محمود حداد
ذبلت الأجساد، وجفَّت الأكباد..قرقرت البطون، وظمئت الأجواف.. أطفال يصرخون، وشيوخ يئنون.. مرضى يتوجَّعون، ورجال حائرون.. إنه مشهد من مشاهد الحصار، وأثر من آثاره.
ونحن نشاهد اليوم فصلاً من فصول مآسينا في البلاد العربية الاسلامية من خراب , وترحيل , وتقتيل الى محاصرة المسلمين بين دولتين اسلاميتين , حصا ر السوريين على الحدود الجزائرية المغربية ، فنرجع بالذاكرة إلى الوراء، ونقطع حجب الزمان، لنقترب من صفحة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تنسى، لنسلي بذلك مصابَنا، ولنصحِّح في الحياة مسيرنا
. إنها.... قصة المقاطعة الباغية، والحصار الظالم الذي تعرض له خير البشر - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام -رضي الله عنهم- في شعب أبي طالب
. اجتمع رؤساؤهم في خيف بني كنانة، (ويسمى اليوم بالمعابدة)، اجتمعوا على مقاطعة بني هاشم وبني المطلب اقتصاديًا واجتماعيًا، وكتبوا في ذلك كتابًا: (ألا يزوجوا إليهم، ولا يتزوجوا منهم، ولا يبيعوهم شيئًا، ولا يبتاعوا منهم شيئًا، ولا يكلموهم، ولا يجالسوهم) حتى يسلّموا إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وعُلقت هذه الصحيفة الظالمة في جوف الكعبة تأكيدًا على التزام ما فيها.
وكان الذي كتب هذه الصحيفة منصور بن عكرمة العبدري، فدعا عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فشلت أصابعه.
سارع المشركون في تطبيق هذا الحصار عمليًا، فلم يتركوا طعامًا يدخل مكة، ولا بيعًا إلا بادروا فاشتروه بأضعاف ثمنه حتى لا يشتريه بنو هاشم ولا يبيعونهم شيئًا مما عندهم أبدًا.
وهكذا قلَّ الطعامُ، ونقص الزادُ، وجهد المسلمون وأقاربهم وحلفاؤهم من هذا الحصار، والتضييق الاقتصادي.
ها هو ذا التاريخ يعيد نفسه، وها هي ذي السنن الكونية تتكرر، وها هي ذي سياسة تجويع الشعوب وتجفيف البطون يشاهدها العالم رأي العين، في عصر المباهاة بالديمقراطية، والمفاخرة بالقيم الإنسانية, وكثرة المنظمات والهيئات التي تعنى بحقوق الانسان .
لقد صورت عدسات الإعلام مقدار المعاناة، والشظف المعيشي هناك، حيث الصحراء وظلماتها , والهوام والعقارب والافاعي وسمومها ، وعز الطعام، وقل الماء النقي، وحرم المرضى من الدواء.
41 سوريا اغلبهم اطفال ونساء يعيشون هذه المعاناة في هذا الموضع لازيد من شهر ، بُحَّت أصواتُهم وتعالت صيحاتُهم، وتتابعت استغاثاتُهم بدول الإسلام، وحكام العرب ، لإنقاذهم من هذه الكارثة والموت الذي ينتظرهم.
إنها والله حالة تدمي القلب، وتفت الفؤاد فتَّاً، على هذا المصير المأسوي الذي يلاقيه اخوان لنا في الانسانية والدين والعروبة
لقد كشف لنا هذا الحصار الآثم زيفَ الشعارات البراقة، وكشف لنا هذا الحصار أيضا: ضعف لُحمة الأخوة الإسلامية،والانسانية وبرودة النخوة العربية، فإذا لم تتحرك فينا النصرة الإسلامية، فأين الشهامة العربية؟!
وإذا ماتت منا هذه النخوة، فأين الضمير الإنساني عن نجدة هؤلاء، الذين يلاقون شبح الموت البطيء؟!
نعم.. لقد قعدت دول المسلمين عن اغاثة إخوانهم المحاصرين هناك بسبب اتفاقيات ، ومعاهدات , وحسابات سياسوية ضيقة ،
ومما يزيد المأساة ايلاما , والجرح عمقا تلك المفاهيم المنكوسة، والأقلام الموبوءة التي تدعو الى عدم التضامن مع هذه القضية بدعوى وجود حالات انسانية , ومطالب اجتماعية داخلية اولى بالتضامن والتفاعل معها عن التضامن مع غرباء , والحقيقة ان مثل هؤلاء لا يستحقون الرد ولا الانتباه الى شرودهم , وضعف تقديرهم وتفريقهم بين الوضعيات , وترتيب الاولويات , ومثل هؤلاء لا يحضرني الا قوله تعالى لوصف حالهم حين لا يفعلون الخير ولا يتركون من يبادر الى فعله , قال تعالى
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}
عبد المجيد جباري
ليعلم فقط أهلنا في شمال أفريقبا أن كثيرا من التقنيات الزراعية وأنواع من المغروسات الفلاحية جاءتنا من بلاد الشام أهمها الرمان السفري، الشاميون لا يستحقون هذا الذي يصير معهم