عبد اللطيف الركيك
تقديم:
في خضم الانفجار المعرفي الذي أصبحت تشهده المجتمعات الإنسانية المعاصرة مع بداية الألفية الثالثة، أصبح الاتجاه نحو توظيف ثورة المعلومات في مختلف المجالات، ولا سيما في التعليم يفرض نفسه بإلحاح. فهناك اليوم توجه عالمي للإدماج المتنامي للوسائل التعليمية السمعية البصرية الحديثة في التعليم المدرسي في إطار ما بات يعرف عالميا بتكنولوجيا التعليم، ويقوم هذا التوجه على اعتبار هذه الوسائط ليس كمجرد وسائل إيضاح، وإنما جزء من المنهاج الدراسي ككل. لكن من ناحية أخرى، وإذا كانت عملية التدريس هي في المقام الأول عملية تواصلية بامتياز، فإن الحكم على نجاح هذه الوسائط من عدمه يظل مرهونا بمدى جودة استقبال الرسالة وحدوث ردات الفعل(الفيدباك) بين أطراف العملية التواصلية، وليست العبرة بنوعية الأداة المستعملة في تبليغ الرسالة سواء كانت تقليدية أم حديثة.
أما في المغرب، فقد عمدت وزارة التربية الوطنية خلال عشرية الإصلاح إلى تجهيز بعض المؤسسات الثانوية التأهيلية والإعدادية بقاعات متعددة الوسائط، وفي سنة 2005، أعطيت انطلاقة مشروع جيني (GENIE) الذي بادرت إليه الحكومة المغربية لتعميم تكنولوجيا المعلومات والتواصل في الأوساط المدرسية، وذلك في أفق وضع مخطط عمل من أجل تكوين الأطر التربوية وتأهيل الموارد البشرية عموما في مجال إدماج تكنولوجيا المعلومات والتواصل في التربية. لكن عمليا وفي الواقع، فإن الجهد المبذول في هذا المجال، يبقى دون المستوى المطلوب، ليبقى هنالك تأخر كبيرا في مجال إدماج تكنولوجيات المعلومات والاتصالات في المنظومة التربوية.
في هذا السياق تُطرح مسألة توظيف الوسائل السمعية البصرية كمعينات ديداكتيكية لبناء درس الاجتماعيات، تساعد على عرض الدعامات الديداكتيكية بطريقة حديثة واستثمارها بأسلوب مغاير للمألوف، وبالتالي تدبير وضعيات تعليمية تعلمية بالاعتماد على هذه الوسائط العصرية. في هذه المقالة سنعرض-وبطريقة وصفية تحليلية-للتمثلات المرتبطة باستخدام هذه الوسائط من زاويتي نظر المدرس والمتعلم في محاولة لرصد إيجابيات وسلبيات استخدام هذه الوسائط.كما سنتطرق لأهمية توظيف الوسائل السمعية البصرية بشكل عام وفي بناء درس الاجتماعيات بشكل خاص.
ولعلنا ننطلق في مقاربتنا للموضوع من الطرح الإشكالي لمدى فاعلية ونجاعة هذه الوسائط، معتبرين بأن التراكم الجنيني الذي حصل في منظومتنا التعليمية على هذا المستوى لا يسمح بعد بالقفز الاعتباطي على هذه الإشكالية التي تبقى في صلب موضوع استعمال الوسائل الحديثة في التدريس ببلادنا في غياب دراسات في هذا الجانب كما سنوضح ذلك لاحقا. وربما يكون هذا الطرح الاشكالي بمثابة عودة واقعية للمربع الأول في هذا الموضوع.
أولا: تمثلات المدرس
لا ريب أن نظرة المدرسين لغايات استعمال الوسائل السمعية البصرية في التدريس تتفاوت من شخص لآخر وحسب اختلاف التجارب في هذا المضمار. ومن بين التمثلات الملحوظة في سلوك المدرسين نعرض لما يلي:
-يأتي استعمال بعض المدرسين لهذه الوسائط أحيانا محكوما بالرغبة في التخلص من عناء بناء الدروس بالوسائل التقليدية المعتادة مع ما يتطلبه ذلك من تعب وجهد.
