محمد لغويبي
هناك ادعاء اليوم بوجود نخب سياسية أفرزها المجتمع و الحراك الذي عاشه في السنوات الأخيرة -على خجل- و على عجل يأتي الحكم صادما لا يتوافق مع الواقع الافتراضي الثائر قصدا و المنزاح عنوة عن الواقع المادي المغلول أصلا بدراية تامة بعجزه و عجز نخبه عن ترجمة تطلعاته إلى واقع حي إيجابي مبشر بتغيير الحال و الأفق. و الحال أن تلك النخبة في ظل ما سمي بالحراك لم تكن نخبة بأي حال من الأحوال بقدر ما كانت تجميعا لإرادات شاءت أن تلتقي زمنيا في ذلك السياق، بالرغم من اختلافها ،فكان أن ملأت الفراغ و سدت مسد نخب موجودة خارج إعلان الوجود.
و هذه مفارقة أصبحت معلومة لدى القاصي و الداني، و لم تعد تسريبا من أي جهة من الجهات،لا في الداخل و لا في الخارج. و غني عن البيان أن هذا الالتباس يخدم مصلحة التعطيل و الفرملة من حيث قدرته على التشويش و البلبلة لمدة ليست بالقصيرة،و هو ما قد يساهم في الاحتقان و الزعزعة التي يغذيها الانشطار و الكبت السياسي عند النخب المحتقنة و الجمهور العريض من الناقمين على الأوضاع الإجتماعية و الاقتصادية و السياسية الذين وجدوا أنفسهم بلا تعبير أو تمثيل حقيقي فبقوا خارج الحراك و الثبات، فلا هم بالبلح و لا هم بالعنب.
النخبة الحقيقية إذن لم تعرف نفسها بعد فهي تائهة مشتتة،تجتمع و تفترق ،و هي في ذلك تتآكل بالتدريج ،عاجزة عن فهم أسباب عجزها فكريا و عمليا،و نظيميا لا ترقى إلى مستوى التنظيم،و هي بذلك و كأنها غير موجودة،و كأن عدم وجودها أصبح أفضل من القول بوجودها،و هذه مفارقة أخرى تستوجب الدراسة و البحث. لقد رضيت إذن هذه النخبة المحتملة أن تبقى ظلا و صدى،تشكو و تنوح و لا تبوح بعجزها لتتطهر منه فتراجع أوراقها و تقوم اعوجاجها و تطلق طاقاتها الكامنة الموجودة و المفترضة،و اكتفت بالتمثيل و الأدوار الصغيرة،و هي الآن تحرق سفنها و مراكبها و تأكل أبناءها، و لم يعد لها إلا السباحة ضد التيار عنوانا لوجودها حتى لا يتم التشطيب عليها من الواقع و الذاكرة و التاريخ.و هذه مفارقة أخرى تجعلها خارج التغطية ،و قد انقطع إرسالها و سقطت في تمجيد التاريخ و أضاعت معالم الطريق،تحتاج إلى معجزة تعيدها و تعيد خصومها إلى الرشد.. حتما لن تكون صناعة النخب بديلا عن الولادة الطبيعية من رحم المجتمع الخصيب الذي يريد له الجهل عقما و عجزا مستداما يقضي على الزرع و النسل و يدعو السماء أن تكف عن مطر الوصل.