بوشعيب حمراوي
لم يعد للكتب المدرسية أي دور في التحصيل الدراسي، بعد أن أصبحت الوزارة الوصية تعتمد الكم عوض الكيف في تدبير برامجها التربوية ومناهجها الدراسية وإثقال كاهل التلميذ. وبعد أن فقد المدرس والتلميذ الثقة في تلك الكتب. واقتصاره على استغلال بعض أنشطتها وتمارينها. كتب أفقدت التلاميذ شهية القراءة والحفظ والرغبة في التحصيل. وبعضها رسخ لديهم أفكار وسلوكيات غير متزنة. وخصوصا عندما بدأ التلاميذ يتشبعون بالعنف، بتلقيهم دروسا فضفاضة في المواطنة باعتماد أحداث وتجارب خيالية تتعارض مع الأخلاق والتربية وحتى دستور البلاد. لم يعد الكتاب المدرسي يشكو فقط من الهفوات والأخطاء اللغوية والمعرفية، والمضاربات، التي أرغمت الوزارة الوصية على الاستجابة للمؤلفين، وفرض التدريس بكتب مختلفة لنفس المستوى التعليمي. ولم يقتصر على معاناة المدرسين والتلاميذ وأولياء أمورهم، في البحث بداية كل موسم دراسي على تلك الكتب، التي تتغير أسماؤها من مدرسة لأخرى. تجعل من التلاميذ فئران تجارب. وترغم المدرسين على بدل جهود أكبر من أجل إصلاح مضامينها و تصحيح أخطاءها المطبعية والإملائية، ومحاولة تكييفها مع البرامج والتوجهات الدراسية المعتمدة. فقد تبين أن للكتاب المدرسي نصيبا من المسؤولية في انتشار ظاهرة عنف بعض التلاميذ ضد مدرسيهم، إلى جانب كل الأطراف المعنية بتربية الأطفال وتخليق الحياة العامة. وأن هناك نصوص وصور و رؤى وتصورات ترسخ مفاهيم العنف والتطاول على الأستاذ. وتغذي التلاميذ بأفكار ومعاني تتعارض مع الأخلاق والقوانين والأنظمة التربوية والإدارية. وكنموذج لبعض النصوص والمواضيع الغريبة والغامضة التي تتضمنها بعض الكتب المدرسية المعتمدة من طرف الوزارة الوصية، يمكن الإشارة إلى مضمون (الوثيقة واحد) بالصفحة 162 من كتاب ( في رحاب الاجتماعيات)، الخاص بمستوى السنة الأولى إعدادي. النص المفروض من الطفل استيعابه والإجابة على مجموعة من الأسئلة، واستخلاص المبادئ المرتبطة بحقوق الإنسان. يحكي بطريقة لا تمت للتربية والتعليم ولا للقوانين المنظمة للبلاد بصلة، عن حادث اعتداء تلميذ على أستاذة ضبطته في حالة غش (لم يحدد نوعيته) فطردته. ويضيف أن الضحية رفعت دعوى (لم يحددها)، وأنه تم اعتقال الطفل من طرف جهة (لم يحددها). وأن الأستاذة تنازلت عن الدعوى (؟؟) استجابة لتوسلات أسرته. شريطة اعتذار التلميذ أمام زملائه. وانتهى النص بحادث آخر أغرب. حيث أحضر الضابط المكلف بالقضية التلميذ مكبلا داخل الفصل
الدراسي ليعتذر للتلاميذ والأستاذة. وهي المبادرة التي وجدت فيها أسرة التلميذ إهانة لولدها. فقدمت شكوى ضد الضابط، انتهت بتعرضه لعقوبة تأديبية. لم يحدد النص نوعية الغش، الذي لن يكون بالضرورة في الامتحانات. ولم يعر النص اهتماما لمجلس الانضباط والإدارة المشرفة على المدرسة، الجهة الضامنة لحقوق الأستاذة. ولا لدور ولي أمر التلميذ، المفروض إحضاره قبل اتخاذ أي إجراء عقابي داخلي أو خارجي. ولم يقم النص وزنا للإهانة التي وجهها لجهاز الأمن. باعتبار فرضية أن يستجيب ضابط لشرط الأستاذة، وأن يصطحب التلميذ مكبلا إلى داخل الفصل. علما أن ما تم من اتفاق بين الأستاذة والأسرة، لا علاقة له بالإجراءات القضائية، التي تشرف عليها النيابة العامة وليس جهاز الأمن القضائي الذي مهمته التنفيذ فقط. فقد أصبحت بعض الكتب المدرسية، مستباحة التأليف من طرف من هب ودب. ومنتشرة كالفطر والأعشاب الضارة وسط الحقول التربوية. كتب تطبخ في الخفاء، لتفرض على التلاميذ والمدرسين، بأسماء مختلفة، ومضامين منسوخة بأساليب ركيكة ومعان متعارضة.. جعلت التلميذ يفقد التركيز من أجل التحصيل الدراسي، ويرغم على صب تفكيره حول الطريقة التي سينقل بها محفظته الثقيلة ما بين المنزل و المدرسة. أصبح تائها يبحث عن الطريقة التي تمكنه من الاطلاع كل ليلة على عشرات الكتب والدفاتر. وإنجاز فروضه المنزلية.