-يعتقد بعض المدرسين أن هذه الوسائط، وما تتيحه من إثارة، قد يخلق لدى المتعلم تشويقا ويجذبه نحو المشاركة والإنجاز والعمل أكثر من المعينات الديداكتيكية العادية، والحال أنها قد تشد انتباه المتعلم فقط من الناحية التقنية البحتة دون أن يُلقي بالا للمحتوى التعلمي.
-يميل بعض المدرسين في بعض الأحيان إلى استعمال هذه الوسائط بنية التباهي على أساس أنهم كسّروا المألوف في طرق التدريس، وجاؤوا بالجديد من خلال استخدام وسائل مجهولة عند زملائهم من المدرسين.
-قد يكون استثمار هذه الوسائط من جانب المدرسين مفيدا في حالات معدودة، ومنها أن يكون المتعلمون قد استأنسوا خلال مسارهم الدراسي بهذه الوسائط التقنية واستخدموها في بناء التعلمات.
ثانيا: تمثلات المتعلمين
يتوقع المتعلم باعتباره المعني الأول باستخدام هذه الوسائط بهدف تحفيزه وجذبه نحو المشاركة والبناء أكثر مما هو عليه الأمر في حال استعمال المعينات الديداكتيكية العادية. بيد أن موقف المتعلمين من استخدام هذه الوسائط يظل مجهولا بحكم غياب دراسات تسبر مواقفهم وتمثلاتهم، وهو ما سنعمل على توضيحه اعتماد على تجارب بعض المدرسين كما يلي:
-قد يتحوّل المتعلمون لحظة تعاملهم مع هذه الوسائط-في حالة عدم استئناسهم بها سابقا-إلى مجرد متفرجين متابعين لعرض تقني.
-العديد من المتعلمين ينظرون إلى هذه الوسائط باعتبارها وسيلة للفرجة وتجزية الوقت وكسر روتين القسم، دون الاهتمام طبعا بالمضمون التعلمي.
-قد يتحول استخدام هذه الوسائط-وعلى عكس المرتجى تماما-إلى مشوّش بصري يساهم في تشتيت انتباه المتعلم، وجعله يركز أكثر على المثيرات التقنية لهذه الوسائط أكثر من اهتمامه بالتعلمات، ما يحول بينه وبين استيعاب المحتوى التعلمي الذي تعرضه هذه الأدوات التقنية.
-عادة ما يُسجل إقبال كبير للمتعلمين على الحصص الدراسية التي تُستعمل فيها الوسائل السمعية البصرية، ويتحمسون لمتابعة الحصص ليس حبّا في التعلم، وإنما لأنهم سيتحولون بسبب الاستعمال العشوائي لهذه الوسائط إلى مجرد متفرجين ليس مطلوبا منهم التفاعل والإنتاج والمشاركة في بناء التعلمات خلاف ما هو معمول به في الحصص العادية.
-يتوقف تحقيق الغاية التي استعملت من أجلها هذه الوسائل، وهي تحفيز المتعلمين على بناء التعلمات، على نوعية وطبيعة دينامية جماعة القسم ومدى استعدادها وقابليتها للتعلم وحافزيتها الذاتية وجديتها ورغبتها في الانخراط في سيرورة بناء الدرس. فبالنسبة لبعض جماعات القسم التي تفتقد لهذه المواصفات، فإن استخدام الوسائل السمعية البصرية يبقى مجرد نوع من "التسلية"، وذلك على خلاف جماعات القسم الأخرى ذات الدافعية القوية للانخراط في العمل والإنجاز والمشاركة، والتي تُقبل على العمل بقطع النظر عن وسائل العرض المستخدمة. فاستعمال الوسائط الحديثة أو التقليدية بالنسبة لهذا النوع من جماعات القسم هو سيّان.
