عادل الحسني
أمر العاهل السعودي النائب العام أن يعلن لعموم مواطنيه عن قرار سياسي كبير وهو: مراجعة الأحاديث النبوية، القرار يقتضي إنشاء مؤسسة بحثية خاصة بهذا الأمر ، وعين لهذه الغاية شيوخ اللجنة الدائمة للإفتاء.
ذكر القرار بالحرف أن مراجعة الأحاديث ستشمل : " القضاء على النصوص الكاذبة والمتطرفة وأي نصوص تتعارض مع تعاليم الإسلام وتبرر ارتكاب الجرائم والقتل وأعمال الإرهاب".
من كان يتخيل يوما أن السلطة السياسية في السعودية ستكون شجاعة بهذا القدر أمام الألوف المؤلفة من الشيوخ والدعاة، والأمر بحذف " أي نص يبرر ارتكاب الجرائم وأعمال الإرهاب" ؟ مهما عارضنا النظام السعودي ، فقرار بهذا القدر لهو بحق جرأة تستهدف بنية أساسية في النظام السعودي (طبقة الفقهاء المسيطرة على مؤسسات ووزارات في الدولة)
لكن ما أن انتقلت الإرادة السياسية إلى المسؤولين التنفيذيين؛ حتى تحولت مؤسسة مراجعة الحديث المنتظرة إلى مجرد مؤسسة لنشر وحفظ الحديث على لسان النائب العام، وسينزع القرار من مضمونه بمجرد استلام شيخ من هيئة الافتاء رئاسة المؤسسة، وستزول جميع ملامح القرار بعد أن يعين الملك أعضاء المؤسسة اللذين تخرج اغلبهم من مدرسة الجامي وقبله ابن باز وقبلهما بن براهيم آل الشيخ ..هؤلاء الشيوخ ترأسوا على التوالي هيئة الإفتاء، وعبرها المؤسسة التعليمية والقضائية وغيرها ..ولازال امثالهم كذلك اليوم.
لكن هناك نقاط أمل قد تجعل للقرار جدوى على المدى المتوسط:
- هذه الخطوة تعزز الأمل في إمكانية إصلاح الدين في جوهره المشوه الحالي، لنتذكر كيف أصبح مشروع الألباني في مراجعة الأحاديث مرجعا للمسلمين؛ فرغم الكفاءة العلمية الأدق لمشروع أحمد شاكر المشابه ؛ فالدعم السعودي السخي جدا لسمعة مشروع الألباني جعل من تصحيحه للأحديث مرجعا معاصرا للمسلمين في كل العالم .
- أن السعودية التي سخرت مصروفاتها الدينية والدعوية فيما سبق للتيار السلفي، وشيدت خلال ثلاثين عاما صرحا هائلا من شاريين ضخ الأفكار المتشددة؛ يمكن بقرارات سياسية شجاعة متوالية أن تتحول إلى محركات إنتاج التنوير إذا تحول القرار السياسي من مجرد إجراء باعث على الأمل إلى استراتيجية جدية للثلاثين عاما القادمة.
- أن التنوير في السعودية أصبحت له قاعدة شعبية ضاقت بخطاب ومضمون التشدد، كثير من المعطيات تدل على ذلك، منها التعاطي الإيجابي الكثيف مع الأعمال الفنية التي تنتقد نمط التدين السلفي الرسمي في البلد، وظهور المئات من الكتاب المبدعين في مجالات مختلفة ينادون بأن : تعبنا من دين محمد بن عبد الوهاب وخَلفه، إضافة إلى آلاف العقول السعودية المتنورة التي تعبر بجرأة غير مسبوقة على مواقع التواصل الاجتماعي .
لكن في المقابل، وكما هو الشأن في باقي البلدان التي تعاني التطرف الديني؛ لايوجد مشروع واضح لإصلاح الدين؛ يُنظر إليه بعين الجدية لتتبناه سلطة بلد ما وتحافظ على توازن علاقتها مع المجتمع.
لا أعلم لحد الآن عن وجود فريق بحث جدي ، يؤمن بالدولة الحديثة والقيم الكونية؛ قرر تنفيذ مشروع رصين لإصلاح الدين على مستوى تنزيه التأويل القرآني عن مخالفة للقيم الكونية ومراجعة الحديث النبوي و خلق انتقالة متينة من لحظة توقف وانتكاس العقل المسلم في التراث الفقهي المتشدد، وتأهيل هذا العقل لفهم وتقبل العقل الكوني في التشريع والعلوم الإنسانية والفلسفة..
إنه المشروع النظري المفقود الذي يمكن أن يجعل صانع القرار السياسي منجذبا إليه، لأنه سيحافظ على النزعة الدينية العامة وسيؤهلها لتبني قيم الحداثة في نفس الآن.