عبد المنعم الميموني
بمجرد أن شاع خبر ارتفاع ثمن العدس على مواقع التواصل الاجتماعي (الفاضح الرسمي لكوارث البلاد و العباد)، حتى سارعت القنوات الرسمية لتناقل الخبر و البحث عن حيثياته، ليس لمهنيتها، بل لإنقاذ ماء وجهها من مختلس يزيح عنها الأضواء شيئا فشيئا. أيام قليلة بعد ذلك تعقد الحكومة مجلسها، لتخرج بقرار يقضي بوقف استيفاء رسم الاستيراد المطبق على هذه المادة الحيوية خصوصا في الفصول الباردة.
بادرة طيبة تثلج صدر المواطن المغربي و تجعله يحس أن هناك من يسهر على راحته و يحميه من المضاربين المتوحشين الذين يفكرون في المال أولا و المال عاشرا و من بعده الطوفان.
لكن بالمقابل، ألم يكن حريا بالحكومة نفسها التي تملصت من دعمها للمحروقات و تركتها مأدبة في مائدة كبريات الشركات في مجال المحروقات (ألم يكن حريا بها) أن توقف هذا المارد الاقتصادي عند حده و تفرض عليه هامش الربح الشاسع الذي يجنيه على ظهور جميع المواطنين دون استثناء، سواء بطريقة مباشرة من مستعملي المحروقات، أو بطريقة غير مباشرة بالنسبة لجميع المواطنين عبر نقل السلع و البضائع....
ثمن المحروقات الذي وصل مستويات قياسية في الارتفاع بجميع محطات البيع في السوق الداخلية باختلاف مسمياتها، يسجل في عز انخفاضه بالسوق الدولية حيث وصل إلى أدنى مستوياته بقرابة الثلاثين دولارا للبرميل الواحد، و قد كانت صحف عديدة نشرت أن ثمنه حسابيا من المفروض أن لا يتعدى حاجز الخمسة دراهم للتر الواحد من الكازوال (اعتبارا لتدني ثمنه دوليا)، في حين أن ثمنه يفوق الثمانية دراهم انذاك وطنيا. فكيف سيكون الحال عندما سيتعدى ثمن البرميل دوليا برزخ المائة دولار؟ و الأكيد أن رواد المحطات بدأوا يستشعرون هذا الخطر الذي أصبح يحرق جيوبهم قبل أن يحترق في محركات وسائل نقلهم.
فلماذا هذه اللامساواة و الازدواجية في التعامل مع المضاربين و تجار الفرص. إرتفاع ثمن العدس لا يقارن ضررا مع ارتفاع ثمن المحروقات، فالأول ليس من ضروريات المواطن المغربي إذ يمكن الاستغناء عنه كحل أخير في أحلك الظروف. لكن الثاني له تأثير مباشر على القدرة الشرائية للمواطن، و ما ارتفاع المواد الغذائية بمختلف أصنافها إلا دليل على ذلك.
لعل هذا التناقض الحاصل بين العدس و المحروقات يعزز الطرح الذي يعتبر أن المسؤولين الحكوميين القائمين على أمورنا لا يفلحون إلا في جلد البسطاء "العدساويين" و لا يملكون إلا الصمت أمام لوبيات الاقتصاد "البترومضاربين". كيف لا و العدس المسكين لا يملك أباطرة للدفاع عنه من داخل مراكز القرار. هو يشبهنا كثيرا، ليس له إلا الانصياع للاقتطاعات و القرارات.