خالد التاج
عرفت ظاهرة التشرميل كنوع من الجريمة في الآونة الأخيرة انتشارا واسعا من حيث الرقعة الجغرافية أو التطور في أساليبها المعتمدة في الترويع والمس بالسلامة الجسدية والنفسية لضحاياها أو الجرأة في اختيار ضحاياها. وليست أولها الهجوم على الطلبة في الجامعات أو المصطافين في الشاطئ وليس آخرها الهجوم على قطارات وترويع الركاب والآمنين أو استهداف حتى رجال الأمن بأنفسهم والأساتذة في المدارس، محطة التشرميل هذه بدأت تأخذ منعطفا خطيرا و طابعا وحشيا من خلال الهجومات ضد المارة أو ما يتردد عن مهاجمة الآمنين بالسيوف و السواطير في العديد من المدن كالرباط أو القنيطرة أو فاس التي أصبحت فيها مشاهد الإجرام شيئا مألوفا، أو في مدينة إستراتيجية كطنجة. كثيرة إذن هي الأسئلة وعلامات الاستفهام التي تطرح حول استفحال جرائم "التشرميل" ومن غير المستبعد أن يأخذ مسار هذا النوع من الجريمة منحى أكثر خطورة إذا بقيت الأمور على هذا المنوال على الرغم من المجهودات المبذولة من قبل رجال الأمن للتصدي لهذه الظاهرة الاجتماعية وعلى الرغم من جسامة التحديات التي تجابههم لاسيما في المدن الكبرى.
بالطبع هذه الظاهرة تعد من إفرازات المجتمع وعومل انتشارها وتفاقمها متعددة بين الفقر والإقصاء الاجتماعي وانتشار المخدرات وبالخصوص حبوب الهلوسة أو عوامل سوسيولوجية وثقافية كالتفكك الأسري وسوء التربية أو الدور السلبي للإعلام لاسيما المرئي منه الذي يساهم في تكريس مفهوم الجريمة وتقوية نزعتها من خلال أفلام دخيلة تركز على العنف بمختلف أنواعه بدل محاربته ونبده وهو ما يولد تطبيعا مع فعل الجريمة والعنف وأحيانا يشكل مصدر إلهام للكثير من الجرائم. غير أن واقع الحال يشير إلى وجود خلل وسوء فهم عميق لدى هؤلاء المجرمين بين مفهوم "حقوق الإنسان" وبين "الفوضى" أو التسيب. لا أحد يمكن أن يطالب بتقليص هامش الحريات أو التراجع عن المكتسبات التي تعاقد عليها المغاربة أو تقليص هامش حقوق الإنسان، لكن ذلك لا يعني أن يتم استغلال هذه الحريات من قبل مجرمين لكي يعيثوا في الأرض فسادا ويروعوا الأمنين ويستولوا على الممتلكات ...إلخ. من هنا تأتي الحاجة إلى ضرورة مراجعة سياسة العقوبات أو القوانين الزجرية بشكل يضمن عقوبات رادعة للمجرمين والمساهمة في الحفاظ على أمن و سلامة المجتمع، ذلك لأن الأصل في العقوبات هو الإنصاف ورد الاعتبار للضحية من جهة، وزجر المعتدي من جهة أخرى بما يضمن عدم ارتكابه لجرائم أخرى بعد انقضاء فترة عقوبته و الإسهام في اندماجه في المجتمع وإعادة تأهيله لكي يصبح مواطنا صالحا مساهما في بناء وطنه ومدافعا عن قيمه وليس مجرما أخطر مما كان في السابق وأكثر تهديدا لأمن وسلامة المواطنين، وهو ما نشاهده في الكثير من الحالات، حيث أتثبت العقوبات الزجرية الحالية محدوديتها في ردع المجرمين بل قد تتمخض عنها نتائج عكسية، لا سيما في ما يخص بعض الأنواع من الجرائم كالاغتصاب والقتل مثلا، والذي عرف ارتفاعا ملحوظا في حجمه لاسيما في حق القاصرين وهي جرائم تداعياتها خطيرة نظرا لأبعادها السيكولوجية والفيزيولوجية، وجبرها أو الحد من آثارها ليس بالمهمة السهلة، وهو ما لا تتسامح معه مجتمعات أخرى حتى الغربية منها التي تتحدث كثيرا عن مفهوم حقوق الإنسان، ويمكن أن نشير في هذا الصدد إلى نظام السجون في بعض الولايات الأمريكية، والتي يخشى المجرمون حتى ذكر أسماءها نظرا للإجراءات الصارمة التي تطبعها أو نظرا لوجودها في بعض المناطق النائية أو التي تتسم بمناخ قاسي أو عدم تساهل أطقمها وصرامتهم في تطبيق القانون، أو النموذج الياباني الذي يلزم المسجونين بضرورة العمل و الإنتاج داخل السجن وليس العيش عالة على المجتمع، بالإضافة إلى تربيتهم على المواطنة بهدف إعادة إدماجهم في المجتمع وتحييد خطرهم.
صحيح أن منظومتنا الأمنية قد حققت نجاحا باهرا في محاربة الإرهاب وتحييد خطره وتفكيك العديد من خلايا الإرهاب من خلال خطوات استباقية أثبتت نجاحها على الرغم من تهديداته الجدية، وهو ما كان محط إشادة و إقرار من قبل العديد من الدول كإسبانيا أو فرنسا بل وحتى الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما أسهم في تبوأ المغرب لمكانة هامة على الصعيد الدولي في محاربة هذه الظاهرة الخطيرة التي أضحت تشكل خطرا وجوديا لدول ومجتمعات برمتها، لكن في المقابل نتمنى أن يواكب هذا النجاح نجاحا آخر في محاربة الجريمة، لا سيما بعض الأنواع منها كالاختطاف والاغتصاب والقتل وفي بعض الأحيان تكون متلازمة مع بعضها وهي جرائم قد لا يقل خطرها عن الإرهاب وربما ينبغي أن تعامل نفس المعاملة في ظل النقاش الحاصل حاليا حول مراجعة السياسة الجنائية والتفكير في عقوبات بديلة عن تلك السالبة للحرية في حق بعض الأنواع من المخالفات و الجرائم ،ويمكن لصانعي القرار في مجتمعنا استلهام تجارب ناجحة عديدة للكثير من الدول في محاربة الجريمة ومنها "التشرميل" والحد منها وفق مقاربة شمولية تجمع بين الأمني و السوسيولوجي والاقتصادي وبإشراك كافة الفاعلين و المتدخلين وذوي الاختصاص.
عبد الكريم المغربي
لا لحبوب الهلوسة
تعتبر الحرب ضد حبوب الهلوسة و مروجيها ضرورية وملحة ومدخل أساسي لمكافحة الجريمة بأنواعها لما لها من انعكاس سلبي على المجتمع، يجب اتخاذ أقصى العقوبات في حقهم.