مستشرق عن النبي صلى الله عليه وسلم, و"محمد والسنة الإسلامية"، "باريس 1955".

3) بشرى زخاري ميخائيل، محمد رسول الله هكذا بشرت به الأناجيل، ط/ 2، دار الثقافة العربية للطباعة، القاهرة، د،ط،ص50

4) Washington Irvingواشنجتونارفنج 1859- 1783م، مستشرق ومؤرخ أمريكي، أولى اهتماما كبيرا بالدراسات الإسلامية، من مؤلفاته: حياة محمد، وفتح غرناطة. أنظر نجيب العقيقي : المستشرقون 3/131.

5) واشنجتونايرفنج: حياة محمد، نشر في 1 سبتمبر 1991 من قبل إبسويتش الصحافة (ونشر لأول مرة 1849) ص 72. الطبعة منشورة باللغة الإنجليزية.

6) منير محمد غضبان، فقه السيرة النبوية، 1419ه، مطابع جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ص 559.

7) منير محمد غضبان،فقه السيرة النبوية، ص 565- 566.

8) سورة سبأ الآية 49.

9) سورة الإسراء الآية 81.

 

10) منير محمد غضبان،فقه السيرة، ص 294.

 


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات