يحيى طربي
كان المفتشون، خلال الربع الأخير من القرن الماضي و العشرية الأولى من القرن الحالي، يُوَظَّفون، في مختلف الأسلاك التعليمة، من أجل المراقبة و التأطير التربويين، لكن سرعان ما كان البعض منهم و ما يزالون يتحولون إلى "وسطاء"، لخدمة "أجندات" جهات معينة، بمعية بعض "العملاء" من مديري المؤسسات التعليميه. حيث كانوا يقومون إما بالتجسس على الأساتذة الشرفاء، " القاصحة رؤوسهم "، لابتزازهم و ترهيبهم و تركيعهم أو الإنتقام منهم، أو يتحولون إلى انتهازيين، مكيافيليي السياسة التعليمية الفاشلة، يضعون مصالحهم الشخصية فوق مصلحة التلميذ و المنظومة التربوية؛ لا يفكرون إلا في الركض وراء التعويضات المادية عن مهام هي ضمنيا من مهام أطر المراقبة التربوية، إلا أنهم لا يقومون بها إلا إذا تلقوا عنها تعويضات مادية إضافية: يتحدثون لنا، دون حياء، عن مصلحة التلميذ و المدرسة العمومية.
كما أن البعض منهم، خاصة أولائك الذين يفكرون بعضو آخر غير عقلهم، و الذين لا يتقنون سوى التحرش و الابتزاز الجنسيين، يقومون بزيارات متكررة للأستاذات اللواتي يفكرن, هن كذلك، بعضو آخر غير عقلهن، من أجل قضاء ليلة حمراء بإحدى المدن الشاطئية أو أحد الفنادق الفخمة، مقابل 18 أو 20/20. و إذا كان بعض المخرجين و المنتجين السنيمائيين عندنا يتعاملون مع الممثلات الشابات، المبتدئات، الحسنوات بمنطق السرير مقابل الشهرة والنجومية، فبعض مفتشي التعليم يتعاملون مع بعض الأستاذات بمنطق الجنس مقابل النقطة.
إلا أن التصرف المقزز و الذي يثير الإشمئزاز هو قيام " المقصدرة وجوههم " من هؤلاء المفتشين بزيارة " المعلمين "، الذين كُتِبَ عليهم العمل و العيش في الفيافي و القفار، مع الخنازير البرية، كي يطلبوا منهم رشوة بقيمة 300 درهم لكل واحد مقابل منحه نقطة الامتياز، التي تسمح له بالترقية في الرتبة أو المشاركة في الحركة الإنتقالية أو في مباراة ما، غير أن " المانضا ديال المعلم " لم تكن تتعدى آنذاك 1600 درهم و بالتالي لم تكن تسمح بدفع ذلك المبلغ المخزي، الشئ الذي كان يحرم المعلم من " صكوك الغفران " هذا، الذي كان يمنحه المفتش و الذي يخول "للمعلم " الإستفاذة من تلك الامتيازات. أما في المدن، فكانت قيمة تلك " التدويرة " محددة في 100 درهم فقط.
من صفاتهم الغرور و العجرفة و عقدة العظمة، بل منهم من ينهج أسلوبا بوليسيا في تعامله مع الأساتذة، كذاك المفتش الذي منح أحد أساتذة الرياضيات نقطة 20/00، بإحدى الثانويات بمدينة تطوان، و كأنه زار شبحا، يدرس أشباحا. هذا مع العلم أن هناك من حصل على وظيفة مفتش - التي لم تفذ التعليم في شيء - إما عن طريق الإنتماء للأحزاب الحاكمة و إما عن طريق النقل و الغش في الامتحان.
أما بعض مفتشي المصالح المادية و المالية فقد كانوا من بين الأسباب التي أدت إلى إفلاس الداخليات و دور الطالبة و بالتالي إغلاقها نهائيا، بعد أن نهبوا الميزانيات المخصصة لإيواء و إطعام تلاميذ و تلميذات الأسر الفقيرة و المناطق النائية؛ ما أدى إلى ارتفاع نسبة الهدر المدرسي و الإنقطاع البكر عن الدراسة، خاصة في العالم القروي.
و الخطير في الأمر أن هذه الممارسات و التصرفات للمفتشين كانت تمارس تحت إشراف بعض المسؤولين على قطاع التربية و التعليم من نواب و رؤساء مصالح و بأمر منهم.
ليس المفتش " اللاتربوي " مجرد " بوعو " لتخويف و ترهيب الأساتذة المغضوب عليهم، الذين يُنظَرُ إليهم ككائنات متمردة، ساخطة على الأوضاع؛ تشكل خطرا على الدولة و النظام، لذا لم يرخص لهم بمتابعة دراستهم الجامعية، في عهد إدريس البصري، الشيء الذي أدى إلى تدهور مستواهم التعليمي، و عدم قدرتهم على مواكبة التطور الفكري و الثقافي و العلمي و التكنولوجي الذي يعرفه المغرب و العالم فحسب؛ بل كثيرا ما يستدعي المفتش الأساتذة لاجتماعات و لقاءات، "يُمطرِق" خلالها رؤوس الأساتذة بنظريات علماء التربية و علم النفس الغربيين، الذين ترعرعوا في أحضان بيداغوجيا علمية تجريبة و التي انجبت شعوبا و مجتمعات متحضرة و متقدمة على جميع المساويات، بينما يبدأ الأطفال، عندنا، تعليمهم في الكتاتيب القرآنية، و في أحضان التربية الدينية؛ في غياب تام للتربية الجنسية و التربية على حقوق الإنسان.
تعليم فاشل تحتل به بلادنا المراتب الأخيرة عالميا، و تربية ناقصة، محافظة و بيداغوجيا عقيمة؛ أنجبت لنا جيلين من المرضى الإجتماعيين، جيل لا يتقن إلا التشرميل والسرقة والاغتصاب و التعاطي للمخذرات و استعمال السلاح الأبيض و يحلم بالدخول إلى السجن كي يستوفي شروط الفتوة و يصبح بذلك فتوة الدرب و الحومة قبل أن يُقتل شر قتلة أو يقضي بقية حياته وراء القضبان، و جيل لا يحلم إلا ب "الحريك"، لذا يرابط شهورا و أعواما بميناء طنجة أو الناظور أو الدار البيضاء حتى يتمكن من التسلل إلى إحدى البواخر أو ركوب قوارب الموت ليعبر سرا و بطريقة غير شرعية إلى الضفة الأخرى من البحر الابيض المتوسط، و هو يفتخر بذلك.
أما الغريب في الأمر هو أن الوزارة الوصية لا تزال توظف مثل هؤلاء الأشخاص، الذين أفسدوا في قطاع التعليم أكثر ما أصلحوا، و تُصۡرِف عليهم أموالا.