عبدالعلي جراف
يبدو ان الهوس المتزايد في الاهتمام بالعنصر البشري والرأسمال اللامادي داخل كل المجتمعات خلق موجة عارمة من المدارس والمراكز والاكاديميات والمنظمات المتخصصة في التنمية الذاتية او التنمية البشرية وبفعل الزخم الإعلامي وكثافة المعلومات المتوفرة حول الموضوع فقد فُتِح مجال هائل للارتزاق وامتهان ما يعرف بالتدريب أو الكوتشينغ وإنشاء عيادات تحت ما يسمى مراكز الاستماع يخضع اصحابها في أغلب الأحيان لتكوين من ستة أشهر فيصبح بقدرة قادر متخصصا في الأطفال او المراهقين او الاسرة .......؟؟؟؟؟ّ !!!!!!!!!! مما خلق مجموعة من الإشكاليات نجمل بعضها في:
1 الانبهار بالإنتاج الغربي : إنه لمن دواعي الأسف ان نسمع بالتمجيد و التنويه المبالغ فيه بالأبحاث و الانتاجات الفكرية في الموضوع من طرف الغربيين في حين ان موروثنا الثقافي غني بمثل هذه الأمور ففلسفة تربية و تكوين شخصية الانسان في الإسلام تنبني في خطوطها العريضة على كل الطروحات التي يهلل و يطبل بها دعاة التنمية البشرية و لو أخذنا كمثال كتاب العادات السبع للناس الأكثر فعالية لستيفن إم أر كوفي الذي يعتبر إنجيلا و كتابا مقدسا للعاملين في المجال ستعتقد – إذا لم تنتبه – أن كاتبه شخصية مسلمة حيث لا ينقصه سوى الاستشهاد بالآيات و الاحاديث . أما الشواهد من الشخصيات المسلمة من المتقدمين والمتأخرين الذين خرجوا من المحن بالمنح والانتصار والذين عاشوا من اجل هدف محدد منذ نعومة أظافرهم والذين كانت نظرتهم للحياة كلها إيجابية والذين كانوا في الحضيض الاجتماعي وأصبحوا في أعلى قمة السلطة سنجد الخير الكثير وعلى سبيل المثال لا الحصر عبد الله بن ياسين ويوسف بن تاشفين بالمغرب ومحمد الفاتح وابن تيمية والبخاري بالمشرق وابن البيطار والحاجب المنصور بن أبي عامر بالأندلس...إلخ.
2 التركيز على النظري: و هذه من أهم الآفات حيث نجد اغلب العاملين يلقبون انفسهم بالمدربين و هم من التدريب أبعد و إنما هم مجرد مؤطرين أو مكونين حيث لا تكفي بعض التمارين الخفيفة و المحصورة في الفضاء المكاني و المحيط الاجتماعي لترقى إلى مستوى التدريب و هذا في الغالب الأعم يجعل المواضيع المطروحة تسبح في الخيال و تركز على الاحتمالات و التقديرات و تجعل الحصول على النتائج مرهون بشروط أغلبها مستحيل التطبيق و كمثال على ذلك موضوع القراءة , فالمدربين يركزون في حديثهم على تقنيات و اليات للقراءة السريعة في حين أننا نعاني مشكل نفسي ثقافي لحمل الكتاب و الاهتمام به أولا أما على مستوى التكرار المبتذل للمضامين فحدث و لا حرج مما يضع أكثر من علامة استفهام حول لقب خبير التنمية البشرية الذي لا ينتج و لا يبدع و لا يجتهد حتى في الشواهد و القصص و إنما كل بضاعته
نقل و اقتباس و تكرار لمن سبقوه في طرح الموضوع بل و اكثر من ذلك قد تحضر له اكثر من دورتين فتجده يكرر ما يقوله دون تغيير في الأسلوب او المضمون او الأمثلة .