ثالثا: مدى نجاعة استخدام الوسائل السمعية البصرية في التعليم
هل مجرد شذ انتباه المتعلمين إلى مثيرات الوسائل الحديثة يعني تحقيق المبتغى من استعمالها؟
نظريا، يرى مؤيدو تكثيف استخدام هذه الوسائط أنها تقدم للمتعلمين أساساً ماديا للتفكير الإدراكي الحسي، وتقلل من التجريد المفرط في تقديم المضامين باستخدام الألفاظ المجردة التي لا يفهمونها، كما تساعد على جذب وتركيز انتباه المتعلمين وتثير اهتمامهم وإقبالهم على التعلمات، لما تضفيه على الدرس من حيوية وتشويق.
لكن واقعيا، ليس بحوزتنا من دليل يُثبت بأن استخدام هذه الوسائل يساهم بشكل أفضل في بناء التعلمات، ويرفع من مستوى التحصيل الدراسي للمتعلمين. لذلك فنحن اليوم في حاجة ماسة إلى دراسة علمية تروم تقييم فائدة استخدام هذه الوسائط الحديثة كمعينات ديداكتيكية بديلة عن المعينات الكلاسيكية التي الفناها في أقسامنا.
في غياب ذلك، يمكن الحديث عن تقييم أولى من خلال تجارب بعض المدرسين. وفي هذا السياق يجب الإقرار بأن استخدام الوسائل السمعية البصرية قد لا يكون مفيدا وفعالا في جميع الحالات التي عرضنا لأهمها أعلاه،، وقد يكون خادعا بالنسبة للمدرس. ذلك أن نتائج التقويمات الصفية والوضعيات الاختبارية التي ينجزها المدرس مع متعلميه هي ما يمكن أن يحدد مدى فاعلية هذه الوسائط من خلال تعبئة شبكة ملاحظة، والوقوف على تأثير استخدام هذه الوسائط على مستوى التحصيل الدراسي للمتعلمين من خلال مجموعة تجريبية وأخرى ضابطة وعبر تعبئة استمارات.
لا نعلم إن كانت دراسة من هذا القبيل قد أنجزت بالفعل، لكن ما هو معلوم لدينا هو أن استخدام هذه الوسائط في مدارسنا تعترضه جملة إكراهات، من بينها مشكل البنيات التحتية والفضاءات المدرسية المنعدمة أو في أحسن الأحوال غير الصالحة للاستعمال. ناهيك عن عدم الحسم في مردوديتها الوظيفية، لتبقى هذه الوسائل إلى الآن وفي غياب دراسة علمية مجرد وسائط للعرض يستحيل التحقق من مدى نجاعتها.
وبذلك تبقى المعينات الديداكتيكية التقليدية هي المهيمنة. ذلك أن حديث المناهج الدراسية المغربية عن محورية المتعلم في سياق مدخل الكفايات قد لا يتحقق عبر الوسائل الحديثة، التي يتحول المتعلم لحظة استعمالها-بطريقة غير مضبوطة-إلى مجرد متتبع سلبي، هذا فضلا عن استهلاكها لمعظم الزمن التعلمي.
رابعا: توظيف الوسائل السمعية البصرية في درس الاجتماعيات
عرفت المنظومة التعليمية ببلادنا في السنوات القليلة الماضية إقبالا متزايدا من طرفي مدرسي الاجتماعيات على توظيف الوسائل السمعية البصرية في بناء الدروس. وانتشرت بفضل شبكات التواصل الحديثة موارد رقمية مهمة تعكس تجارب بعض المدرسين في هذا الجانب. وقد ترتب عن ذلك تكوين رصيد أولي من الموارد الرقمية التي يمكن تطويرها في سياق مسعى إعداد بنك للموارد الرقمية الخاصة بالاجتماعيات في سلكي الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي.
ولعل تلك التجارب الفردية قد انطلقت من تشخيص بات عاما لواقع تدريس المادة من حيث ترسخ بعض التمثلات السلبية عن المادة في أذهان المتعلمين ونفورهم الملحوظ من المساهمة في بناء تعلماتها. ولعل من دواعي انخراط مدرسي الاجتماعيات في إدماج الوسائط الحديثة في بناء الدروس هو وجود حاجات تقنية ومادية تفرض نفسها. ذلك أنه-وبحكم طبيعة المادة-فإن معظم الدعامات والأسناد الموظفة في بناء التعلمات هي عبارة عن خرائط وصور ورسومات وأشكال يتطلب استثمارها توفر معايير الوضوح والجودة، وهو ما لا توفره الكتب المدرسية المغربية بحكم إكراهات تقنية وفنية ومادية، ما يجعل معظم الدعامات الواردة بها غير واضحة أو غير صالحة بالمرة. ومن هنا أصبح استعمال هذه الوسائط الحديثة من طرف المدرسين أمرا ضروريا.
