أخبارنا المغربية - و.م.ع
مع شيوع ثقافة الشراء عبر الأنترنت، بموازاة التزايد المطرد في عدد مستعملي الشبكة العنكبوتية بالمغرب، سجلت التجارة الإلكترونية نموا متزايدا خلال 2017 والسنوات الأخيرة. لكن بموازاة هذا التطور تتزايد المخاوف المتعلقة بالقوانين والضوابط المنظمة للمعاملات الإلكترونية، في وقت أضحت فيه حماية المستهلك في عصر التطور التكنولوجي ضرورة ملحة، وحتى يواكب المغرب النمو الكبير لهذه التجارة في بعض الدول العربية ودول العالم.
ويرتبط تطور التجارة الإلكترونية في المغرب بالتطور الذي شهده الاقتصاد الرقمي، وتكنولوجيا الاتصالات والمعلوميات التي تشكل اليوم رافعة للنمو الاقتصادي، وأداة ضرورية ترتبط ارتباطا وثيقا بتنافسية القطاعين العام والخاص.
والتجارة الإلكترونية، هي مفهوم جديد في عالم الاقتصاد ظهر مع انتشار الأنترنت بداية تسعينيات القرن الماضي، وترتكز على المعاملات الرقمية من بيع أو شراء أو تبادل للمنتجات والخدمات والمعلومات والتحويلات المالية، باستخدام شبكة أنترنت داخلية أو خارجية، وبالاستعانة ببطائق بنكية مغربية أو أجنبية.
بلغة الأرقام، أفاد مركز النقديات بأن المواقع الإلكترونية المسجلة به حققت 3,1 مليون عملية أداء إلكتروني بواسطة البطاقات البنكية، المغربية والأجنبية، بمبلغ إجمالي بلغ 1,3 مليار درهم خلال النصف الأول من 2017، بارتفاع بنسبة 81,7 في المائة من حيث عددها، وبـ52,3 في المائة من حيث قيمتها.
وأوضح المركز في مذكرة حول "النشاط النقدي المغربي" برسم الفصل الأول من سنة 2017، اطلعت عليها الوكالة، أن المواقع التجارية التي سجلت ارتفاعا بـ62,4 في المائة، تساهم بـ47,4 في المائة من الحجم الإجمالي، تليها مواقع "الحكومة الإلكترونية" بحصة 21 في المائة، ومواقع شركات الطيران (20,2 في المائة).
المذكرة ذاتها أشارت إلى أن نشاط البطاقات البنكية المغربية تطور بـ84,9 في المائة من حيث عدد العمليات، إذ انتقل من 1,6 مليون معاملة خلال النصف الأول من سنة 2016، إلى 3 ملايين معاملة خلال النصف الأول من 2017، وبـ54,9 في المائة من حيث المبلغ (من 793 مليون درهم إلى 1,2 مليار درهم في متم يونيو 2017)، مبرزة أن البطاقات المغربية هيمنت، بشكل قوي، على هذا النشاط بنسبة 98,2 في المائة من حيث عدد المعاملات، وبـ 92,3 في المائة من حيث المبلغ.
وتعكس هذه الأرقام تطور المعاملات الإلكترونية لدى المغاربة بشكل لافت، لاسيما في المدن الكبرى (الدار البيضاء، مراكش، الرباط، طنجة، أكادير وفاس)، التي شهدت توسع شبكة الشبابيك البنكية الأوتوماتيكية، والتي تضم 6 آلاف و923 شباك بنكي أوتوماتيكي إلى حدود يونيو 2017، بزيادة تقدر بـ1,5 في المائة، مقارنة مع متم دجنبر 2016، وهي المناطق التي توجد بها أغلب المواقع الإلكترونية التجارية الرائدة على المستوى الوطني، علاوة على فروع بعض المواقع الدولية النشيطة في المجال.
وفي هذا السياق قال الخبير الاقتصادي عمر الكتاني إن ثمة عوامل عديدة ساهمت في تطور التجارة الإلكترونية بالمغرب، في مقدمتها العامل النفسي، إذ أن المعاملات الإلكترونية تشجع على الاستهلاك بوتيرة مرتفعة.
وأوضح الكتاني في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن البنية الاقتصادية لهذه السوق تساهم في تنشيط الحركة التجارية لا سيما إذا ما تعلق الاستهلاك بمنتجات محلية، وكذا تحفيز الشباب ممن يملكون أفكارا خلاقة، ويفتقرون للموارد المالية على إحداث مقاولات والدعاية عبر الأنترنت بأقل تكلفة وبأبسط الوسائل، وبالتالي خلق أنشطة مدرة للدخل.
