عبد الرحيم هريوى
إن عالم السياسة يمكن اعتباره بمثابة بحر عميق و متقلب ومتغير حسب الأحوال والظروف المناخية وتتقاطع وسطه كثير من الخطوط البحرية ، وكل من دخله لا بد أن يكون قد درس هذه العلوم دراسة جيدة وله من الكفاءة والخبرة العلمية ما يؤهله لأخذ غمارها ومواجهة أمواجها العاتية وإلا سيتيه كربان وسط البحر بدون بوصلة، وقد يصطدم بأحد الصخور أو الجبال الثلجية؛ مما يعرض حياة البشر للخطر فيهلك نفسه ومن معه بسب حساباته الخاطئة. وربما لتهور الربان ومغامراته وسط هذا العالم المتشعب الذي تحكمه عدة ظروف طبيعية وأخرى جغرافية..
فبعد مرور خمس سنوات كاملة ؛ قضتها هذه الحكومة المنتهية ولايتها برئاسة عبد الإله بن كيران في صراعات مستمرة ومتكررة خرجت جلها إلى العلن وتناقلتها وسائل الإعلام الوطنية، وواكبت أحداثها جل المنابر الإعلامية الالكترونية منها والورقية؛ وناقشتها كذلك مواقع التواصل الاجتماعية؛ وتجاوب معها رواد هذه المواقع ، وكانت جل هذه الصراعات والاختلافات تتجلى عادة في الآراء والتوجهات السياسية المتباينة لأحزاب الأغلبية المشكلة للحكومة السابقة، في كيفية تدبير بعض الملفات الكبرى المطروحة عليها للنقاش.
وعادة ما يكون هذا الصراع الداخلي داخل البيت الحكومي بين أكثر من فاعل سياسي سواء داخل التشكيلة الحكومية نفسها أو خارجها؛ مما يجعلها تعيش اصطدامات متواصلة في غياب أي انسجام يذكر، وذلك بسبب العدد الكبير الذي تشكلت منه واقتربت من أربعين وزيرا ووزيرة وكتاب عامون، والدليل هو انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة الأولى؛ كما أن تشكيلها في حد ذاته خلال الحكومتين الأولى و الثانية؛ قد هيمن عليه إرضاء للخواطر والتوافقات الكثيرة في غياب الكفاءة والخبرة والوزير
المناسب في الوزارة المناسبة؛ مما أفقد هذه الحكومة قوتها وتماسكها وانضباطها، مما جعل أكثر من وزارة حيوية لها أكثر من وزير أو كاتب عام ، وتعيش برأسين وبمخاطبين وما لذلك من مشاكل وسلبيات على الحكامة والتدبير الجيد للملفات والمشاكل المطروحة لكل وزارة على حدة؛ ووزارة المالية مثالا عما ذكر؛ والتي لها دور كبير في تدبير الشأن المالي على أكثر من صعيد داخليا وخارجيا، والسهر على إنزال الميزانية السنوية وتتبع تنفيذها للمشاريع الاجتماعية والاقتصادية والطاقية لكل وزارة على حدة ، كما أن هذه الحكومة برئاسة عبد الإله بن كيران لم تستطع تنفيذ أحد بنود الدستور الجديد لسنة2011وهي ضرورة تقديمها لحصيلتها الحكومية خلال انتهاء ولايتها في سنة 2016حتى يطلع عليها الشعب المغربي ويحكم عليها من خلال منجزاتها على الأرض بعيدا عن أية دوغمائية وخطابات سياسية فارغة؛ وما قامت به من إصلاحات كبرى للنهوض بتنمية المجتمع المغربي وتقدمه ؛وذلك منذ توليها زمام الحكم خلال الربيع العربي أي من سنة 2012إلى 2016والتي عرفت إجراء الانتخابات التشريعية خلال 07أكتوبر. وكي يطلع المغاربة كذلك على ما وعدت به الجماهير الشعبية من إنجازات ، وهي التي أوصلتها بأصواتها الانتخابية لتدبير الشأن العام بالبلد ؛ و ما قامت به من إصلاحات جمة في جميع القطاعات الحيوية من تعليم وصحة وقضاء وإدارة وبنية تحتية، وفي المجال الحقوقي والإعلامي والثقافي وإنزال بنود وقوانين ومشاريع الدستور الجديد ليوليوز 2011 .