وبناء على ذلك يعمل مدرسو الاجتماعيات بالمغرب على استعمال الحاسوب ومختلف أدوات العرض والإيضاح لتحقيق المرامي التالية:
-عرض مختلف الدعامات الواردة في الكتاب المدرسي أو أخرى إضافية مثل الخرائط والمبيانات والرسومات والصور والجداول والنصوص والإحصائيات التي تخص الوحدات التعليمية لمكوني التاريخ والجغرافيا.
-محاولة إدخال الحيوية على التدريس بتقريبه للظواهر والأفكار التاريخية والجغرافية بعيدا عن التناول الشفوي المجرد.
-محاولة إثارة اهتمام التلاميذ وشد انتباههم، وتحفزيهم على التعلم وتدريبهم على العمل الفردي والجماعي في أفق تحقيق مبدأ استقلالية المتعلم.
-العمل على تدريب المتعلمين على فهم وترسيخ المعلومات التاريخية والجغرافية في أذهانهم دون الحاجة إلى الحفظ الآلي.
-محاولة تنويع وسائل الإيضاح عبر بعث التشويق والتخلص من أجواء الرتابة والملل التي تطغى على دروس المادة بالسعي نحو تغليب الجانب العملي الحسي الإدراكي عوض الطرائق الكلاسيكية التي تتميز بغلبة الجانب النظري من خلال الاعتماد فقط على دعامات الكتاب المدرسي على فقرها ورداءة مستواها الفني.
غير أن الأسئلة المطروحة أمام هذا الإدماج هي: هل ساهم توظيف هذه الوسائط من خلال التجارب المتوفرة حاليا في إحداث ثورة في مجال طرائق تعلم درس الاجتماعيات؟ وهل ساعد ذلك على رفع مستوى استيعاب المتعلمين للمعارف والمهارات المقدمة لهم مقارنة بالوسائل الكلاسيكية؟ وهل غيّر ذلك من النظرة التبسيطية للمادة كونها مادة للحفظ؟ هل أدى إلى رفع الرتابة عن درس الاجتماعيات؟ وهل تخلصت مادة الاجتماعيات من جميع مشاكلها بسبب استعمال هذه الوسائط الحديثة؟
واقع الحال يشي بأن لا شيء تغير إلى حدود الآن ما يفرض إعادة الطرح الإشكالي بصدد تأثير استعمال الوسائل السمعية البصرية على واقع تدريس مادة الاجتماعيات، والتحقق من مكمن المشكل ومعرفة ما إذا كان مرتبطا بعدم فاعلية هذه الوسائل نفسها، أم مجرد سوء استعمال لهذه الوسائل، أم كامنا في عدم أهلية العنصر البشري لتوظيف هذه الوسائل بحكم ضعف التكوين، أم في طبيعة الدعامات التي يتم إيضاحها بوسائل العرض الحديثة، أم في ضعف مضمون الموارد الرقمية المنتجة لحد الآن.
من أهم المساوئ التي يطرحها توظيف هذه الوسائط كهدف في حد ذاته، دون دراسة كافية لجدواه، هو أن عرض الأسناد يتحول إلى مجرد تكرار لما هو موجود في الكتاب المدرسي، أي مجرد إعادة عرض نفس دعامات الكتاب المدرسي ونفس المحتوى بوسائل إيضاح مختلفة ما يجعل الجديد الوحيد الذي يحمله هذا الاستخدام هو الجانب التقني البحت، وكأنها مجرد مطية للتخلص من سلبيات الكتاب المدرسي.
