محمد مقور
حين يُباشِرُ المرء بإلقاء نظرة على واقع الحركة النسائية ولو عن بُعد،يتفاجأ بحجم الهياكل التنظيمية المُسخِرة جهودها من أجل الدفاع عن المرأة و قضاياها، لكن الوقوف عن قرب عند مُخرجات هذا التمثيل الكثيف يخرج بخلاصة مفادها أن الكثير من هذه الهياكل التنظيمية المُدافعة عن المرأة و مهما اختلفت أشكالها ( حركات، منظمات، جمعيات...) تتسم بالتنوع الكمي على حساب الكيف، و تبعية هيكلية لهياكل أخرى ( الأحزاب، النقابات، الهيئات...)،مع سباق محموم لاستفادة نخب نسائية من ثمار ما يسمى بالتمييز (الإيجابي)، في مقابل الشقاء لملايين النساء العاملات بأجور جد هزيلة و في ظروف سيئة تضرب بعض مكتسبات مدونة الشغل -على علة هذه الأخيرة- عرض الحائط.
معضلة الحركة النسوية العالمية و من ضمنها المغربية( علاقة الحركات العالمية بالحركات المغربية ذات اتجاه واحد من الأولى إلى الثانية و ليس تأثير و تأثر ) يوجزها المقال المنشور في الصحيفة البريطانية الجارديان في 14 أكتوبر 2013 للفيلسوفة الأمريكية نانسي فرزا، حين تتحدث عن الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها الحركة النسوية العالمية بحيث أصبحت خادمة للرأسمالية و تماهت مع أفكار النيوليبيرالية، و أصبحت تقبل وصول المرأة ولو بشكل انتهازي لمواقع الريادة و انفصالها عن مرجعيتها الأساس المتمثلة في نقد الرأسمالية و رفض تسليع المرأة و السعي لتحقيق اقتصاد تضامني تنعم فيه المرأة و الرجل بالكرامة و العدالة الاجتماعية، و ليس تسليع المرأة و الرجل معا، و تذهب نانسي فرزا إلى أن الحركة النسوية العالمية تبنت ثلاث شعارات تخدم أهداف الرأسمالية و ذلك في النقاط التالية:
- اعتماد نقد دخل الأسرة كوسيلة لخروج المرأة للعمل و بالتالي كان خروج نساء الجنوب و من جميع الأعراق للعمل و بأجور هزيلة جدا، و هو ما جعل حلم التحرر مجرد طوبى ووهم لم يتحقق منه إلا معاناة إضافية للمرأة و تسليعها كالرجل،في الوقت الذي كان فيه على الحركة النسوية العالمية أن تقطع الصلة الزائفة بين نقد مستوى دخل الأسرة و الرأسمالية المرنة و العمل لخلق شكل من الحياة لا يركز على أسعار و أجور العمل و تعزيز الأنشطة غير المأجورة بما في ذلك أعمال الرعاية؛
- اعتماد شعار نقد التمييز الجنسي دون التوجه نحو نقد الاقتصاد السياسي و طرح الديمقراطية التشاركية كبديل حقيقي للوصول إلى عدالة اجتماعية تشمل الجميع؛
- الشعار الثالث و الذي يخدم أهداف النيولبيرالية هو اعتماد رفع مدخول الأسرة و تمكين المرأة عبر قناة القروض الصغرى، و هو ما يجعل الدولة تتملص عن جزء كبير من واجباتها اتجاه توفير الحماية الاقتصادية للأسر و الزيادة في تفقير المرأة و الرجل معا.
إن كان رواد الحركة النسوية العالمية من أمثال الفيلسوفة الأمريكية نانسي فرزا يدقون ناقوس الخطر بخصوص الانحراف الخطير الذي طال قضية المرأة، فما هو الحال في جزء كبير من الحركة النسوية المغربية التي للأسف تكتفي بالتقليد و حوار الآدان الصماء؛ متناسية قصدا أو عن جهل؛ أزمة الحركة النسوية على المستوى العالمي و الخصوصية التي تتمتع بها المرأة المسلمة في تعظيم دورها و تكريم حضورها روحا و فكرا و ليس اختصارها في جسد تنتهك إنسانيته من قبل الرأسمالية الناعمة( النيوليبرالية) .
لقد سعت الرأسمالية في ثوبها الجديد لعولمة كل شيء ، و ذلك لتحقيق أهدافها الاقتصادية الضيقة، فكان جسد المرأة و عولمته إحدى أهم إنجازات الرأسمالية الناعمة و الاستفادة قدر الإمكان من مؤهلاته سواء كانت يد عاملة رخيصة أو كعلامة تجارية أو ذات استهلاكية لكل منتجات الرأسمالية العالمية و التي في الكثير من الأحيان هي منتجات تُصَنع لاحتياجات بدورها مُستحدَثة و غير نافعة و مُضِرة لصحة و سلوك المرأة و للأسف الحركة النسوية التحررية تدافع عن هذا النموذجالتشييئي للمرأة، فكان انتقالها من استعباد قهري إلى استعباد ناعم؛ تماما كانتقال الرأسمالية من رأسمالية متوحشة إلى رأسمالية ناعمة ( النيوليبرالية ).
أمام كل الإشكالات التي تعاني منها الحركة النسوية، و أمام انحراف مسارها عن عدالة قضيتها،تبقى المرأة في الجنوب؛ أسيرة خطاب الحُرية المُغلَفِ بقيود استعبادها المُمَنهج، و سلاح الرأسمالية الناعمة في ذلك؛ تدمير الوعي و الفكر النسوي و تنميط المرأة عبر دَس السُم في العسل؛ فقنوات الإعلام المُتاجرة بالصورة الفاسدة سواء كانت دولية أو قُطرية ، تعمل ليل نهار لهدم فكر و ثقافة المرأة الأصيلة و استبداله بثقافة عالمية مركزية تَخدُم أطماع النيوليبراليين؛ وهي ثقافة الجَسد أوقُدسِية الجَسد المُستَهلِك و المُستَهلَك مَعاً.