أخبارنا المغربية - و م ع
توقفت سيارة أجرة بإحدى جنبات شارع محمد الخامس بوجدة. طلب السائق من زبنائه الإسراع بالركوب. "الحمøان"، كلمة تكاد تختزل كل شيء، قالها السائق الخمسيني، وهو يضغط على الحروف. كان الحر شديدا بالفعل، والتنافس على الظفر بمكان في سيارة أجرة على أشده في هذا اليوم الحار من أيام غشت القائظة.
لكن هذه الحرارة المفرطة سرعان ما تستحيل أنساما رائقة حين يحل المساء. الحركة تدب في أوصال الشارع وأعين المارة تتفحص المكان، كأنها تشاهده للمرة الأولى. يتوقف الكثير من الزوار أمام مشهد المسجد المنتصب بالقرب من كنيسة. وغير بعيد، تتعرج طريق "المازوزي"، حيث ينتشر بائعو الذهب. عبق المكان ينطوي على تاريخ من حكايات التعايش العريق.
عاش الكثير من اليهود المغاربة في هذا المكان. ولم يكن في وجدة، كلها، حي خاص بهم. كانوا يعيشون بين المغاربة المسلمين في أحياء مشتركة. ما يدل، وفق ما يؤكده المؤرخون، على قيمتي التسامح والتعايش العريقتين اللتين وسمتا حياة الناس، وما تزالان، في هذه الربوع.
ينعطف أغلب مرتادي الشارع، في أماسي وجدة الصيفية، نحو "روت مراكش"، الطريق التي تؤدي إلى اتجاهات مختلفة، نحو أسواق وجدة الشهيرة. اكتست هذه الفضاءات حلة جميلة بعد أن خضعت لعمليات متواصلة من إعادة التهيئة والتأهيل. لكن الأجمل في حكاية هذه المدينة هو الحياة اليومية نفسها في انسيابها العفوي.
"لا غلا على مسكين"، همس بائع أثواب لزبون متطلب لا يكف عن المساومة. المفاوضات العسيرة، التي تجري بين البائع والمشتري هنا، تنتهي في أغلب الأحيان إلى حلول وسطى. والمساعي الحميدة التي يباشرها، عفو الخاطر، بعض المارة بين الباعة والزبناء، غالبا ما تكلل بالنجاح.
في المدينة القديمة، يتوقف الزوار أمام المدرسة المرينية، التي شيدت في القرن الثالث عشر الميلادي. ويمرون بÜ "أوطيل سيمون"، حيث وقع الماريشال ليوطي أول مراسيمه الاستعمارية في المغرب، غداة دخوله وجدة سنة 1907. ذلك غيض من فيض تاريخ ممتد عبر القرون لا تزال أسوار وجدة تحفظه منذ أزمنة غابرة.
ووقتما أعياك المسير، توقف وأمعن النظر من حولك، تتقد في أطرافك طاقة جديدة، يقول مسن بلكنته الوجدية الجملية. "ريøح وشوف". يكفي أنك أنت هنا الآن. وأبواب البيوت مفتوحة تمدك بالماء البارد متى ما أظمأك حر غشت القائظ. وإن صودف وصرت، لسبب ما، عابر سبيل، فقل "ضيف الله". تلك الكلمة المفتاح التي تفتح مغاليق القلوب والأبواب. الحكمة (بتسكين الحاء)، يقول المسن الوجدي.
يسمونها، هنا، عروس الشرق. ازدادت هذه المدينة بهاء بفضل مشاريع كثيرة ومتواصلة همت مختلف جوانب حياة الناس. "غاية"، تقول سيدة وهي تهم بقضم سندويتش "كران". الأكلة الشعبية الأرخص في العالم، وفق ما يزعم الوجديون. درهم واحد يكفي لوجبة تعد من الحمص والبيض. "هنا، لا أحد يموت جوعا"، يعلق بائع "كران".
وحين تشتد حرارة الصيف، تصبح الوجهة واحدة لعشاق البحر. ساعة، أو أقل، تكفي لتنقل الزائر، عبر طريق مشيد بأعلى مواصفات الجودة، نحو الجوهرة الزرقاء، السعيدية. بينما يفضل آخرون هدوء الجبل، فيتجهون نحو زكزل وتافوغالت وتكافايت وتافرنت وغيرها. وبين البحر والجبل، هناك الواحة، غير بعيد، في فكيك، جنوب شرق المملكة.
في هذه الربوع، ثمة ما هو أعمق من العرض السياحي نفسه، يقول أحد أبناء وجدة القدامى، إنه "نحن". الناس متعاطفون، بالطبع بسجية وتلقائية، مع الغريب. يمنح الوجديون مكان الحظوة للزائر في شوارعهم، وصدارة المجالس في بيوتهم ومنازلهم، بل قل في أنفسهم أيضا. هذا مكمن تميزنا. من عاشرنا برهة من زمن، صار منا، يقول الرجل قبل أن يستقل الحافلة نحو واحة سيدي يحيى، على مشارف مدينة وجدة.