وأضاف أن التطور الحاصل على مستوى المعاملات الإلكترونية، سواء نشاط البطاقات البنكية أو عدد المواقع الإلكترونية أو الأداء الإلكتروني، مرده إلى سلاسة المعاملات الإفتراضية مقارنة مع المعاملات الملموسة، خاصة في ما يتعلق باطلاع المستهلك على المنتجات المعروضة واقتنائها، أو تحصيل الجهة العارضة لهذه المنتجات لمستحقاتها المالية، وما يصاحبها من تسهيلات خلال عملية التسليم وغيرها، في المستوى الأول.
لكن ورغم هذا التطور، أشار المتحدث إلى بعض التحديات التي تواجه هذه التجارة في المغرب، في مقدمتها عدم خضوع الكثير من المواقع النشيطة في المجال للرقابة الضريبية للدولة، كما لا تؤدي رسوما نظير المعاملات الإلكترونية، خاصة مع تحقيق بعض المواقع أرقام معاملات مهمة، وهو ما يضيع على خزينة الدولة مداخيل هامة للغاية، وكذا غياب ترجمة الشروط التعاقدية للبيع إلى اللغة العربية.
ومن أبرز التحديات أيضا، يضيف الكتاني، الجانب المتعلق بالأمن الإلكتروني وغياب نظم حمائية للنشاط الإلكتروني، لاسيما بالنسبة للمستهلك، موضحا أن الأمر بات يتعلق بأزمة ثقة بين المقاولات والشركات وزبنائها مع تنامي حوادث الاحتيال والتلاعب وكذا الجرائم الرقمية ذات الأبعاد الأخلاقية والاقتصادية والتجارية والمالية.
وأكد أن الدولة يمكنها أن تستثمر هذا التطور لصالح الاقتصاد المغربي، عبر الاستفادة على الخصوص من توسع قاعدة المتعاملين عبر الأنترنت لتنمية الثقافة الرقمية للمستهلك، ليس ققط في الشق المتعلق بالمعاملات الاستهلاكية، بل أيضا في ما يتعلق بالجانب العلمي والبحثي وحتى الاجتماعي، من خلال الاستثمار في العمل الاجتماعي بواسطة تعبئة الادخار الجماعي.
كما شدد على ضرورة مواكبة التطور الرقمي بترسانة قانونية تتخذ شكل مدونة رقمية تضمن حقوق المتعاملين الرقميين (المستهلكين والموردين)، وتعزيز الحملات التحسيسية من أجل استعمال أنجع للأنترنت، سواء تعلق الأمر بالتجارة الإلكترونية أو غيرها من العمليات، والاستعانة بوسائل الإعلام على سبيل المثال لتوضيح حقوق وواجبات المتعاملين عبر الأنترنت، وتوجيه المستهلكين في هذا الشأن، داعيا إلى رفع التحديات المرتبطة بالحكامة والكفاءات الرقمية.
وأمام التطور المسجل على مستوى المعاملات والمواقع الإلكترونية، تبرز أهمية حماية المستهلك الذي يعتبر فاعلا أساسيا في المعاملات الإلكترونية. في هذا الإطار، قال محمد العربي عن الجامعة المغربية لحماية وتوجيه المستهلك، إن التجارة الإلكترونية التي باتت بمثابة ظاهرة اقتصادية تتطور بشكل مطرد بآفاق واعدة بالنسبة للاقتصاد المغربي، بحاجة إلى مواكبة قانونية مستعجلة تساير هذا التطور.
وأوضح السيد العربي في تصريح مماثل، أن الجامعة شاركت في إعداد سلسلة من المقترحات لبلورة ترسانة قانونية لحماية المستهلكين، لاسيما مع توصلها بالعديد من الشكايات في ظل غياب دلائل ووسائل إثبات بخصوصها، والمتعلقة بعدم مطابقة بعض المنتجات للمواصفات المعروضة على الأنترنت.
وأشار أيضا إلى عدم تأمين عملية الأداء والتسليم، وقرصنة الحسابات البنكية خلال عملية الأداء، وكذا فرض بعض الضرائب من قبل بعض الشركات والمقاولات التي ليست طرفا في عملية البيع والشراء، علاوة على بعض المواقع الوهمية وتلك التي لا تخضع لرقابة الوزارة الوصية، وإمكانية التصفح بهوية مجهولة.
