عبد الفتاح عالمي
لقد صار من اللازم أن نتجاوز مصطلح "العزوف" عن القراءة بالحديث عن عدم جدوى ما نقرأه، وإنه من المؤسف أن كل الجهود التي بذلت في السنوات الأخيرة لتحبيب القراءة جعلت من الأدب كيروسينها الخالص ..وإن كان لا يمكن الإنكار بأن تحبيب المطالعة وإذابة هجرنا للكتب ببعض الأعمال الأدبية الممتعة في مرحلة أولى كان ضروريا، إلا أن هذه الأعمال وحدها مهما تنوّعت و تسامت لن توصلنا أبدا للهدف المبتغى من القراءة لأنها لن تصنع لنا بالنهاية سوى إنسان حالم وشاعري ومسالم بأفضل الأحوال، وإن كان الأدب كمدينة تجذبنا بأضواء النيون فإنها لن تكون أكثر من مدينة ملاه ضخمة، نخرج منها مستمتعين مترنّحين.. فنحن بطبيعتنا نبحث عن كتب تمتعنا لأن فعل القراءة في اعتبارنا مرتبط بعنصر الاستمتاع وننسى أنه يجب أن يكون أولا فعل بناء .. وإنه من المخزي أن تظل الكتب التي تتناول الميادين التي أسست لمعظم العلوم الحديثة شبه مغيبة من مجموع قراءاتنا، ولقد حان الأوان لنعيد النظر في أولوياتنا لدى اختيار الكتب فالمتعة ليست دوما مشترطة، فهناك دراسات وكتب يحتاج المرء أن يقرأها ليستوي نضجه العقلي، وهي قد لا تكون ممتعة لكنها مفيدة بأية حال ..وكما نأكل الكرنب والفجل لفوائدهما الغذائية يجب أن نقرأ بعض الكتب لقيمتها المعرفية ..ولهذا فالقراءة ليست هواية لأن كل هواياتنا ترتكز أساسا على عنصر المتعة..إنها صدقة من نوع خاص تمارسه في حق نفسك! وأسوء ما قد يصادفه قراء هذا الزمن هو هذه العناوين التي غدا يتداولها الآلاف بالعالم، صارت من الشهرة بحيث صار عدم اطلاعك عليها لا عذر شرعي له، وإني أذكر كيف أكد أحد الأدباء بقطعية في أحد المجامع الفكرية أن سرّ عظمة بعض الروايات أنه لا يمكن أن لا يكون الإنسان قد قرأها وذكر إحداها على سبيل المثال وتحدى أن يكون بالقاعة من لم يقرأها فوافقه الجميع حتى من بدت أنوفهم أطول من المعتاد، وقد حصل أني فعلا لم أقرأها فأطعت عفاريتي وقمت وأخبرته بأدب أني لم أفعل وذلك لأنها ليست سيئة بل لأنها لم ترقني وحسب، وكان أن استنكر الكل أن يجالسهم من جنا على نفسه هذه الكبيرة ..لقد كان عدم قراءة كتاب مشهور في نظرهم خروجا عن القبيلة يستتبع الإقصاء والإلغاء! وفي الختم..، يجب أن نبدأ في التفكير جدّيا في تنويع قراءاتنا.. فإن ظل السياسي يقرأ لابن سينا ومكيافيلي وظلّ العاشق حليف درويش وقباني وظلّ المعتكف وفيّا لابن كثير والبخاري وظلّ التلميذ يساير كتب المناهج والتافه يلاحق أخبار الحوادث، فإنه لا يبدو أن العالم سيكون على موعد قريب لتحقيق السلام .. إننا نحتاج أن نقرأ لنشرق و نتفتّح، نحتاج أن نقرأ كلّ شيء لنتخلّص من أعراض الحساسية ولنؤمّن مناعة تحمينا من العدوى، نحتاج أن نقرأ لننتقل من مخلوقات متوحشة لمخلوقات أليفة متحضّرة