يوسف الإدريسي
ثمة مفارقة كبيرة في الفكر التحكمي للعقل السياسي الرسمي وأداته التصريفية المتمثلة في مختلف مؤسسات الحكومة، إذ إن الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية توحي إلى أن تخبطا جليا يطبع السياسة الإجرائية للدولة المغربية التي تفتقد الحكمة في التعامل مع هذه الأحداث.
ففي الوقت الذي عمد فيه مسؤولو الدولة إلى تشجيع الإسفاف الأخلاقي وتكريس الابتذال الفني في صورة استنكرها المواطنون سواء بلفظ جلي أو بغمز خفي، من خلال مهرجان موازين الذي شهدت خشبته أجسادا عارية وشعارات مثلية أحرجت الأفراد والجماعات، في الوقت ذاته تعمّد أصحاب القرار الفعلي منع الاعتكافات الرمضانية بمختلف مساجد البلاد، مع انتهاج أسلوب قمعي في محاولة لإخراج المعتكفين من بيوت الله بالقوة والعنف المعهودين في تدخلات الأمن المغربي ضد المعطلين وذي المظالم الاجتماعية والسياسية، في خرق صريح للفصل الثالث من الدستور القاضي بأن الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية.
إن الحقيقة التي أريد أن أقف عندها في هذا المقال هي أنه فعلا المغرب دولة الاستثناء...استثناء في كل شيء؛ في الدولة وأجهزتها، في الأحزاب وتفريعاتها، في النخب وتقديراتها، في كل شيء حتى في الفئة المستضعفة التي يبدو أنها استساغت الوضع وأنست به.
عفواً أيها السادة، إن مثل هذه المحطات التربوية تعتبر صمام أمان للمجتمع في ظل الفساد الأخلاقي والخواء الروحي والتهجير الطوعي لشباب المغرب نحو العراق والشام وما جاورهما، إن إقبال المغاربة على سنة نبيهم المصطفى عليه الصلاة والسلام ينبغي أن يقابل بالتشجيع والتحفيز والاستثمار المجتمعي بدل أن يجابه بالمنع والترويع، لا أعتقد أنه من العقل والحكمة أن تُرصد أموال الشعب في تمويل المهرجانات الماجنة والسهرات الساقطة في حين يتم التضييق على المبادرات الروحية التي تلامس تاريخ الشعب وهويته وثقافته.
حقيقة أخرى بمرارة العلقم، حين خرجت منظمات حقوقية في وقفات احتجاجية تطالب بالحق في لباس التنورة القصيرة دفاعا عن حرية الاختيار واحتراما للنزعات والميولات الشخصية، غير أننا لم نحس منهم من أحد ولم نسمع لهم ركزا حين تعلق الأمر بحرية التدين واختيار التعبد لله، ليتأكد بالمسموع والمشهود أن التدافع الحقوقي بالمغرب يخضع بدوره لمنطق الحزبية الضيقة وسياسة المعايير المزدوجة و الكيل بمكيالين، حتى وإن سلمنا أن جماعة العدل والإحسان ذات التوجه التربوي تريد أن تستغل هذه المحطات لجني مكاسب سياسية، فما الذي يمنع وزارة الأوقاف السيادية من تنظيم الاعتكافات الرمضانية وتوفير الملاذ الروحي والترقي الإيماني لشباب المغرب المتعطش لدينه وعقيدته؟ أليس من غايات المؤسسات الدينية الرسمية أن تهيئ بيئة إيمانية تساعد الناس على الاستقامة والسلوك الإحساني، أم أن الدولة المغربية تستكثر على أبنائها ثواب ليلة خير من ألف شهر؟ .