إسحاق شارية
لم يكن عبثا اجماعنا داخل الحزب المغربي الليبرالي، على قرار عدم المشاركة في الإنتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في 07 أكتوبر2016، لأن كل المؤشرات كانت تتجه نحو وجود إرادة خفية في إفساد المسار الديموقراطي المغربي، سواء من ناحية حماية الوجوه الإنتخابية، وعدم سن قوانين رادعة لإستخدام المال أثناء الإنتخابات، أو من ناحية هدر الأموال العمومية على العملية الإنتخابية وأحزاب سياسية دون مراقبة صارمة، ناهيك عن الإعلام العمومي الداعم لتوجه سياسي على آخر، وتوجهات النخب الإقتصادية ورؤوس الأموال المستفيدة على مر الزمان من الريع الإقتصادي والتي تسعى إلى توجيه الشأن السياسي بما يخدم مصالحها الريعية.
وقد بدأت ملامح الردة الديموقراطية تزداد وضوحا وانكشافا، منذ إعلان نتائج الإنتخابات الجماعية، ربما لأن قوى التسلط قد ضاقت ذرعا من اختيارات الشعب المغربي التي لا تتلاءم مع مصالحهم الشخصية الساعية دوما إلى مزيد من الجشع والفساد وامتصاص خيرات البلاد، دون حسيب أو رقيب.
لكن مع اقتراب موعد الإنتخابات التشريعية، بدأت مؤشرات حمى التسلط تجتاح قيادات الحزب المدلل، وكل من يدور في فلكه، وكل من يراهنون على فرضه الإجباري على الشعب المغربي، دون انتظار لنتائج الإقتراع، فمن قرار تخفيض عدد المراقبين الدوليين، إلى الضجة التي واكبت تصريحات الأمين العام لحزب التقدم والإشتراكية، إلى كارثة فبركة تظاهرة بالدار البيضاء ضد حزب وطني وفكر مجتمعي، قد نختلف معه وقد نتفق، إلا أن وسيلة مواجهتها بدل أن تكون بالأفكار والبرامج والنخب النزيهة، اعتمدت على البلطجة وتجييش الشباب والأطفال والنساء القادمين من البوادي بمقابل مادي لحمل لافتات لا يعلمون محتواها، في استغلال مقيت ومخز لفقرهم وسذاجتهم وحاجتهم لدراهم تسد رمقهم، وهو ما يدل على الإنحطاط الفكري والأخلاقي لكل من شارك أو ساهم في تدبير هذه التظاهرة، بل إن الأمر يتعداه إلى غباء وبلادة سياسية لا مثيل لها إلا في دول كنا نعتقد أننا تجاوزناها بعقود، فكم أحسست بالعار والمهانة وأنا أشاهد تلك الفيديوهات التي يشاهدها العالم أيضا والتي تفضح مشاركة مسؤولين في الداخلية من مقدمين وباشوات، ومنخبين، وقيادات الحزب السياسي المعلوم، وشركات نقل، في تعبئة المقهورين لمظاهرة لا يعلمون محتواها ولا أهدافها.
غير أن رصاصة الرحمة على النموذج الديموقراطي المغربي، سيطلقها وزير العدل شخصيا عندما أعلنها صراحة في تدوينته على صفحته الخاصة، في اتهامه الصريح بعدم استشارته في كل ما يتعلق بالإنتخابات التشريعية رغم أنه عضو أساسي في اللجنة المشرفة على تنظيمها، كما أخلى مسؤوليته من أي اختلال أو نكوص قد يشوبها، الأمر الذي يعني أن الداخلية سائرة لا محالة في طريق مجهول بعيد عن الشفافية المطلوبة، وهو ما وصفه الوزير بالأمور الغريبة التي تحوم حول هذه الإنتخابات وطريقة إعداها المثيرة للشك واستغراب المسؤولين الحكوميين، الذين من المفروض فيهم أن يكونوا من أول الموضحين للشعب عن مآلات الإستعداد للعرس الديموقراطي، فإذا كان الوزير لا يفهم ولا يستشار، فإنه من المؤكد أن شيئا ما يطبخ سرا.
وعليه فإن صيانة الإختيار الديموقراطي من الإنهيار، أصبحت في هذه المرحلة الدقيقة وأكثر من أي وقت مضى مسؤولية كافة القوى الحية من مثقفين وحقوقيين ونخب وكل من له غيرة على مستقبل المغرب وصورة ديموقراطيته المهزوزة بهذه التصرفات الصبيانية، وهي أيضا مسؤولية جلالة الملك
بنص الفصل 42 من دستور المملكة الذي يؤكد صراحة على أنه :" الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الإختيار الديموقراطي..."
وبالتالي فإن كافة المؤسسات المسؤولة على صيانة الإختيار الديموقراطي للمملكة المغربية أن تتدخل بحزم لفتح تحقيق دقيق ومحاسبة كافة المتورطين في العبث الصبياني والبليد باستقرار الأمة والسعي المجاني إلى إثارة الفتن والفوضى، وإشاعة جو من الكراهية والعنف اللفظي المؤدي حتما إلى عنف جسدي، واستغلال حاجات المواطنين وفقرهم لبلوغ أهداف سياسية، وإذا كان الأمر يتطلب تأجيلا لهذه الإنتخابات التي لا يمكن تنظيمها في ظل جو مشحون قد تكون نتائجه وخيمة على الوطن والأمة، فلا ضير من ذلك إلى حين الإنتهاء من محاكمة كل من سعى إلى الإساءة لصورة المملكة المغربية ملكا وشعبا، ونموذجا حضاريا متفردا لم يكن في يوم من الأيام مستوردا لثقافات الديكتاتورية المصرية، ولا أساليب القمع الممارسة من طرف الأحزاب الشيوعية لدول المعسكر الشرقي، وإنما ظل على الدوام متطلعا لبناء ديموقراطية متفردة وصيانة مسارها وتعزيزه، بعيدا عن محيط عربي غارق في أتون الفوضى والإقتتال.