وكان لابد من المساءلة مقابل تحمل المسؤولية. وحتى نكون موضوعيين في مقالنا السياسي ونلامس الواقع المعيشي للمغاربة ونقف عند أكبر المنجزات التي قامت بها هذه الحكومة في جميع القطاعات الحيوية ، والتي لها ارتباط وثيق بمستقبل البلاد والعباد، كقطاع التعليم والصحة والقضاء والمالية العمومية والجانب الحقوقي وحرية الصحافة والتعبير والعكس صحيح . فهل غيبت هذه الحكومة المنتهية ولايتها مصلحة الشعب من خلال جملة من قرراتها اللاشعبية ؟؟ بحيث لم تستطع أية حكومة قبلها فتح ملفاتها
لعدة اعتبارات اجتماعية وسياسية، لكن في ظلها تم إنزال كل شيء يقضي على ما تبقى من القدرة الشرائية للمواطن المغربي ،وإقبار الطبقة الوسطى، في غياب أي تحفيز يذكر ، وفي غياب أية زيادة تذكر في الأجور منذ ولايتها، بدعوى الاهتمام بالفئات الصغرى من الموظفين والتركيز على بعض الفئات المعوزة من المجتمع كالأرامل مثلا ،لكن أليست هذه الفئة المقصودة تدخل في كثلة انتخابية قارة مستقبلا؟؟
وإنزال خطة إصلاح صندوق التقاعد التي تعتبر في حد ذاتها من النقط السوداء في تاريخ هذه الحكومة، ولقد استشعر الموظفون والموظفات بنوع من الحكرة واستغلال رئيس الحكومة لمنصبه ليقسم بأغلظ إيمانه على تمريره قبل مغادرته الحكومة ،وعلى أنها شوكة في قدم الدولة حان الوقت لإزالتها. وكل هذه القرارات لم تكن بريئة بل كان الهدف منها التقرب أكثر من ولاية ثانية ونيل رضى أكثر طرف إذا ما أضيف إليها التوظيف بالعقدة لتذكرنا بما كان يعرف عند الفلاحين المغاربة قديما ( بالخماسة ) و(الرباعة).أليس كل هذا فيه نوع من القهر والإذلال للإنسان المغربي ؟؟
كما أن لا أحد يجادلنا بأن هذه الحكومة اقترضت من الصناديق الدولية مجمل ما اقترضته خمسة حكومات كاملة قد سبقتها ، وجعلت القروض الخارجية تلامس الخطوط الحمراء، وبأن هذه الحكومة كانت بمثابة التلميذ النجيب لهذه الصناديق الدولية ، والتي لا تتصدق ولا تعطي هبات لوجه الله ؛ بل عبر تاريخها تمتص دماء الشعوب الفقيرة من خلال إغراق دولها المقترضة، مما يجعلها تتخبط في مشاكل وقلاقل اجتماعية خطيرة بسبب السياسات اللاشعبية التي تفرضها على هذه الدول حتى تؤمن لنفسها الحصول على قروضها بل تمتص خزينة الدولة بشكل سنوي ، وهي تسترد سوى الفوائد المترتبة عن ديونها الثقيلة؛ مما يجعل مثل هذه الحكومات التي لا تبتكر الحلول من خلال تنشيط آليات الاقتصاد والمساهمة في الرفع من نسبة النمو السنوي لأرقام معقولة تجعلها في منآى عن المشاكل المالية
من عجز وتضخم وغيره، وجلب الاستثمارات الكبرى لامتصاص البطالة أو الانصياع للقرارات المجحفة لهذه الصناديق الدولية، وتطبيق توصياتها بالحرف الواحد؛ والتي لن تكون بالطبع لصالح عامة الشعب وبالخصوص الطبقة المتوسطة والهشة والفقيرة ؛وهذا ما سارت عليه الحكومة المنتهية ولايتها برئاسة عبد الإله بن كيران؛ فلقد تم الإجهاز على جميع الصناديق الداعمة للقدرة الشرائية للطبقات المتوسطة والفقيرة من المجتمع، وبالخصوص صندوق