3 النصب و الاحتيال : إن طغيان الجانب المادي لدى بعض ممتهني التنمية البشرية جعلهم يسقطون في الجشع و من أهم مظاهره تنظيم دورات أولية مجانية للمستفيدين تهدف إلى طرح إشكاليات و تساؤلات و استفزاز و تهييج مشاعر الحضور و خلق الحاجة لديهم بدون تقديم أجوبة و (حلول) للإشكالات المطروحة و في الأخير يتم الإعلان انه ستنظم دورات متتالية لتقديم الأجوبة و طرح الحلول للإشكالات و بطبيعة الحال لا يمكن المشاركة فيها إلا بالمرور عبر الصندوق للأداء أما أصحاب العيادات فالوضع عندهم أدهى و أمر حيث أن حصص الاستماع قد تصل عند بعضهم إلى 1000 درهم للواحدة و قد يقوم (المعالج ) - كشرط من شروط نجاح العلاج – بطلب إحضار الوالدين أو الأبناء أو الاخوة مما يرفع فاتورة العلاج على ( المريض) مع الانتباه ان بعض ( الحلول ) التي يقترحها ( المعالج ) قد تفاقم الوضع مما يسبب في الطلاق او تأزيم العلاقة بين الاباء و الأبناء ..... .
4 الشعارات البراقة: إن من بين الكلمات والمفاهيم التي تحمل تناقضات كبيرة في مدلولها كلمة صناعة وهي كلمة تستعمل كثيرا في مجال التنمية البشرية فيقال صناعة القائد وصناعة الأفكار وصناعة السعادة وصناعة التفوق وصناعة التميز .... فبقدر ما تعتبر هذه الشعارات رنانة وتعزف على الوتر الحساس لعموم الناس فإنه لا يمكن قياس مدى نجاعة تطبيق التكوين فيها على المدى المتوسط وحتى البعيد من جهة لنسبية النتائج ومن جهة أخرى لأن التعامل مع هذه المفاهيم ليس كالأليات الميكانيكية التي إذا جمعنا بعضها وأعدنا ترتيبها أو صقلها أو جددناها يعطينا نتيجة حتمية تكون كماركة مسجلة يتم إسقاطها على الجميع و هذا أهم وجه للتناقض في مثل هذه الشعارات و نضيف فإن غالب الممتهنين لمجال التنمية الذاتية يجمعون على ان الجانب النفسي و الشعوري و اللاشعوري أهم عوامل نجاح أي تكوين وملامسة أثاره على الواقع و بالتالي فعبارة صناعة القائد مثلا ليس إلا تسويق و (ماركوتينغ ) يهدف إلى تلميع التكوين و استقطاب علية القوم من أصحاب الأموال
5 الاطار القانوني : إن البحث في الإطار القانوني لعمل مراكز الاسماع و مراكز الارشاد الأسري و المجالات المرتبطة بها ، لا نجد له ذكر في القوانين المنظمة إلا ما يتعلق بروح الدستور( المادة التاسعة ) أما القانون رقم 75.00 المغير و المتمم بموجبه الظهير الشريف رقم 1- 58.376 الصادر بتاريخ 15 نونبر 1958 بتنظيم حق تأسيس الجمعيات الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.206 بتاريخ 23 يوليوز 2007 صادر بالجريدة الرسمية عدد 3-5046 بتاريخ 10 أكتوبر 2002 ,والذي يسمح بتأسيس الجمعيات ويضمن
لجميع المواطنين المغاربة بغض النظر عن العنصر او الجنس أو الدين أو الإقليم حرية الاجتماع وتأسيس الجمعيات، لا يمكن إسقاطه على هذه المراكز التي هي في حقيقتها عيادات لا تحترم القانون المشار إليه أعلاه و الذي يتحدث في فصله الأول على أن الجمعية هي اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح بينهم و هذا غير حاصل مما يجعل الاشكال القانوني مطروح بحدة .
وخلاصة القول إن هذا المجال مهم جدا في تطوير المجتمع والرفع من قيمه الأخلاقية وتنظيم علاقاته الاجتماعية وتقديم الخدمات الجليلة للوطن ولن يتم ذلك إلا في إطار تكوين مستمر خلال سنتين أو ثلاث متوالية -و ليس دورة أو دورتين في السنة فيصبح المرء خبيرا أو متخصصا- و بربطه بموروثنا الثقافي والديني وتغليب المصلحة العامة حيث أن المكوِّن أو المدرب بما أنه يركز على الجوانب الذاتية للمتلقي -فسواء أراد أم كره -فهو مصلح اجتماعي وإلا فطغيان الجشع يجعل الجانب التجاري هو الهدف الأساسي مما يخرج هذه البهرجة كلها من مضمونها ويفرغها من محتواها إذا كان لها محتوى
hassane
رأي
رأي يحترم٬ ويستحق القراءة