الحسين أربيب
كلما اقتربت الانتخابات قام هؤلاء المتبجحين بانشغالهم بالشأن العام ليفتحوا أفواههم على امتداد الوطن ، ويشرعوا في الكلام أمام الملأ ويظهرون كما لو كانوا متحسرين لما آلت اليه البلاد ويدقون ناقوس الخطر محذرين بالإفلاس الذي صارت عليه البلاد، وهم الذين كانوا وراء تلك الكوارث التي عرفتها وتعرفها البلاد ؟ إنهم هم الذين ساهموا في جر الإفلاس للبلاد بشكل مباشر بممارساتهم في كل المجالات والقطاعات ، هم الذين استولوا على الأراضي تحت حيثيات وقوانين ومسميات هم واضعوها، تارة باسم قوانين المغربة وتارة أخرى باسم الخوصصة ومرات عديدة إما باسم "خدام الدولة" هؤلاء الذين يتربعون على كراسي المسؤولية في الوزارات والبرلمان و في المؤسسات الاقتصادية والإدارية الكبرى ، مقابل رواتب خيالية وعلاوات لأعمال وأتعاب وهمية دون نسيان السفريات على حساب المالية العامة ، هؤلاء هم الذين يتم استو زارهم هنا وهناك، وينتقلون من منصب الى منصب كما لو أن أجهزة الدولة مسجلة في المحافظة باسمهم لهم وحدهم، وباقي الشعب له الصدود وأبواب موصده ،يغيبون لبعض الوقت بالخارج ويشترون ديبلومات لا تصلح لشيء فيعينون في المناصب العليا مباشرة دون تمرين ولا فترة انتقالية كما لوأنهم ولدوا في ذلك المنصب .هموا[ناؤهم الذين راكموا ثروات هائلة نهبوها من أفواه الشعب ومن عرقهم ، فمن سارق الرمال الشاطئية الى المتاجر في المخدرات الى من يستولي على الأراضي بغير حق الى من يسطو على الملك العام ومن يقتلع الغابة الى من له رخص الصيد في أعالي البحار، ونحن نشتاق للسردين، هم لهم أيضا وأيضا رخص النقل ما بين المدن والطاكسي الصغيروالكبير والحافلات الحضرية ورخص وبلا رخص هم لهم ما وضعوا عليه اليد وما ظهر منه وما خفي ونحن نشتاق للسردين ، الى تلك الطبقة السياسية التي تتاجر في أصوات المواطنين باسم هيئة سياسية أو نقابية وتبيع" الماتش" لتمرير ما تريد من قوانين جائرة، هؤلاء هم الذين توارثوا خيرات البلاد بالنهب والاحتيال والتزوير وبصكوك "خدمة الدولة " وقريبا سيخترعون مصطلحات أخرى للمرور لخزائن الدولة وإفراغها كما فعلت من قبل فصيلتهم التي لا ترحم الفقير ولا اليتيم الذي يكد بعرقه ولا يرضى الانحناء ولا تنكسر فقرات عموده الفقري .
هؤلاء الذي تراهم في الواجهة هم الذين تسببوا في عذاب هذا الشعب وتأخره عن باقي البلدان في كل المجالات ، فلا تعليم ولا صناعة ولا فلاحة إلا في حدود ما يخدمهم هم ، فالتعليم طبقي وانتقائي يفرز أدمغة لا تواكب التطور العلمي ، وهم لهم طرق أخرى لتعليم أبنائهم ، مدارس جامعية بمستوى عالي بالمقابل المالي الذي لا نقدر عليه نحن البسطاء ولو توقفنا عن الأكل والشرب سنوات وسنوات، وهم الذين يرسلون أبناءهم لأمريكا للدراسة على حساب الدولة وماليتها العامة التي نهبوها عن طريق عدة مواصفات وأشكال يعرفون كيف يزوقونها ويلحنونها لتعزف سمفونيتهم التي لا تعرف سوى نوطة واحدة "بنيكي" .والصناعة المغربية ؟ هل لنا صناعة غير تلك التابعة لمراكز القرار في باريس وواشنطن لشركات لا تترك لنا حق المبادرة والخلق بل تعرقل مسعى للخروج عن سكتها ، صناعة مغربية غير ممكن تصورها في نطاق سياسة ترسم انطلاقا من مصالح هؤلاء الذين استحوذوا على المسؤولية بشتى الطرق إلا طريق المشروعية الذي لا يعرفونه أصلا لأنهم من فصيل لم يتعلم سوى مص دماء الأبرياء. أما الفلاحة وما أدراك ما الفلاحة في بلد لا يكتفي بذاته في قوته وطعامه ، ومع ذلك فالسياسة الفلاحية تهتم بالتصدير عبر الطائرة للطماطم ونحن نشتريها بنفس ثمن الأوربي الذي له دخل يساوي 11 مرة دخل المواطن المغربي إن كان اغلبنا له دخل إذا لم نكن عالة على أخ أو أب أو عم يحمل هم كساءنا وغذاءنا بالرغم من أننا وصلنا سن الكهولة ، لأن البطالة رسمت على وجوهنا خريطة وطن وصل للإفلاس بسبب هؤلاء الذين جاؤوا مرة أخرى في صفة الأبرياء يبكون على الوطن ومصيره ، متناسين أنهم هم من أوصلوه لفم الفساد وأسقطوه في فوهة المدفع.