المقاصة والعمل على تحرير أكثر من مادة حيوية بدعوى أن الأغنياء هم الذين يستفيدون من بعض المواد المدعمة كالغزوال والبنزين والسكر؛ لكن في الحقيقة فالفاتورة لا يدفعها سوى أبناء الشعب من رواتبهم المتضعضعة والتي لم تسلم من مخططات هذه الحكومة من خلال أكثر من اقتطاع مباشر أو غير مباشر، وخاصة صندوق التقاعد الذي اعتمد في إصلاحه على طريقة محساباتية وتقنية محضة ،في غياب أية مشاركة للفرقاء الاجتماعين، وهي تضع نصب عينيها البسطاء من المجتمع لإرجاع العافية لهذه الصناديق دون التفكير في ابتكار الحلول والتفكير الكلي في أي إصلاح معقول وديمقراطي يراعي مصالح الجميع، مما جعل الموظفين والموظفات تحت رحمة الاقتطاعات المتوالية عبر سنين قادمة ؛في وقت تم إقبار كل المطالب الاجتماعية للنقابات الستة الأكثر تمثيلية للطبقة الشغيلة المغربية ، والعمل على مواجهة العمل النقابي بكل ما أوتي بن كيران من سلطات سواء أثناء الاجتماعات التفاوضية والتي حولها إلى تشاورية؛ فتم إطمار التعويضات عن العالم القروي والدرجة الممتازة، والصوم عن أي زيادة في الأجور بدعوى المحافظة على التوازنات المالية للدولة، في وقت تتم الزيادة لبعض القطاعات والفئات ويحرم السواد الأعظم تحت ظل ذرائع وأسباب مالية، رغم أن أكثر المواسم الفلاحية كانت جيدة جدا؛ ولم تتوقف الحكومة عند هذا الحد بل نزلت بكل ثقلها على الطبقات الهشة من خلال إصلاح الماء والكهرباء من جيوب المواطنين والمواطنات، وبنفس تقنية إصلاح صندوق التقاعد و إعادة التفكير في الشبكة المحددة للاستهلاك والعمل على الزيادة في الأشطر والرفع من التسعيرة الجديدة؛ ويتضح لكل ملم بالاقتصاد بأن ما تقدم عليه
حكومتنا من حلول وكأننا نفكر لمجموعة من الناس يعدون بالآلآف وليس لشعب بملايين من البشر يحتاج لمن يفكر له بمنطق فالضحية الأول (الجماعة ) العلوم الاقتصادية ولسنا أمام منطقوالأخير من خلال هذه السياسة اللاشعبية هو المواطن المتوسط والضعيف ؛أما الأقوياء فلهم آلياتهم للدفاع عن مصالحهم حتى لا تمس بأي شكل من الأشكال؛ فهل استطاع بن كيران التفكير الجدي في الضريبة على الثروة وخفظ معاشات البرلمانيين والوزراء؟؟
فالجواب يبقى عند رئيس حكومتنا المنتهية ولايته وهو ما زال يراود مكانه بسبب عدم حصوله على التوليفة المقبولة لديه كي يشكل حكومته القادمة وهو يعاني في صمت بعدما استطاعت الأحزاب الخمسة التكتل وجره للتصويت على رئيس البرلمان الجديد بسبب طول الزمن السياسي الذي استهلكه دون جدوى، ومؤسسات البلاد في عطالة غير محمودة، وهي معلقة والاقتصاد الوطني حتى اليوم في بلوكاج مزمن؛ وكأننا بالفعل نعيش لعبة سياسية من نوع آخر يشارك فيها لاعبون محترفون يستعملون تقنيات حديثة في التفكير السياسي، وآخرون هاوون للعمل السياسي ما زالوا يلجأون إلى آليات قد لا تجدي نفعا بسبب ضعفها وعدم تماشيها مع الوضع السياسي والاجتماعي والثقافي للبلاد والنخبة المجتمعية..
وبخروج هذه الحكومة نتساءل كمهتمين واقتصادين وإعلامين وسياسيين كيف وجدت جميع القطاعات ؟ وكيف تركتها بعد رحيلها؟ ونخص بالذكر التعليم والصحة والقضاء والسياحة والاستثمار والمالية