كما أن استخدام المدرس لهذه الوسائل بنية استهلاك زمن حصة الاجتماعيات، والرغبة في عدم بذل المجهود، يؤدي حتما إلى جعل ذلك الاستعمال عشوائيا وغير ذي جدوى، ويساهم في هدر زمن التعلمات بشكل مقصود. فغني عن البيان أن استعمال هذه الوسائط ينبغي أن لا يتم بنية استهلاك زمن الحصة، وإنما تستعمل لإدماج أنشطة معينة بشكل مخطط له مسبقا، ولذلك يتعين أن لا يزيد زمن توظيف وسائل الإيضاح تلك عن ربع الساعة في الحصة الواحدة، وأن لا يشمل ذلك جميع الأنشطة التعلمية المبرمجة في الحصة، وإنما يقع التركيز على نشاط تعلمي محدد.
يشترط استخدام هذه المعينات الديداكتيكية الحديثة تحضير تخطيط مسبق للنشاط المزمع تدبيره في جذاذة خاصة بذلك يتضمن سيناريو بيداغوجي محكم وتصورا مضبوطا لكيفية التدبير وبناء التعلمات انطلاقا من وسائل الإيضاح تلك، بشرط أن يكون ذلك مرفوقا باستحضار وتفعيل مبدأ محورية المتعلم في تدبير الوضعيات التعليمية التعلمية، حتى لا يتحول النشاط المُدبّر إلى مجرد اكتفاء بعرض مورد رقمي يكون خلالها المتعلم في موضع المتلقي السلبي، حتى لا نقول المتفرج، دون أهداف تعلمية واضحة، ودون امتلاك تخطيط يتضمن الأنشطة وطريقة تدبير الدعامات المعروضة، وأنواع التنشيط المعتمدة، وكيفية تركيب التعلمات انطلاقا من المورد الرقمي المعروض.
ويتوجب أن يكون إدماج الوسائل السمعية البصرية لتدبير نشاط تعلمي معين من درس الاجتماعيات مقترنا بتوفر خطة بديلة توقعية في حالة تعثر استخدام تلك الوسائل جراء عائق تقني أو حدوث عطل في أجهزة العرض. فكثير من المدرسين يفتقدون لمثل هذه الخطة، وفي غياب ذلك يلتجؤون إلى الارتجال في حال حدوث طارئ عرضي.
كما أن توظيف الوسائل التقنية الحديثة لا يكون مجديا دائما وفي كل الحالات، فقد ينتصب ذلك كمشوش تقني يربك عملية التواصل، وبالتالي يؤثر سلبا على عملية بناء الأنشطة المراد تدبيرها، ما قد يجعل استخدام تلك الوسائل بلا نفع أو فائدة، ولا يختلف من حيث الوظيفية عن المعينات الديداكتيكية الكلاسيكية على مستوى التأثير والمردودية، ودرجة فهم واستيعاب المتعلمين ومشاركتهم في التعلمات التي يتم بناؤها.
وبالعودة إلى واقع الإدماج العملي للموارد الرقمية والتجارب المحدودة في هذا المضمار، فإنه يحق التساؤل مرة أخرى مع مدرسي المادة ممن خبروا هذا الإدماج: ما الفرق بين ملاحظة المتعلمين لنفس الوثيقة المتضمنة في الكتاب المدرسي وملاحظتهم لها بوسائل العرض الحديثة؟ ما أثر استخدام هاته الأخيرة على دافعية المتعلم للمشاركة في درس الاجتماعيات؟ هل تمت هذه المقارنة من خلال مجموعة ضابطة وأخرى تجريبية؟ هل يكون تعاطي المتعلم مع نفس الدعامة الموجودة في الكتاب المدرسي مختلفا في حالة عرضها على المسلاط الضوئي مثلا؟ هل يكون ذلك التعاطي فاترا في حالة الكتاب المدرسي وأكثر جاذبية في حالة استخدام الوسائل السمعية البصرية؟ وبالمحصلة ما الجديد الذي أتت به هذه الوسائل على طرق تدريس الاجتماعيات؟ هل يؤدي توظيف تلك الوسائل إلى تغيير نمط التدبير الديداكتيكي ويجعله أكثر وظيفية ومردودية؟
كإجابة مركبة للأسئلة المطروحة أعلاه، يمكن الاستنتاج بأن المقاربة الديداكتيكية للأنشطة التعلمية لا تتغير في حالة استثمار الوسائل التكنولوجية، ليبقى الجديد الوحيد عندئذ هو وضوح عرض الدعامات
الديداكتيكية دون أي تغيير يذكر على مستوى أشكال التدبير والتنشيط الذي يستمر على نفس الطرق التقليدية من خلال طرح الأسئلة البنائية حول الدعامات المعروضة. وهذا يجعل أن استعمال هذه الوسائط يقتصر على كونها مجرد وسائل إيضاح ليس إلا.
