بنعيسى النية
أعلنت التوراة في سفر التكوين عن هجرة ابراهيم عليه السلام من أور الكلدانيين (العراق) في اتجاه أرض كنعان( فلسطين)، بعد الحديث عن ميلاد ابراهيم وزواجه من ساراي ( سارة) التي وصفتها التوراة بأنها عاقرا، وبعدها أعطت التوراة لرحلة ابراهيم الى ارض كنعان وعدا الهيا. وجاء في سفر التكوين (الاصحاح 7 الفقرة 1) " وقال الله لأبرام: انطلق من أرضك وعشيرتك وبيت أبيك إلى الارض التي أريك"، ومقصد تنفيذ الوعد الالهي هو الحصول على مباركة أمة كبيرة وسيباركه ويعظم اسمه وتكون له بركة، وسيبارك مباركيه ويعلن لاعنيه بل إن جميع عشائر الارض ستتبارك به، جاء في سفر التكوين الاصحاح 7 الفقرة 2 و3: " وانا اجعلك امة كبيرة وابارك واعظم اسمك، وتكون بركة ، وابارك مباركيك، وألعن لاعنيك، ويتبارك بك جميع عشائر الارض".
تساؤلات حول الرحلة الى أرض كنعان ( فلسطين):
1) كيف أن ابراهيم انطلق في اتجاه الارض التي سوف يريه الله، ونرى ابراهيم ينصاع الى اوامر ربه ويتجه الى ارض كنعان بدون معرفة المبررات؟.
2) هل وجد ابراهيم ارض كنعان اهلة بالسكان عند وصوله اليها ؟ كيف ان الاله التوراتي يؤمر ابراهيم بالهجرة الى ارض كنعان رغم أن تواجد الكنعانيين بها؟ وكيف يحل محلهم ابراهيم وسيعطيها لنسله من بعد؟ ولنتساءل مرة اخرى، ماذا فعل الكنعانيون لهذا الاله التوراتي حتى يستحقون هذا العقاب؟.
3) فما الدافع الحقيقي الذي كان وراء هذا الطلب الالهي حتى ينال ابراهيم بهذه الحظوة الالهية، ويمكنه هو ونسله من أرض كنعان؟.
وللإجابة عن هذه التساؤلات نقف بالضرورة العلمية على نصوص من المقدسات الدينية اليهودية:
أولا: كيف أن ابراهيم انطلق في اتجاه الارض التي سوف يريه الله، ونرى ابراهيم ينصاع الى اوامر ربه ويتجه الى أرض كنعان بدون معرفة المبررات؟.
فإننا أمام هذه المزاعم، ما على المرء الا خيارين: إما أن يقبل ويصدق هذا الكلام، باعتباره أمرا إلهيا لا يمكن مناقشته بل يجب الانضباط اليه، وإما أن يتحرر هذا الانسان من القيود ويفكر بعقله لا بقلبه عن هذا السر. وهذا يتطلب منا إعادة قراءة التوراة أي (العهد القديم) أكثر من مرة بكثير من الامعان والتدقيق واخضاع كل ما ورد فيها الى منهج العقل والتاريخ أيضا.
ثانيا: هل وجد ابراهيم ارض كنعان آهلة بالسكان عند وصوله اليها؟ كيف ان الاله التوراتي يؤمر ابراهيم بالهجرة الى ارض كنعان رغم أن تواجد الكنعانيين بها؟ وكيف يحل محلهم ابراهيم وسيعطيها لنسله من بعد؟ ولنتساءل مرة اخرى، ماذا فعل الكنعانيون لهذا الاله التوراتي حتى يستحقون هذا العقاب؟.
وعند رجوعي الى التوراة وجدت سبب العقاب للكنعانيين هو العقاب الالهي بما كان قد قام به حام أبو كنعان عندما راى حام عورة أبيه نوح، " فقال ملعون كنعان، عبد يكون لعبيد إخوته ( سفر التكون الاصحاح4/25). وتتضح هذه القصة جليا عندما يخاطب الاله التوراتي ابراهيم قائلا له:" ولا يكون اسمك ابرام بعد اليوم، بل يكون اسمك ابراهيم، لأني جعلتك ابا عدد كبير من الامم.. واعطيك الارض التي انت نازل فيها، لك ولنسلك من بعدك، كل ارض كنعان، ملكا مؤبدا، واكون لهم الها" ( سفر التكوين الاصحاح 19 الفقرة : 4- 8).
ثالثا: فما الدوافع الحقيقي الذي كان وراء هذا الطلب الالهي حتى ينال ابراهيم بهذه الحظوة الالهية، ويمكنه ونسله من ارض كنعان؟.
إن التوراة لا تجيب عن هذا السؤال، بقدر ما بدأت الحديث عن هذه الشخصية التوراتية عندما وصل سن الخامسة والسبعين، أي عندما ترك حران في اتجاه كنعان، وتروي التوراة في سفر التكوين الاصحاح7 الفقرة4:" فانطلق ابرام كما قال له الرب، ومضى معه لوط. وكان ابرام ابن خمس وسبعين سنة، حين خرج من حران".
وإن القارء للتوراة فلا يجد حديثا عن ابراهيم ولا عن الاعمال التي قام بها في أور الكلدانيين( العراق)، ولا عن السبب وراء الطلب الالهي. لكن الباحث في بعض الكتابات الدينية اليهودية سيجد بعض منها. مثلا ( الهجادا) نجد فيها حديثا عن ابراهيم الذي تصفه بأب الوحدانية، كما فيها حديث عن تحطيم تلك الاصنام التي كان يتعبد بها قومه، وابوه على راسهم، ونجد فيها ايضا حديثا عن مجادلة ابراهيم لنمرود، وهي مجادلة انتهت برمي ابراهيم في النار.
وهذه الرواية الدينية اليهودية موافقة لنص القران الكريم كما جاء في سورة العنكبوت الآية ( 16_ 17). وكذا في سورة الانبياء الآية: ( 51_ 70) وفي سورة البقرة الآية ( 258).
ونجد في التوراة وردت كثير من السياقات التي ترتبط بإبراهيم منها الحديث عن عهد الختان ( التكوين 19/9_10)، والحديث عن زوجة ابراهيم سارة، وعن ميلاد اسحاق الذي كلل بطرد هاجر وابنها من طرف سارة وبمؤازرة من الله، حسب ما جاء في التوراة ( التكوين: (21/9_12).
وبناء على ما سبق يتضح بهذا الامر الالهي المزعوم، بأن التوراة حاولت ابعاد كل من له علاقة بإبراهيم، جاعلة منه شخصية اسرائيلية محضة، ومن ذلك يتبين لنا نوايا ومقاصد كاتب التوراة (عزرا) لجعل أرض كنعان إرث للإسرائيليين، ولهذا المطلب التاريخي الديني من عزرا الى الرئيس الامريكي ترام يقفون على تنفيذه لجعل القدس عاصمة لإسرائيل.
ويمكننا أن نقف عند هذا الحد لطبيعة شروط عدد الكلمات المطلوبة في المقال. لكن يبقى السؤال مطروحا بإلحاح على الموقف العقدي لا السياسي تجاه أرض شريفة مقدسة أرض الاسراء والمعراج. كالاتي:
ما هي مشاريع معاهدنا وجامعاتنا بمراكزها البحثية العلمية، ومدارسنا بمقرراتها لغرس الثقافة الدينية في أجيالها تجاه أرض الاسراء والمعراج؟.
هل يوجد بالفعل مشاريع تعليمية لقراءة النص الديني؟.
هل نقرأ النص الديني أم نتدارسه؟.
أسئلة كثيرة تتار إلا أنها لا تلقى جوابا قاطعا لانعدام مفهوم قرائي للنصوص الدينية، إن المتعلم وهو يختار الشعبة الأدبية يكون في نيته أنه سيدرس ويقرأ الأدب الديني إلا أن ما يتلقاه ويتعلمه هو الخطاب عن الأدب الديني أما الادبية الدينية التي تحدد إطاره فتغيب.
إن هذه الملاحظات التي أشرت إليها، وأنا في عمر الاربعين سنة حاولت أن أقرأ النص الديني الذي بشر به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى). فشد قلمي رحاله الى القدس الشريف المكان الذي حدث فيه تواصل بين الارض والسماء. وهدفي من هذه الملاحظات تستدعي منا بالضرورة ( باحثين وأساتذة ومجالسنا العلمية ومساجدنا ومراكز البحث...) وقفة عقدية لتصحيح المفاهيم، إذ أن غياب تصور قرائي يعود إلى عدم استقرار مفاهيمي للنص الديني ومميزاته وحدوده.
يوسف
تنويه بصاحب المقال.
مقال جيد يستحق كل التنويه والتشجيع لصاحبه لغزارة معلوماته خصوصا فيما يتعلق بمقارنة الديانتين (اليهودية والاسلام) نأمل أن يضطلع عليه كل مهتم أو غير مهتم.