عبد الحفيظ زياني
تدفعنا خصوصيات المرحلة، بكل ملامحها وسماتها البارزة، إلى اجترار محاولات الإصلاح الفاشلة، وهي وضعيات مشكلة تضع جل المهتمين أمام أزمة مفتوحة على أكثر من واجهة، لتفرض خيارا واحدا ووحيدا، يشترط ضرورة إنقاد الوضع من الانهيار، كما ترتكز على وقفة مطولة مع الذات.
لقد ركزت جل محاولات الإصلاح السالفة على البعد النظري المغرق في التجريد، فجاءت صياغة المشاريع فاقدة للطابع السسيوبيئي، فلم تنفتح على الإشكالات الفعلية، ولم تتفرع عن الأزمة الحقيقية، فكان التنظير بعيدا حد المغالاة والتطرف، عن عالم الممارسة، فأضحت مقاربات الإصلاح لا توافق طبيعة وخصوصيات المحيط، الأمر الذي جعل الواقع التربوي يلفظها دون تردد، بدافع غياب الملائمة، بل هناك من يعتبر العامل الرئيسي للتردي الحاصل هو انعدام قراءة تشخيصية صائبة للواقع التعليمي الذي غرق في النقائص والتعثرات.
يقطع التنظير أشواطا في اتجاه الممارسة، ويشترط الانسجام مع الواقع، فالجانب العملي يعتبر محكا فعليا للتحقق، ومؤشرا واضحا لتحقيق أفضل النتائج، فإذا كان التنظير يلتزم بالدقة، ويركز على ضرورة الانسجام مع الواقع، فإن تكامل العلاقة بينهما هي المنفذ الوحيد، كما تعد ممرا للعبور نحو صياغة مشروع تربوي ناجح.
بداية، لا بد من استحسان كل الأفكار والطروحات التي تمتلك نية الإصلاح، وتجسد بديلا حقيقيا، كفيلا بتجاوز الوضع القائم، شريطة الوقوف على ركيزتين أساسيتين: رؤية صادقة مبنية على الثوابت، مرتكزة على التطلعات الجادة، واستراتيجية محكمة تعتمد على قابلية الانخراط، فتستهدف تكامل الأدوار وانسجام المهام.
إن الحاجة إلى مشروع تربوي ناجح، مبني على تراكم خبرات وتجارب، ونابع من صلب البيئة الاجتماعية، السسيوثقافية، يؤسس لبيداغوجيا التعاقد، وينفتح على شراكات حقيقية، همها الوحيد: إخراج المنظومة من النفق المظلم، ليصبح ركنا بارزا في معادلة الإصلاح، فبدون رؤية معمقة، واضحة، واستراتيجية تمتلك بعد النظر، مبنية على أساسيات، يظل المشروع الإصلاحي ناقصا، وغير مكتمل الأركان.
بشهادة المعنيين أنفسهم، ومن خلال نظرة متأنية، تشخيصية، استكشافية، يتضح جليا، أن منظومة التربية والتكوين عاشت، ولفترة ليست باليسيرة، وضعية اتصفت بالمتأزمة، وهي وضعية تبررها مجموعة من الدوافع والسمات، من خلال قرائن جلية، ارتبطت في بداياتها الأولى، بالجانب المنهجي، لتعلن مرحلة إفلاس المشاريع، المقاربات المعتمدة، والبرامج المتعاقبة، الأمر الذي يعزى إلى: جمود الأدوار، غياب التناسق في الإمكانات اللوجستية، الفنية، المادية، بين الوفرة أحيانا، والعجز أحيانا أخرى، غياب التناغم والتناسق بين الأرضية الأنسب والنموذج البيداغوجي الأصلح، العجز عن تحقيق الأهداف الوظيفية، شلل الحياة المدرسية الناجم عن توقف القنوات الموازية عن تأدية أدوارها الفنية، الاجتماعية، التربوية.
لقد تسبب اضطراب التنظير، وتدهور الممارسة، وضبابية الغايات والمرامي، في خلق ارتباك أعاق عملية إنتاج سلوك تربوي مدني، فطفى على السطح، إكراه تشخيصي في اتجاه مسيرة تجاوز الإخفاقات زادت من تكريس الأزمة، بدلا من إيجاد مخرج لها، اتسعت حدتها تدريجيا، فأنتجت وضعا عطل قاطرة الإصلاح.
لأجل إنقاذ الوضع التربوي، لابد من تبني مشروع بمواصفات محددة، الأمر الذي يفرض التركيز على:
خلق الدافعية، وتنشيط الأدوار، تكريس دينامية الجماعة، ثم استرجاع الثقة الضائعة، ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتحفيز الطاقات البشرية، ثم التأسيس لبيداغوجيا المبادرة، اعتماد فكر الأولويات، تحضير أرضية أنسب لإنتاج السلوك المدني، حينها سنكون أمام إنتاج وإعادة إنتاج بيداغوجيا سليمة من الشوائب.
تلخيصا لما سلف، يبقى المشروع البيداغوجي البديل تعاقدا سسيولوجيا بامتياز، يعكس تصورا شموليا لمنظومة التربية والتكوين، ويمتلك خطة يتم صياغتها بإحكام، اعتمادا على انسجام وتكامل تدخلات جل مكونات الحياة الاجتماعية في بعدها التشاركي، والتي تروم توحيد رؤى الأطراف المتفاعلة، إضافة إلى الخيار الاستراتيجي، ذاك الذي يشترط الرفع من المردودية، ويعتمد الجودة سبيلا ومنهاج.
لعل من مؤشرات نجاح المشروع، هي: التركيز على عمل الفريق، اعتماد أليات تحقيق النجاعة، ربط الهدف بالنتيجة، دراسة الحاجيات الأساسية، اعتماد الصياغة التشاركية والتنزيل السلس، جعل الحياة المدرسية مؤسسة لتنزيل المقاربات البيداغوجية التفاعلية، وفضاء للتأسيس لنواة حياة اجتماعية سليمة، تعمل في اتجاه إنتاج منظومة شمولية للقيم، لهذا، فإن الوضعية الآنية تفرض تدخلا يستهدف إنتاج بيداغوجيا المشاريع، ويركز على ضرورة التأسيس لمرحلة التعاقدات.