إلى جانب وضع ترسانة قانونية شاملة، دعا المتحدث إلى تضافر جهود كل من الوزارة الوصية، ووزارتي العدل والاتصال والوكالة الوطنية لتقنين المواصلات والفدرالية المغربية للتجارة الإلكترونية إلى جانب جمعيات حماية المستهلك لمتابعة ومراقبة مختلف المعاملات الإلكترونية بالنظر إلى ارتفاع حجمها ووتيرتها، وإحداث هيئة رقابية تنصف المستهلك الذي يبقى الحلقة الأضعف في العملية، خاصة عندما يتعلق الأمر ببعض الشركات والمقاولات الكبرى، وصعوبة تحديد قيمة الضرر.
كما شدد على ضرورة تعديل القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، لاسيما المواد 26 و27 و28 و29 و30 المتعلقة بممارسة الأنطشة التجارية عن بعد بواسطة إلكترونية لتوريد منتج أو سلعة أو تقديم خدمة للمستهلك، والتي تقتصر على توضيح طبيعة وشروط المعاملة الإلكترونية بين الجهة الموردة والجهة المستهلكة، دون الإشارة إلى الإجراءات الزجرية، بشكل صريح، في حال تسجيل مخالفات، وكيفية إثبات ومتابعة هذه المخالفات لدى الجهات المختصة.
وأكد أن الوقت حان لتنظيم القطاع ووضع مدونة شاملة لهذه السوق الافتراضية، ومحاكم متخصصة أو أقسام بالمحاكم التجارية خاصة بالبيع والشراء عبر الأنترنت، للحيلولة دون تحوله إلى قطاع غير مهيكل في المستقبل، خاصة مع تنامي حجم العمليات الإكترونية وتسجيل أرقام معاملات ضخمة في بعض القطاعات، كالمواد الاستهلاكية والألبسة والتجهيزات الإلكترونية.
وبرز تطور التجارة الإلكترونية في مرحلة أطلق فيها المغرب ما يعرف ب"استراتيجية المغرب الرقمي 2020"، والتي تتوخى وزارة التجارة والصناعة والاستثمار والاقتصاد الرقمي من خلالها تسريع التحول الرقمي للمغرب وتعزيز مكانته كمحور رقمي على الصعيد الإقليمي، ورفع التحديات المرتبطة بالحكامة والكفاءات الرقمية، إلى جانب إحداث تطور من حيث "التحول الاجتماعي" ومواكبة المقاولة ومختلف أوراش الحكومة الإلكترونية.
وتتمحور هذه الاستراتيجية حول مجموعة من الأولويات أساسية تتمثل بشكل خاص في جعل الأنترنت عالي الدفق متاحا للمواطنين، وتقريب الإدارة من احتياجات المستعملين عبر برنامج حكومة إلكترونية طموح، وتشجيع المقاولات الصغيرة والوسطى على أن تصبح معلوماتية كليا، وتطوير فرع تقنيات الإعلام المحلي بالمساعدة على تكوين أقطاب امتياز قادرة على التصدير.
كما تندرج في سياق متابعة التقدم الذي تم تحقيقه على مدى سنوات في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال، من خلال مواصلة تعزيز تموقع المغرب كمركز إقليمي وتقديم الخدمات لكل من المواطن والمقاولة لاسيما الصغرى منها والمتوسطة، وخلق تصورات مبتكرة من قبيل المدن الذكية والتجارة الإلكترونية، بالإضافة إلى تطوير البنيات التحتية الملائمة لهذا الغرض.
وأمام كل التحديات والفرص الاقتصادية التي تتيحيها التجارة الإلكترونية، يبقى وضع ترسانة قانونية وإجراءت للمراقبة والزجر وتطوير القطاع ضرورة ملحة، من أجل ضمان استفادة الاقتصاد المغربي بشكل أكبر وأكثر نجاعة من هذه السوق الافتراضية الواعدة، التي حققت العام الماضي على سبيل المثال رقم معاملات بلغ حوالي 1.2 مليار درهم، وحتى يساير المغرب التطور المسجل في المجال على الصعيدين الإقليمي والدولي، ويرفع من فرص استفادة البنية الاقتصادية من المؤهلات والإمكانية الهائلة لهذه السوق الناشئة.