أخبارنا المغربية ــ رويترز
بالنسبة لخصمين اقليميين تفصل بينهما خلافات حول الأزمات القائمة في العراق وسوريا واليمن من المرجح أن تزيد الكارثة التي شهدها موسم الحج هذا العام العداوة بين ايران والسعودية وتؤجج ما بينهما من اتهامات متبادلة.
غير أن تزايد الارتياب العميق بين المملكة السنية المحافظة وايران الدولة الاسلامية الشيعية الثورية سيزيد من صعوبة مهمة تحقيق الاستقرار في البؤر العديدة الملتهبة في الشرق الأوسط.
وفي حين أن الخصمين الخليجيين تمكنا من احتواء المواقف السابقة فإن لحظات الوفاق هذه كانت تحدث في ظروف أكثر استقرارا في الشرق الأوسط قبل سنوات مما أطلقه تفجر الاضطرابات في العراق وانتفاضات الربيع العربي من أحقاد طائفية في مختلف أنحاء المنطقة.
واليوم تعد المشاركة الايرانية والسعودية حاسمة في تحقيق استقرار العراق أو سوريا أو اليمن أو لبنان حيث لكل من الطرفين قوات تحارب بالوكالة عنه سواء حروب مستترة أو معلنة يسقط فيها الالاف كل شهر.
كما تتهم الرياض طهران بإثارة الاضطرابات في البحرين بل وفي السعودية نفسها. وتتهم طهران الرياض بالتآمر على تدميرها مع واشنطن.
وتزايد العداء في أعقاب أسوأ كارثة يشهدها موسم الحج السنوي منذ 25 عاما.
وتقول ايران إن 169 من حجاجها سقطوا قتلى عندما التقت مجموعتان كبيرتان من الحجيج عند تقاطع طرق في منى يوم الخميس الماضي في طريقهم لرمي الجمرات.
وطالبت ايران باعتذار وخرج متظاهرون في احتجاجات في طهران مرددين هتافات تنادي بالموت للأسرة الحاكمة في السعودية. ولمح معلقون سعوديون إلى أن الحجاج الايرانيين أنفسهم مسؤولون عن الكارثة.
وتدفق القدح والذم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال الأمير خالد آل سعود في تغريدة على موقع تويتر "رأس الشيطان خامنئي يتباكى - كذبا - على ضحايا حادثة مِنى رحمهم الله."
* "الأيدي القذرة"
وأضاف في التغريدة الموجهة لربع مليون شخص يتابعون حسابه "ويداه القذرتان مُلطختان بدماء أطفال سوريا وأهل "السُنة " في العراق."
ونشرت وكالة تسنيم الايرانية للأنباء رسما كاريكاتيريا ظهر فيه الملك سلمان بن عبد العزيز عاهل السعودية في صورة جمل يدوس على الحجاج.
وحتى قبل كارثة الحج كانت شخصيات بارزة من البلدين تتبادل الانتقادات والشتائم. ففي مايو ايار ندد خامنئي بالسعودية بسبب حملتها العسكرية في اليمن وشبهها بالوثنيين الذين حكموا شبه الجزيرة العربية قبل الاسلام.
وفي الامم المتحدة أبدى الرئيس الايراني حسن روحاني تحسره يوم الأحد لأن الرياض رفضت محاولاته المتكررة للمصالحة منذ انتخابه عام 2013.
وأضاف "نشعر بخيبة أمل للعلاقات الباردة بين ايران والسعودية. فالخلاف بين طهران والرياض ليس في صالح أي من البلدين."
وقال روحاني في لقاء بأحد معاهد البحث الامريكية وللصحفيين على هامش الجمعية العامة للامم المتحدة "أيضا عندما بدأ السعوديون قتل الناس في اليمن ابتعدت الرياض أكثر عن ايران وعن كثير من الدول الاسلامية الأخرى."
واتهم وزير الخارجية السعودي عادل الجبير طهران بالسعي لاستغلال حادث منى استغلالا سياسيا وقال إن المملكة ستكشف عن الحقائق عندما تظهر ولن تخفي شيئا.
ويتشكك الايرانيون في ذلك. لكن محللين من مختلف أنحاء المنطقة يتفقون على أن عمق الأزمة قد يتحدد إلى حد كبير من خلال النتائج التي يتوصل إليها التحقيق السعودي ومدى ما سينشر.
وقال النائب الايراني السابق الياس حضرتي لرويترز هاتفيا من طهران إن ايران لا تحاول استغلال مسألة الحج استغلالا سياسيا.
* سوء إدارة "
وأضاف "طهران ببساطة تطلب من الرياض أن تتحمل المسؤولية. إذا وقع هذا الحادث مرة واحدة فقط لوصفناه بأنه حادث لكن هذا يحدث كل بضعة أعوام. إن سوء إدارة السعوديين هو مشكلة العالم الاسلامي كله وليست طهران."
ويوجه معلقون سعوديون أصبع الاتهام إلى طهران.
وقال جمال خاشقجي مدير عام قناة العرب الإخبارية السعودية إن المحققين يتحرون تصرفات عدد كبير من الحجاج الايرانيين الذين تصادف وجودهم في المكان الخطأ في التوقيت الخاطيء.
وقال إنه يعتقد أن السعودية ستكشف عن نتائج التحقيقات عندما تظهر مشيرا إلى عدم صدور أي بيان رسميا. لكنه أضاف أن المؤشرات تدل على ان المسؤولية ستقع على عاتق الايرانيين لأنهم وجهوا حجاجهم في الاتجاه الخاطيء في توقيت خاطيء ووصف ذلك بأنه تصرف غير مسؤول.
وقد سبق أن تغلب الخصمان على أزمات سابقة في علاقاتهما.
ففي أواخر التسعينات حدث تقارب بين الجانبين في أعقاب تفجير شاحنة ملغومة عام 1996 في المملكة أسفر عن مقتل 19 عسكريا أمريكيا وكذلك اشتباكات وقعت في الحج عام 1987 بين محتجين ايرانيين والشرطة السعودية وأسفرت عن مقتل 400 شخص أغلبهم من الايرانيين.
واتهمت السعودية والولايات المتحدة ايران بتدبير تفجير عام 1996 ونفت ايران أن لها دورا فيه.
لكن التقارب حدث في وقت شهد استقرارا نسبيا في الخليج لاسيما خلال الفترة التي حكم فيها صدام حسين السني العراق والذي اعتبرته دول الخليج حائلا بينها وبين ايران.
أما الآن فإن ازدياد حدة التنافس بين الجانبين قد يكون له عواقب واسعة.
* نفوذ
ولا يتصارع الجانبان صراعا مكشوفا على النفوذ في الدول العربية فحسب بل إن السعودية تشعر بالقلق خشية أن تكون واشنطن قد أخذت جانب طهران على حساب العرب من خلال تأييد صفقة لتسوية نزاع ايران النووي القديم.
وإدراكا منه لما يراه وفاقا أمريكيا ايرانيا يضغط الملك سلمان من أن أجل أن تتخلى دول الشرق الأوسط السنية عن خلافاتها حول الاسلام السياسي والتركيز على ما ترى المملكة أنه الخطر الأكثر إلحاحا من طهران.
وترجع أصول الثقل الدبلوماسي الذي توظفه الرياض في مثل هذه المساعي إلى دورها كحامية للأماكن المقدسة عن المسلمين. وقال المعلق الايراني حضرتي إن الرياض تعتقد فيما يبدو أنها إذا قبلت المسؤولية عن الكارثة فإن ذلك قد ينظر إليه على أنه ضعف ويؤدي إلى مطالبة المملكة بالتخلي عن الإشراف على الحرم لهيئة دولية.
وفي السابق حث منتقدون للسعودية الرياض على نقل إدارة الحج والأماكن المقدسة لمنظمة التعاون الاسلامي أكبر الهيئات الاسلامية في العالم.
وأصدر إياد أمين مدني الامين العام لمنظمة التعاون الاسلامي وهو رجل دين سعودي ووزير سابق للحج بيانا بعد الكارثة أبدى فيه ثقته باستضافة السعودية للحج.
وقال في بيان إنه من المأمول ألا يسعى أي طرف لاستغلال الحج والحجاج.