عبد الإله مسلك
في جلسة سمر ليلية أو في مقهى بسيط، يحكي بعض البسطاء أحداث وقعت لهم أو حضروا حصولها لغيرهم في منتهى السخرية، يسردون مشاهد مضحكة تمزج بين واقع قد يكون مرا والخيال الفسيح في قالب سريالي مليء بالفن والإبداع التلقائي، يستطيعون إخراج القهقهات من أفواه الحاضرين، ورسم الضحكات التي تصل حد إسالة الدمع، من دون ديكور معين و لامؤثرات صوتية وبصرية، ولابمساعدة كتاب سيناريو متمكنين،ولا طواقم تقنية ومخرجين محترفين، بل هم فئة من البشر لم يدرسوا في معاهد الفن والإلقاء والتنشيط الثقافي و التلفزي،خفيفو الظل بسطاء عاديون موهوبون بالفطرة وقادرون على الخلق ورسم الإبتسامة في أي وقت أومكان وبدون مقابل.
في حين يعرض التلفاز شخصيات سخيفة رديئة و بئيسة المنتوج، بعيدة كل البعد عن الإبداع،تسمي نفسها بالفنانين إذتخصص لهم الإستقبالات الكبيرة في المطار وتذاع لهم الحوارات على الصحف و المجلات، والشاشة و أثير المذياع، ويتقاضون أجورا مهمة على كل سهرة بائسة يمقتها المشاهد.
وهناك فئة أخرى من البسطاء حباها الله بأصوات عذبة تطرب و تنشد و تبتكر ألحانا و كلمات وليدة اللحظة، دون الإستعانة بآلات و فرق موسيقية ولاملحنين ولا كتاب القصائد، أصواتهم جميلة تجعل المرأ يتساءل في حيرة كيف لهذه المواهب أن تضيع وتتلاشى؟ أمام شرذمة لا تتوفر حتى على أبسط مقومات الفنان، اللهم سلاح الإغراء تارة، وسلاح "باك صاحبي" تارة أخرى، بل منهم من اشتهر لمجرد المشاركة في برنامج لاكتشاف المواهب أو فيديو نشره على مواقع التواصل الإجتماعي أومواقع نشر الفيديوهات، والأنكى من ذلك تتسابق المجلات والصحف لنشر أخبارهم ويومياتهم، وكأنهم نجوم تتلألأ في سماء علية القوم.
فئة أخرى استغلت التكنولوجيا الحديثة لنشر السخافات والسب والإنحطاط ، فأصبحوا بين ليلة وضحاها أبطالا،مستغلين كثرة المواقع إلإكترونية والتي تسمي نفسها إعلامية ،بل أغلبها في الواقع فاقد للمصداقة والمهنية، تتفنن في الفبركة والإشاعة والكذب للحصول على أعداد كبيرة من المتصفحين، تذبح لغة الضاد من الوريد إلى الوريد و تحرف الحقيقة دون محاسب ولا رقيب، فيشرب ضحاياها من البسطاء كأس البهتان.
كم من شخص حولته استديوهات التحليل إلي متخصص وعارف بخبايا الرياضة ينتقد خطط اللعب،تسيير الإداراتوأخطاء المدربين و الحكام واللاعبين،يستمر في تسويق نفسه إلى أن يحصل إلى منصب وفرصة عمل وبعدذلك يكتشف الجميع أنه مجرد إنتهازيتافه. وكم من فتاة تتخذ من العري والإغراء الجسدي وسيلة للوصول إلى الشهرة و الحصول على أدوار في المسلسلات والأفلام بتقديم نفسها و شرفها قربانا للمخرجين و المنتجين، ضاربة عرض الحائط كل القيم الدينية والإنسانية، والأعراف الإجتماعية، وماهي إلا شهور قليلة حتى تصبح مثالا للنجاح و الطموح .
إنه حقا عصر التفاهات،يلتهم البسطاء ويكرس هضم حقوقهم حتى لو كانوا مبدعين، ويحول الحقيرإلى فنان والرديء إلى قائد والتافه إلى منظر.