ينضاف إلى ما سبق، أن إدماج الوسائل السمعية البصرية في بناء تعلمات درس الاجتماعيات يبقى مجرد اجتهادات فردية، لا على مستوى إنتاج الموارد الرقمية، ولا على مستوى طرق استثمار الدعامات المعروضة عبر وسائل العرض تلك، في غياب إطار مرجعي ناظم، ومندمج في منهاج المادة، يُوحّد طرائق توظيف الوسائل السمعية البصرية في بناء درس الاجتماعيات.
على سبيل الختم:
بناء على ما سلف يمكن القول أن محورية المتعلم في العملية التعليمية التعلمية والتعلم الذاتي والمشاركة والإنجاز والعمل تتحقق أيضا عبر الطرق العادية في التدريس، بل أن غياب هذه الوسائط الحديثة هو ما يُجبر المتعلم على الانخراط الجدي في بناء التعلمات. في حين، وفي غياب دراسة الغائية بصدد الوسائط السمعية البصرية، فإن تلك الوسائل تبقى ذات نفع في العرض بالمنتديات والمنابر العلمية النخبوية أكثر من كونها مجدية داخل الحجرات الدراسية. إلا أن هذا لا يمنع من استعمالها، ليس كهدف في حد ذاته، وإنما يتعين توظيفها متى ما ثبُت أنها أكثر نجاعة من المعينات الديداكتيكية العادية. في حين أن استعمال هذه الوسائط الحديثة في تدبير درس الاجتماعيات لم يُفرز لحد الآن-مبدئيا على الأقل-آثارا ملموسة على مستوى طرائق تدريس المادة، ولم يساهم في تجويد التعلمات أو تحفيز المتعلمين وغيرها من الأهداف التي استعملت لأجلها تلك الوسائط. ما يستدعي إنجاز دراسة ميدانية تدخلية حول مدى نجاعة هذه الوسائل مقارنة مع الوسائل التقليدية.
كما أن إدماج الوسائل السمعية البصرية لبناء حصص دروس الاجتماعيات لم ينضج بعد بما يكفي ولا زال جنينيا، ومن السابق لأوانه اليوم الحديث عن حصول تراكمات كافية لإصدار حكم نهائي بصدد وظيفية تلك الوسائل، ورصد وقع ذلك الاستعمال على واقع تدريس المادة. فرغم وجود توصيات رسمية تحث على الاستعانة بهذه الوسائل التكنولوجية في تدبير دروس الاجتماعيات، فأن الأمر لا زال مقتصرا على تجارب واجتهادات فردية لا زال من المبكر الحكم عليها في غياب أبحاث تربوية تدخلية تُقارب تأثير استعمال تلك الوسائل على واقع تدريس المادة في ميدان التطبيق العملي، خاصة وأن عمليات التطوير على هذا المستوى لا بد أن تأخذ وقتا طويلا.
مراجع المقال:
-"للرفع من جودة التعلمات واكتساب المهارات: إدماج تكنولوجيا المعلومات والتواصل في العملية التربوية"، نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 01 - 01 – 2010.
- رافدة الحريري، طرق التدريس بين التقليد والتجديد، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 2010.
- محمد السيد علي، اتجاهات وتطبيقات حديثة في المناهج وطرق التدريس، دار المسيرة، عمّان، الطبعة الأولى، 2011.
-محمد زياد حمدان، وسائل وتكنولوجيا التعليم، دار التربية الحديثة، عمّان، 1987.
-حسين حمدي الطويجي، وسائل الاتصال والتكنولوجيا في التعليم، دار القلم، الكويت، الطبعة الثامنة، 1987.