أزمة عمال ليديك سابقا: سنستمر في الاحتجاجات إلى حين محاسبة المتورطين في إفلاس التعاضدية

مستجدات الأشغال بمركب محمد الخامس.. انطلاق أشغال الواجهة الخارجية وبطء في باقي المرافق

حواجز إسمنتية تشعل غضب ساكنة السانية بطنجة

طنجة تحتضن بطولة منصة الأبطال في نسختها 11 لكأس أوياما

أخنوش: تمكن الاقتصاد الوطني من خلق 338.000 منصب شغل خلال الفصل الثالث من سنة 2024

أخنوش يعدد نجاحات عدة قطاعات صناعية ويؤكد أن 2023 كانت سنة استثنائية لصناعة السيارات

تأثير الإعلام وعلاقته بتحوير منظومة القيم المجتمعية "القناة الثانية 2m نموذجا"

تأثير الإعلام وعلاقته بتحوير منظومة القيم المجتمعية "القناة الثانية 2m نموذجا"

محمد كمال بلحاج

 

من الأساليب الحديثة المستخدمة التي اهتدى إليها المتآمرون في الداخل والخارج لتسهيل التحكم في الشعوب والمجتمعات الإسلامية منها على وجه الخصوص وجعلها مجرد شعوبا مستهلكة وغير منتجة، هي اختراقها أخلاقيا وثقافيا..وحتى يتم اختراقها أخلاقيا وثقافيا يجب العمل على تدمير منظومة القيم والأعراف الإنسانية التي تنتظم وترتكز عليها هذه الشعوب والمجتمعات من قبيل (الحياء، التسامح، احترام وتقدير الآخر، النزوح إلى التدين..)، ولكي يتحقق تخريب منظومة القيم لديها، فالمسألة بكل بساطة ممكنة تتم عبر تسخير وسائل الإعلام المرئية منها في المقام الأول لإحراز ذلك، فقد تبدو فكرة أن الإعلام قد يلعب دورا في تخريب منظومة القيم المجتمعية فكرة صادمة، ولكن بما أن هناك جهازا صغيرا اسمه التلفاز لا يخلو منه أي بيت ولا تستغني عنه أية أسرة، فمن خلاله يمكن صنع العجائب، وذلك بتكلفة أقل بكثير مما يتطلبه الاختراق والاحتلال العسكري والاقتصادي للأمم.

 

إن حالات التحرش الجنسي والاغتصاب المتكررة المعلنة منها وغير المعلنة التي تنخر المجتمع المغربي نتيجة تراجع وانهيار منظومة الأخلاق والقيم بداخله، لا يمكن استثناء مجال الإعلام من تحمل مسؤوليتها، فإلى جانب مسؤولية الدولة والأسرة والمدرسة هناك مسؤولية الإعلام، فمن جملة الوظائف الرئيسية التي يلعبها الإعلام داخل المجتمع هناك تنوير الرأي العام، حيث من واجب وسائل الإعلام العمومية منها والخاصة أن تمارس وظيفتها بتوافق تام مع احترام خصوصيات المجتمع والحفاظ على مكتسباته الدينية والإنسانية والأخلاقية، إلا أنه قد يقوم بأدوار معاكسة ومخالفة لأدواره الأساسية لغرض تحصيل أهداف ومآرب أخرى محددة.

 

لعل أبلغ دليل يمكن أن نستشهد به على مسؤولية وسائل الإعلام التي تحيط بنا في كل وقت ومكان وتجعل بعضها موضع إدانة مباشرة، نضع أمامنا المسلسلات المدبلجة الرديئة التي تظل تبثها القناة الثانية "دوزيم" ليل نهار، والتي تدل على إفلاس هذه القناة العمومية منذ مدة طويلة، هذه المسلسلات التي تحتوي على مضامين وحوارات منحلة وساقطة وغير أخلاقية، تكفي بمفردها في تسميم أفكار وعقول جيل بأكمله، وتخريب منظومة القيم والمبادئ التي أضحت مفتقدة بفعل ما تقدمه هذه القناة التي تنتمي إلى القطب العمومي وتمول من أموال دافعي الضرائب.

 

لكي نضرب مثالا حيا على ضحالة مسلسلات القناة الثانية المدبلجة والتي لا تمت للفن

 

بصلة، يرى المرء منا يوميا مشاهد متواترة من هذه المسلسلات المدبلجة التي تعكس واقعا لمجتمع غير شبيه لنا، ومن عينة هذه المشاهد أن تسأل أما ابنتها الغير متزوجة " هل أنت حامل من فلان أم فلان " وتجيبها الفتاة ببساطة دون أدنى غضب أو انفعال من قبل الأم وكأن إقامة علاقات غير شرعية أمرعادي جدا، لتدور أحداث المسلسل ذو مئات الحلقات حول من هو أب الطفل المجهول، في حين أن المعضلة الكبرى هي أن ملايين الأسر المغربية بكافة أفرادها ( الأب والأم والأبناء الراشدين واليافعين والقاصرين والأطفال..) تجدها تتابع هذه المسلسلات بكل تفاعل واهتمام وشغف يومي، وكأن أحدهم يقوم بحقن المشاهدين كبارا وصغارا بمخدر يفقدهم الوعي مع بداية كل حلقة، هنا بالتالي يتجلى مكمن الخطورة، وتصبح حالات الاغتصاب وظاهرة الأمهات العازبات في مجتمعنا أمر غير مستغرب، لأن تلك القصص والروايات السخيفة والركيكة التي تنقلها هذه المسلسلات للمتتبعين تؤثر بشكل تلقائي وبدون أدنى ريب في الانشغال اليومي للناس وفي سلوكيات فئة المراهقين منهم.

 

تبدو بالتالي العلاقة في مجتمعنا المغربي بين ما يقدمه الإعلام المحلي على مستوى عام، وما تبثه القناة الثانية المفلسة على مستوى خاص والتي تريد من خلال ما تبثه من مسلسلات وبرامج أن تعيد إنتاج قيم جديدة داخل المجتمع المغربي، -والتي كان قد وصفها الراحل المهدي المنجرة في إحدى حواراته "بالقناة الصهيونية"- وبين تدني مستوى الذوق والآداب العامة علاقة وطيدة ومترابطة، حيث يبقى دور الإعلام سيف ذو حدين، فإما أن يساهم بمعية المؤسسات التربوية والاجتماعية في تكوين الأجيال والرقي بمستوى الذوق العام، وإما أن يجر المجتمع والأجيال الناشئة إلى الانحطاط الفكري والانحلال الأخلاقي.

 

على هذا الأساس، يفترض من جهة أن يتوخى الآباء الحذر التام في ما يتلقنه أولادهم ويتلقفونه من لدن بعض المنابر الإعلامية التي تنعكس لا محالة على سلوكياتهم وتصرافاتهم وقناعاتهم، كما يجب من جهة أخرى أن يتم تشديد الرقابة من طرف الدولة من خلال هيئتها المختصة "الهاكا" على ما تقدمه وتبثه مختلف وسائل الإعلام المرئية منها والمسموعة، بحيث لا يفترض أن تقتصر رقابة الهاكا على الجوانب التقنية والفنية والتحريرية فقط، بقدر ما ينبغي أن تشمل الجوانب التربوية والأخلاقية كذلك، دون المساس طبعا بالضوابط المهنية للعمل الإعلامي، لأننا عندما ننتج أجيالا فاسدة ومنحلة نكون جميعنا خاسرين، الدولة بمؤسساتها وأجهزتها الرسمية، والمجتمع بكافة مكوناته.."فلنتوخى الحذر".


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات