بدر الشافي
إن الخطاب العمومي الموجه اليوم للمجتمع المدني عبر مختلف الوسائط التي تتملكها مكوناته وفئاته ، يهدف إلى إذعان المجتمع المدني للقيام بأدوار جديدة ضمن مجال عمومي لازال لم تكتمل فيه دبلجة مسلسل الديمقراطية بالمغرب . فما هي نوع العلاقة التي يريد أن يربطها الخطاب العمومي اليوم بالمجتمع المدني ؟
فالعلاقة بين الخطاب العمومي والمجتمع المدني اليوم ، لا يمكن فهمها إلا في إطار جدلية السلطة والحرية ، وفي العلاقة الطردية بين المجتمع المدني والديمقراطية ، فكلما ازدادت الديمقراطية ، عرف المجتمع المدني تقدما و فاعلية وكلما انحسرت ، عرف المجتمع المدني تراجعا وعدم الفعالية .
فواقع الحال يثبت هذه العلاقة التناسبية في ظل غياب الديمقراطية على مستوى كافة البنيات الاجتماعية ، الأمر الذي لا يمكن معه تصور وجود مجتمع مدني يؤثر في صناعة السياسات العمومية في ظل تحكم البنى الفوقية على جميع المواقع الإستراتيجيات ، بالإضافة إلى الفقر والهشاشة التي تنخر كافة البنى التحتية . وبالتالي لا يمكن للديمقراطية أن تزدهر إلا في ظل نظام اقتصادي متوازن يراعي كافة المصالح الاجتماعية .
فتحايل الخطاب العمومي اليوم على المجتمع المدني لا يمكن أن ينتج إلا فاعلا مدنيا بنفس الذهنية (التحايل) ، ومما لا شك فيه أن الممارسة العملية أبانت على أن المجتمع المدني أصبح غطاء لبلوغ المصالح الخاصة ، فتم ضرب أهم الخصائص الجوهرية التي ينبني عليها ( التطوع ، الاستقلالية ، عدم السعي وراء الربح ، تحقيق المصلحة العامة ، الوساطة ، التنظيم ...) .
وبالتالي فهذا الكيان الاجتماعي الذي يأتي بين البنى التحتية والبنى الفوقية صار وسيلة لكلا الطرفين في تحقيق الوظيفة الكامنة ( الهدف الخفي) ، منه وغير المعلنة ، أما الوظائف الظاهرة أو المعلنة (الأهداف الظاهرة) تبقى وهم ، وحبر على ورق ، ومنديل لتلميع المشهد السياسي الوطني أمام الرأي العام المحلي والدولي .
هكذا فالخطاب العمومي اليوم يروج لفلسفة جديدة بهدف جعل المجتمع المدني أداة لتمرير السياسات العمومية ، أمام تحميله مسؤولية ، الإعداد و التنفيذ ثم المراقبة والتتبع للسياسات شكليا ، لكن عمليا تبقى شعرات وهمية معلقة ، لتزيين المشهد السياسي بالمغرب . فكيف يمكن أن ننتج فاعلا مدنيا تنمويا متعاونا مكملا شريكا في ظل نوع العلاقة ، التي يريد أن يربطها الخطاب العمومي بالمجتمع المدني ، خاصة في ظل مجموعة من المتغيرات البنيوية والوظيفية التي يعيشها المجتمع المدني المغربي ، بالإضافة إلى مجموعة من المتغيرات ذات الطابع الاقتصادي .
بناءا على ما تقدم فإن الخطاب العمومي المغربي ، لا يصب إلا في الإبقاء على المجتمع المدني في سياج علاقة تواصلية عمودية ذات طابع شخصاني (علاقة الشيخ بالمريد ) . حيث يسعى إلى احتواء هذا الأخير وتوجيهه بشكل يجعله قناة لتنفيذ أجندات سياسية محددة تحت غطاء إشراك المجتمع المدني في بلورة السياسات العمومية ، فمن هذا المنظور بتنا نسمع عن تشريك الفاعل المدني ، والذي هو في الغالب يظل يقبع في "غيابة الجب " . ولا يسمح له بالنظر للضوء ، إلا من فوق .