جنازة مهيبة في وداع الشرطي ضحية رصــاصة طائشة ببني ملال

نبيلة منيب في تصريح ناري..الحكومة مصرة على إصدار قرارات اننتحارية دمرت القدرة الشرائية للمغاربة

"دونور"...انطلاق تكسية الواجهة الخارجية وبطء في أشغال مرافق أخرى

الملك محمد السادس يتفاعل مع هتافات المواطنين لحظة وصوله الدار البيضاء

استنفار أمني بمحيط القصر الملكي بالبيضاء تحسبا لزيارة مرتقبة للملك محمد السادس

قافلة توعوية بشفشاون حول مرض السيلياك الخطير وآثاره على صحة المرضى

أكادير: مدينة تحتضر

أكادير: مدينة تحتضر

محمد ابراهيم الزموري

 

هناك بعيدا حيث يرقد جثمان والدي، في موطني و بلدي، توجد مدن خائبة و أخرى مهمشة، و بالمقابل هناك مدن تشهد تطور و تمدد و نمو و حركة، و الفرق بينهم هو تخطيط و إدارة و تنفيذ، أو إقصاء و تهميش.

 

و أكادير هي نموذج لتلك المدن الخائبة، مدينة ضيعت موعدها مع التنمية، و استحالت لعدة سنوات عجاف إلى صنم بليد من الأحجار و الزوايا و الحفر، و كأن مدينة الانبعاث تنتظر عنقاء جديدة حتى تنبعث من رماد الأيام المكلومة. مدينة أصابها الجمود و دوار البحر و الغثيان، حتى " أكادير أوفلا" جبلها الحارس، سأم من روث الجمال و الزوار و قناني الجعة التي تأثث سفوحه، مدينة أصابها حصار التنمية فاكتفت بسوقها و ساحتها التي تتحول في فصل الصيف إلى مربد للسيارات، و كورنيش ممد ينافس فيه البائعين و المؤجرين مع الراجلين و الزوار في مشهد غير حضاري تتدافع فيه الأكتاف و الأرداف و الوجوه مع الأصوات و الحناجر.

 

هذه المدينة التي ولدنا فيها لا تزال شاهدة على طفولتنا و مراهقتنا و شبابنا، لا تزال شوارعها و دروبها موشومة بأعمالنا الصبيانية و مؤامراتنا ضد الأحياء المجاورة، و حروبنا الصريحة و الباردة، لا تزال تلك الجدران و الأعمدة الكهربائية تحمل بصماتنا و بصمات أبائنا و أجدادنا، فالذاكرة لا تتعثر إلا بأماكن أحببناها بكل ما أوتينا بصدق، فيفضحنا الحنين رغما عنا، و الحنين هو وسيلتنا الوحيدة حين تبتلع الخيبة حناجرنا.

 

خيبة مدينة أكادير هو ما وصلت إليه من إقصاء و تهميش، من غياب إرادة حقيقية للمجلس البلدي في تنمية المدينة وفق إطاره القانوني و التنظيمي و الهدف الأساسي من إنشاءه، من غياب دور الإدارات و الوزارات المعنية في جلب الاستثمار و تجهيز البنيات التحتية و إقامة

 

الأوراش التنموية الكبرى، خصوصا و أن مدينة أكادير تتوفر على كافة المقومات الأساسية لتكون رائدة لجميع مدن المملكة، و هو ما يؤلمنا و يعمق جراح غيرتنا، فالذي يتألم و لا يتكلم، لا يعني أنه بليد أو قطعة من جليد، بل يعني أن ثمة ألما داخليا لا تعادله مرارة.

 

فتجميد مدينة أكادير هو احتقار معلن لأهلها و ساكنيها و روادها و تاريخها، و المهزلة الأخيرة التي كانوا أبطالها مسيرو المدينة، عندما علموا بزيارة مرتقبة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده، من أجل تفقد أحوال المواطنين و نتيجة مخافتهم من المحاسبة عن تقصيرهم، واستغلال مناصبهم لخدمة مصالحهم و إهمالهم لتنمية المدينة و لشكاوى المواطنين، فقد كان الخبر كافيا أن يجلي غشاوة النوم من أعينهم و يرعد فرائسهم و يحرك العجينة في أمعائهم، فلجئوا إلى سياسة الترقيع و تزيين المدينة بالأشجار و الأعلام و اللافتات و صباغة الواجهات و ممرات الراجلين بمكياج رخيص و بتعبئة بشعة للعمال المياومين و الأطفال ضدا في مقتضيات قانون الشغل و اتفاقيات منظمة العمل الدولية التي صادق المغرب عليها، بينما المدينة تحتاج إلى عملية إحياء و إنعاش بعدما سرقت منها التنمية و ضاعت معها وصفات إحيائها ما بين الطب الشعبي و تعاويذ العرافات.

 

و حتى المبادرة التي ولدت لإنقاذها ظلت حبيسة وقفة يتيمة و مبادرات خجولة، قد تلفت النظر لكنها لن توقف مسلسل الجمود و الإقصاء و التهميش.

 

و الغريب أن ذلك التصنيف الاستعماري الذي درسناه في كتب التاريخ– المغرب النافع و المغرب غير النافع – قد أيقضه كسل و إهمال مسيرو المدن، فهناك مناطق تستفيد من الدعم السخي و أخرى مهمشة ، هناك مصانع و معامل و أوراش كبرى تستفيد منه جهات معينة فقط، و أخرى يعاني شبابها العطالة و الفقر و التهميش، و بالمقابل فقد صاغ الدستور الجديد ميلاد النظام الجهوي كأسلوب جديد في الإدارة قصد تسريع عملية التنمية، و الحرص على استفادة سكان الجهات من خيرات و مشاريع مناطقهم، لكن و لأن هناك مسافة فاصلة ما بين التنظير و التطبيق، فلا تزال مضامين التنمية و الحكامة الجيدة و الرشيدة رهينة بتوفر الرقابة و الجدية من الإدارات و المجالس المنتخبة.

 

لتظل أكادير تناجي خيباتها في حوار جهوري ما بين الموج والشط، و تبصق حسرتها على عناد واقع يرفض الارتقاء، لكنها تظل مهما حاولوا تهميشها، نجمة عالمة تضيء أرواحنا فيها.


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات