بوشعيب حمراوي
بالأمس كانت حروف وكلمات اللغة العربية تستمد شرعيتها ومرجعيتها من القرآن الكريم، وكانت تغذي العرب والعجم ، مما جاد به أدباءها وباحثيها وعلماءها وفقهائها. واليوم تنكر لها روادها، فركبت على حروفها كل دواب الأرض.. وألبست لباس العجز والقصور والتقادم و... وأطعمت بكلمات دخيلة، ومفاهيم عليلة... وخصوصا بعد أن غاب الحرص الشديد على حركات كلماتها (الفتحة، الضمة، الكسرة، السكون)، وتلويناتها ومشتقاتها ومصادرها. وبعد أن بدأت تطل علينا كائنات حية من أعلى مناصب المسؤولية في البلاد، لا تفقه شيئا في اللغة العربية. بعضها في مراتب سامية ( وزير أو سفير أو ..)، لا تخجل بالحديث بلغات أجنبية في المحافل الوطنية والدولية. وهذا يشعرنا نحن المغاربة باليأس والإحباط والغبن والإهانة.. عرض أخيرا فريق الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) بمجلس النواب، مشروعا رأى أن بإمكانه إنعاش وترسيخ اللغة العربية في الحياة العامة للمغاربة، وحمايتها من الكلمات الدخيلة. تحدث المشروع عن ضرورة إحداث أكاديمية ومعاهد وشعب تعليمية وتكوينية باللغة العربية.. ستصيب ميزانية الدولة بكساد مالي ..والقارئ بين سطور أهداف ومرامي المشروع، يتخيل أن الأمر يتعلق بلغة جديدة دخيلة على المغرب. إذ أن رواد المصباح (العباقرة) يطمحون إلى (وجوب تعليم اللغة العربية لكل الأطفال المغاربة في كل المؤسسات التربوية). وكأن هناك مؤسسات تعليمية لا تستعمل العربية في برامجها التعليمية. كل المدارس والثانويات يا رفاق العثماني، تعتمد اللغة العربية، كلغة رسمية أولى. وهي في حاجة إلى تقنين اللغة العربية والبرامج التربوية والمناهج التعليمية والكتب المدرسية التي تنزف عنفا و هراءا وعبثا بعقول التلاميذ الأبرياء، وتحرج المدرسين المرغمين على الالتزام بمحتوياتها. هذا (المش.. روع) يقترح كذلك فتح شعب اختيارية معربة للتعليم العلمي والتقني والبيداغوجي. تمهد لتعريب جامعي شامل. يعني أنه في حاجة إلى فئة من الطلبة الجامعيين والأساتذة، ك(فئران تجارب) لمشروعها الذي قد ينتهي وسط حاوية القمامة. عندما أقرأ الفصل الخامس من دستور البلاد (2011)، الذي يؤكد أن العربية تضل اللغة الرسمية للدولة. وأنه من واجب هذه الأخيرة العمل على حماية لغة الضاد وتطويرها، وتنمية استعمالها. أجزم أن من يتولون زمام أمورنا، لا يقيمون اعتبارا لدستور البلاد. وأنهم يدبرون شؤون البلاد وفق قوانينهم الخاصة. وعندما أرى كيف أن هؤلاء (حكومة وبرلمان) يظهرون حبا وولعا مزيفين للغة العربية، بالدعوة إلى الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية الذي يحتفى به يوم 18 دجنبر من كل سنة، ازداد تأكيدا بأنه لا مستقبل للغة العربية في ضل
تواجدهم في مناصب المسؤولية. كيف يعقل أن ينتظر العرب، موعدا حدده الغرب من أجل التحسيس والتوعية بضرورة الرقي بلغتهم العربية وتقديم المشاريع والمخططات والتصريحات الفضفاضة ؟. يوم أقره المجلس الاستشاري لمنظمة التربية والثقافة والعلوم المعروفة اختصارا ب(اليونسكو) التابع للأمم المتحدة، لأول مرة سنة 2012. بطلب من السعودية والمغرب الذي أقر سنة 1962 بأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد. وعاشت وتعيش مؤسساته التعليمية والتكوينية وإداراته العمومية والخاصة، تقتات من وجبات اللغة الفرنسية وروادها الفرنسيين الذين أفرجوا عن أرضنا، واستمروا في احتلال عقولنا ومساراتنا. فالجمعية العامة للأمم المتحدة هي التي تفضلت (جزاها الله خيرا) يوم 18 دجنبر 1973، وأنعمت على لغتنا بوسام (الرسمية)، بإصدار قرارها رقم 3190 الذي قضت بموجبه بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية، ولغات العمل داخل رفوفها ومكاتبها الأممية. ألم نعي بعد أن حضارات الشعوب ترتقي بارتقاء وسمو وطهارة لغاتها، وأن جسر التواصل الحقيقي، الذي بإمكانه تأمين تمرير كل العلوم والفنون والآداب والثقافات والحضارات.. لن يتم باستعمال لهجات (الدارجة بالمغرب مثلا...)، تتغذى يوميا بكلمات وجمل ينفثها الشارع والحي والدوار .. ولن يتم باستعمال لغات أجنبية عن الشعوب.. لأنه عند الترجمة تضيع الأفكار والمعاني ؟؟ .. إنها فعلا مأساة تعيشها اللغة العربية مع اللغو العربي...