إسحاق شارية
بعد أيام من انفجار قضية استيراد النفايات الإيطالية، وكل الضجة التي رافقتها، سواء على صفحات الفيسبوك أو بين ردهات المحاكم، أو في مقاهي المواطنين البسطاء بين الأحياء والأزقة، الذين استنكروا وغضبوا وتعجبوا أن يتحول مغربهم بتاريخه وأمجاده وحضارته، إلى مطرح للنفايات الدولية، في الوقت الذي تزكم أنوفهم روائح الأزبال الوطنية في كل مكان.
لقد أحسسنا جميعا بالعار والخزي ونحن نتابع كيف أنزلتنا الحكومة والشركات العظمى إلى أحط المراتب، وأدنى المستويات، وكيف تحول المسؤولون من الدفاع عن حقوق الشعب إلى الدفاع عن حقوق الأزبال ومحاولة إقناعنا بفوائد النفايات الغربية على الصحة والإقتصاد والبيئة.
وبعد أن قضى الشعب المغربي أياما وليالي وهو يناقش الموضوع وحيدا أو بالأحرى يتيما، ويطرح سؤالا بعد سؤال، دون أن يجد جوابا شافيا لا من طرف الحكومة ولا من طرف الأحزاب ولا حتى الجمعيات التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، فلا حزب الأصالة والمعاصرة متزعم المعارضة اتخذ موقفا صريحا، ولا حزب العدالة والتنمية صاحب الشعارات الرنانة قام بأي موقف، و لا كذلك باقي الأحزاب السياسية أو إعلامنا العمومي قدموا لنا جوابا شافيا، لأن لا أحد يريد أن يغامر بمواقعه وعلاقاته وامتيازاته من أجل صحة المواطن وكرامته، حاملين شعار "الموت للشعب، ولتحيى المناصب والصفقات" ، فكانت النتيجة أن سقط القناع عن كافة النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي أثبتت بالملموس أن الشعب وصحته ومستقبله وهواءه، هي آخر الاهتمامات.
لكن ونحن غارقين في مزبلة التاريخ، لا يجب أن ننسى أن حزبا صغيرا كالحزب المغربي الليبرالي، وجمعية أصغر كالجمعية الوطنية لمحاربة الفساد، صرخا بأعلى صوتهما ليقولا لا للمؤامرة، كفى من الظلم والقهر، كفى من استعباد المغاربة والتجبر عليهم، وهم على يقين بأن المواطن لا يعلم حجم المغامرة التي خاضاها من أجله ويجهل كذلك سر صمت الآخرين.
والجواب قد يكون في أسرار الصفقة، التي بدأت تخرج منها رائحة إسرائيل وإمكانية وجود نفايات نووية، وهو ما صرح به الأستاذ زيان زعيم الحزب الليبرالي لإحدى الإذاعات، كما أن في الصفقة شركات عظمى لها من النفوذ ما يكفي لتخرس الأفواه، إما بالقمع أو الضرب تحت الحزام.
إن كل من يعارض صفقة النفايات هو كالمحارب الذي يحمل كفنه على كتفه، ويحمل نعشه بيد أخرى، فلا يلهيكم ما يقع في تركيا، ولا تلهيكم دسائس ومكائد الماكرين، الذين يسارعون الزمن من أجل وضع ملف هذه الفضيحة التاريخية في قبر منسي، وحتى يخلو الجو لمعاقبة كل من سولت له نفسه الصراخ ضد صفقات الأزبال، وحكومة الأزبال، وأحزاب الصمت، وإعلام الماكياج.