غريب أمر هؤلاء يستنزفون طاقات البلاد والعباد وينصبون أنفسهم مدافعين عن العدالة والمساواة وكل الكلمات التي لا يعترفون بوجودها في قاموسهم الفعلي يستعملونها في يوم اقتراب الانتخابات يستظلون بها كشامسات تزول بعد زوال شمس النهار ، لكن شمس الحقيقة تفضحهم بآثارهم التي تدل على مدى استهتارهم بالشأن العام فالشوارع غير مزفتة والدروب في الأحياء الهامشية لا تدخلها الشمس بفضل تراخيص البناء مقابل الرشوة وما سقوط العمارات والمنازل كأوراق اللعب بساكنيها الضحايا في اغلب المدن المغربية ،هم ضحايا سياسة سكنية لا تراعي مقومات الإنسان كأولوية لا تستباح ويتم التفرج على أبرياء تحت الأنقاض لا ذنب لهم سوى لأنهم أعطوا إسما ومكانة لهذا البلد الذي هو المغرب ، وإن ولجت المدارس تجد في غالبها غير مجهزة لتلقي العلم والمعرفة ، أي علم وأي معرفة في وضع لا التلميذ في راحة وفي وضع استعداد لتلقي المعلومة والتربية ولا الأستاذ له مزاج تلقين ما لم يتلقاه هو فكيف للمربي أن يربي وهو أصلا محتاج الى تربية كما قال الفيلسوف الألماني "وليام رايش" .
هؤلاء الذين قادوا البلاد الى وضع ممسوح من كل سحنة الحياة والأمل ، وزرعوا فيها اليأس وانعدام الثقة في النفس بل هناك من خيرة الشباب ، من فضل الارتماء بين فكي القرش عوض البقاء يستند للجدران لا يستفيد ولا يفيد محيطه ، البطالة تنخر جسد المجتمع المغربي بسياسة هؤلاء الذين يكثرون الكلام عن مناصب الشغل كلما اقترب التصويت على القانون المالي كل سنة ، وما هي إلا مناصب لهم ولذويهم.
لقد ضاقت البلاد من تصرفات هؤلاء ، أليس من بين المغاربة من يرفع قريعته ويصرخ في وجه هؤلاء ليقول لهم بالوضوح أنهم هم الفاسدون ، أنهم هم المفلسون ، وأن البلاد كل البلاد ترابا وعبادا تنتظر لحظة رحيلهم لتهدأ النفوس وتنام العين قريرة وتعم السكينة ، لكن ذلك لن يتم إلا برفع الوعي لدرجة كبيرة حيث نبدأ بالذات ، ذات المواطن الذي يفكر في مصالحه الخاصة ولا يعلم أن خصوصيته من خصوصية الجميع ومصلحته من مصلحة كل المواطنين ، إن صلحت استفاد الجميع وإن فسدت عم الفساد الكل ، فهل نصل لذلك اليوم الذي يصبح فيه المغربي يفكر في المصلحة العامة ويرحل عنا المفسدون؟
الكل يعرف هؤلاء الذين أفسدوا البلاد، لكن لا أحد يسميهم كما لو أن أسماءهم كتبت بماء ،فالشعب يعرفهم واحدا واحدا ، ويذكرهم كيف كانوا وكيف أصبحوا بين عشية وضحاها لكنه لم يصل بعد لبناء بنية دولة بنظام قضائي قادر على مساءلتهم ومحاسبتهم ، فها هم كالسلاحف التي تتقن السباحة في الماء العكر ،كل حزب وكل فئة تضرب في الأخرى لتنعتها بما فيها او ليس فيها لنيل رضا المصوتين ، والكل يعرفهم ما قدموا للشعب من زيادة في الأسعار والضرائب وتضيق في الحريات وعدم خلق المناصب لتشغيل ابناء المواطنين الذي يبنون الأمل كل الأمل في مستقبل فلذات اكبادهم ، وهؤلاء تخصصوا في تحطيم أحلام المواطنين وطموحاتهم عبر السياسة التي يسنونها في البرلمان والحكومة وأينما اتجهوا في الجماعات والمجالس ، ولكن استمرار هؤلاء المفسدين رهين بغياب الشفافية وحالما يتم تمكين الشعب بالديموقراطية التي هي وحدها لها الكلمة الأخيرة فيهم ليس بإقامة نظام المحاكمات ولا نصب المشانق بل ببناء دولة ديموقراطية لا تترك فجوة من أين يتسرب هؤلاء لبث سمومهم فيندحرون وينزوون الى غير رجعة ، إداك لن يكون لهم وجود في رسم خريطة المغرب السياسي الديموقراطي الذي نطمح اليه ،تلك الديموقراطية التي لن تكون فيها تلك الطبقة السياسة والبرجوازية الفاسدة .وان غدها لقريب.