الحسين لعوان
يعد الاتفاق الذي وقعته مصر في شهر نونبر من سنة 2015 مع الجانب الروسي، لإقامة محطة نووية على أراضيها، بداية لتحقيق حلم راود المصريين لسنين طويلة بدخول عصر النووي، وكذا خطوة هامة في سياسة الدولة لتنويع مصادر الطاقة.
فبعد سنوات من الانتظار والتأجيل، أضحى حلم المصريين اليوم واقعا، بعد أن تقرر أن تشهد السنة المقبلة بداية أشغال بناء أول محطة نووية بمصر ستنجزها المؤسسة الحكومية للطاقة النووية الروسية "روس أتوم" بمنطقة الضبعة (شمال غرب مصر)، وتضم أربع مفاعلات نووية للاستخدام السلمي في توليد الكهرباء بطاقة إجمالية قدرها 4800 ميغاوات، أي بمعدل 1200 ميغاوات لكل وحدة.
وبدأت مصر التفكير في تطبيق البرنامج النووي السلمي منذ بداية الستينات من القرن الماضي، غير أن الاضطرابات الجيو-سياسية التي شهدتها المنطقة طيلة عهدي الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات، ساهمت في تعطيل الدخول الفعلي لاستخدام الطاقة النووية.
وكانت أولى خطوات الحلم النووي المصري قد بدأت من خلال التعاون القائم بين الاتحاد السوفياتي سابقا ومصر، والذي تم من خلاله بناء أول مفاعل نووي للبحث والتدريب عام 1961 في منطقة أنشاص (شمال شرق القاهرة)، وتلت بعد ذلك محاولات أخرى متعددة لإنشاء محطة نووية بمصر لكنها باءت بالفشل لأسباب مختلفة.
واليوم أدركت مصر أن تحقيق حلم المشروع النووي، الذي تمت إعاقته لسنوات، لم يعد ترفا بل أضحى في الوقت الراهن أمرا ضروريا، حيث وضعته ضمن استراتيجياتها في تنويع مصادر إنتاج الكهرباء، خاصة في خضم أزمات الطاقة المتكررة وتزايد الطلب على هذه المادة الحيوية، لا سيما أن استهلاك مصر من الكهرباء يقدر بنحو 29 ألف ميغاوات.
ويرى خبراء في مجال الطاقة أن دخول مصر النادي النووي السلمي، تفرضه إلى جانب اعتبارات المكانة الاقليمية لمصر، مزايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية وكذا الفلاحية لبناء المفاعلات النووية، خاصة منها توليد الطاقة الكهربائية لتأمين احتياجات البلد المستقبلية من هذه المادة الهامة والحيوية، وتطوير القدرات العلمية والتقنية بهدف تحقيق النهضة الصناعية والتجارية.
وقد أكد المدير العام لشركة (روس آتوم) الروسية، سيرجي كيريينكو، بمناسبة التوقيع على اتفاق بناء محطة الضبعة النووية بين مصر وروسيا، أن هذه المحطة تمثل أكبر مشروع مشترك بين روسيا ومصر منذ مشروع السد العالي، مشيرا إلى أن إقامة أول محطة لتوليد الطاقة النووية سيجعل من مصر دولة تكنولوجية رائدة على المستوى الإقليمي، تمتلك محطة متطورة لتوليد الطاقة النووية تنتمي للجيل الثالث من المفاعلات النووية ذات القدرة الفائقة.
ومن جانبه، اعتبر رئيس هيئة الطاقة الذرية المصرية، عاطف عبد الحميد، أن هذا المشروع من شأنه الارتقاء بالتصنيع المحلي، والمساهمة في رفع قيمة استخدام التكنولوجيا بالبلد، وكذا التصنيف الدولي من خلال تصنيف مصر ضمن الدول التي تمتلك معايير جودة عالية في التصنيع، إضافة إلى الزيادة في معدلات جذب الاستثمارات الأجنبية.
