محمد لغويبي
الحديث عن يوم المدرس ليس حديثا سياسيا أو ثقافيا، في العمق هو حديث مجتمعي عولمي، ينصب في راهن المجتمعات المتقدمة والنامية أو حتى تلك الغارقة في التخلف، هو ذلك الحديث الأزلي عن الإشكالات التي تواجه الإنسان، مذ سعى إلى المعرفة والبناء والتطوير بحثا عن إجابات عن سؤال الوجود ومقوماته وشروطه، وعلى رأسها التوازن والاستقرار وامتلاك مفاتيح الخلافة على الأرض.
واليوم أصبح سؤال المدرس حقلا إشكاليا يتم النظر إليه من منظورات متباينة تبعا لهذا التأويل أو ذاك، وتبعا لهذه المصلحة أو تلك، ضمن مبررات ورغبات التحكم في أدواته الانتاجية وشروطه الحياتية.
وفي الواقع لم تعد للمدرس تلك الحرية التي يتنفسها لينتج قيما معرفية وأخلاقية بعمق إنساني، بل أصبح أداة في يد السلطة محكوما بشروطها الجديدة، والنتيجة أنه أصبح جزءا من لعبة التحكم وتأبيد المؤبد، ليس إلا.
من هنا لم يعد منتجا ولا فاعلا إلا بقدر المساحة المحددة سلفا والأدوار الصغيرة المفروضة أصلا، بتفاوتات تزيد أو تنقص حسب المجتمعات ودوائر القرار المحلية والعالمية.
وهذا الواقع الجديد أصبحت المجتمعات التابعة أكبر ضحية له، فلم تعد أوراشها إلا حقلا لتجارب فاشلة و وصفات بائتة لا تغري ولا تجزي، بل وأصبحت مولدا للنكسة تلو النكسة، بدءا بالاقتصاد وانتهاء بالإرهاب.
وربما يحتاج سؤال المدرس في يومه العولمي إلى كثير من الشجاعة والقرارات الخلاقة والمبتكرة، كاحتياجه إلى كثير من التنازلات التي يجب أن تقدمها السلطة ودوائر القرار إلى واقع التربية والمعرفة، بعيدا عن أدوات التحكم ومنطق الشك والارتياب، ودون تخلي عن الأدوار الطلائعية والإنتاجية التي ظل المدرس يحرم منها في كل وقت وحين، فتحرم منها الشعوب والمجتمعات والدول، ليستكين هذا المدرس إلى دور مادي في واقع مادي، لا يفكر إلا في النهايات الصغرى.