وقد برر ذلك بقدرة المحطة المرتقبة على توفير إنتاج الكهرباء الذي سيخدم الصناعات الأكثر استهلاكا للطاقة مثل صناعات الحديد والبترو-كيماويات التي تعاني حاليا من ضعف التشغيل نتيجة أزمة نقص في الطاقة.
وبخصوص التخوفات المحتملة بشأن بناء المحطة النووية، من قبيل استخدامها لأغراض أخرى، وتأثيرها على البيئة المحيطة بها، وخاصة المنشآت السياحية المجاورة للمنطقة التي توجد بها المحطة، أكد مسؤولون مصريون أن اختيار موقع "الضبعة" لإحداث هذا المشروع تم بعناية شديدة، وأن معدلات الأمان مرتفعة للغاية.
وأبرزوا أنه تم اختيار أفضل تكنولوجيات إنشاء المحطات النووية، وأعلى معايير الأمان في العالم لبناء محطة "الضبعة"، معتبرين أن المفاعلات النووية المخصصة لها هي من الجيل الثالث للمفاعلات ذات المستويات المتقدمة في الأمان.
هذا التخوف بدده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أيضا، حين أكد عند تقديمه للاتفاق أن مصر لها هدف سلمي في الدخول لاستخدام الطاقة النووية والمتمثل في إنتاج الكهرباء، وأنها ملتزمة بانضمامها إلى معاهدة منع الانتشار النووي، مشيرا، في الوقت ذاته، إلى أن محطة "الضبعة" النووية المرتقبة ستقام بأعلى معدلات الأمان.
كما أن نوع المفاعلات النووية بالمحطة، حسب العديد من المتخصصين في المجال، يتوفر على تصميم بسيط موثوق به ومقاوم للخطأ البشري والحوادث الضخمة (كسقوط الطائرات مثلا)، ولديه استخدام عال من القدرة المركبة، فضلا عن امتلاكه قدرة عدم التأثير على البيئة المحيطة به وكذا قيامه بحرق كمية كبيرة من الوقود وإخراج كمية قليلة من النفايات المشعة.
وقد تم اختيار مصر لروسيا لتنفيذ المشروع، حسب مسؤولين مصريين، أولا لكونها قدمت أفضل العروض، وثانيا لأن 69 في المائة من الشركات النووية في العالم أنجزتها روسيا، إلى جانب كون هذه الأخيرة تعتبر أكثر الدول المتقدمة في مجال الطاقة النووية.
ومن جانب آخر، يرى خبراء مصريون أن بلدهم يتوفر على مؤسسات وكفاءات عالية في مجال الطاقة النووية قادرة على مواكبة هذه المحطة والعمل على إدارتها بمهارة فائقة، مشيرين إلى أن كلا الطرفين المصري والروسي لديهما القدرة اللازمة والمهارات المرجوة للمشروع في بناء مثل هذه المحطات على مستوى عال وفي غاية الدقة والنظام.
وفي هذا الإطار، تمكنت مصر من تحقيق إنجازات علمية وبحثية في مجالات استخدام الطاقة النووية خاصة في مقاومة مجموعة من الآفات الزراعية، كما أنها استطاعت استخدام النظائر المشعة في عدد من الصناعات الهامة لتحسين جودة الإنتاج لاسيما في مجال صناعة الصلب.
ووفق الاتفاق الموقع بين الجانبين، فإن تسديد تكاليف المشروع سيتم على مدى 35 سنة من خلال عائدات إنتاج هذه المحطة النووية المرتقبة، والتي اعتبر خبراء أن قدرتها الإنتاجية تبلغ ضعف قدرة المحطة الكهرو-مائية للسد العالي التي توفر نحو 9,3 في المائة من إجمالي احتياجات مصر من الكهرباء في الوقت الحالي.
وفي أفق استكمال المشروع، ينتظر المصريون من المحطة النووية القادمة أن تحدث طفرة نوعية في مصادر الطاقة بمصر، من شأنها أن تنعكس بشكل إيجابي على تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي.