محسن زردان
من الواضح أن المد الحقوقي لنون النسوة عبر العالم، وصلت شظاياه إلى بلادنا، ويأتي ذلك في سياق دولي تصاعدت معه مطالب النساء بغية رفع حيف هذا الرجل، وصل مداه إلى الأروقة المظلمة لهوليود، في مشهد أقرب إلى مشاهد السينما الدرامية، لتنكشف ممارسات مشينة في حق المرأة، ولتحتشد جموع الأصوات النسائية لترفع يافطة أنا كذلك، ( Me too ( عبر وسائط التواصل الاجتماعي، فضحا لحقيقة مريبة لم تشفع لها مظاهر التحضر الغربي في حجب واقع العنف والتحرش بالنساء، الذي لا جنسية له، وكأنه قدر أزلي، تجلياته تسود المجتمعات سواء الغنية منها أو الفقيرة.
هذه الموجة النسائية العالمية، تأتي في سياق معارك حقوقية تاريخية لرفع القيود عن ولوج المرأة للتعليم، وخروجها لميدان العمل والوظائف، وتغلغل مداها في مراكز القرار، وتزايد ضغوط المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، من أجل إقرار مساواتها بالرجل، وإدراجها كمؤشر لإنجاح سبل رقي وتنمية الشعوب.
على نفس الخطى، وبالنظر إلى تصاعد العنف على اختلاف أنواعه في مجتمعنا، وتسليط الإعلام على تفاصيله وحيثياته أكثر فأكثر، سيخرج للوجود بعد حوالي 15 سنة من التردد، قانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الذي أعدته وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، ويحتوي على أربعة أبواب، حيث يتطرق في بابه الأول لمسألة تعريف العنف، سعيا لرفع اللبس نسبيا عن مفهومه،إذ اعتبر أن العنف ضد المرأة هو كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة.
هذا التعريف على قدر أهميته في تصنيف أنواع العنف المسلط على المرأة، وتوسيع مجاله ليشمل الضرر النفسي والجنسي والاقتصادي، فإنه يطرح إشكالية صعوبة ضبطه وتنفيذ مقتضياته في الواقع، على الرغم من كون القانون حدد آليات للتنسيق على المستوى الوطني والجهوي والمحلي بغية استقبال ودعم وتوجيه ومرافقة ضحايا العنف، وهي أمور تبقى بعيدة التحقق، خصوصا وأن الاهتمام الحكومي بالبعد الاجتماعي ليس أولوية ملحة على ما يبدو، نظرا للإجراءات التي تتخذها بالتدريج، من خلال التخلي عن دعم القطاعات الاجتماعية، كما يوصي بذلك صندوقي النقد والبنك الدوليين.
جميل أن تعزز الترسانة القانونية في بلادنا، بهذا المشروع الطموح، وهي خطوة مرجوة، لكن العارف ببنية المجتمع المغربي، ومنظومة أفكاره ومعتقداته، سيستنتج أن مشكلة العنف ضد المرأة هي أكبر وأعمق من الاكتفاء بصياغة قوانين، قد تبدو متكاملة ومنسجمة المرامي والأهداف، لكنها تحتاج لوقت وجهد طويلين حتى تتبلور في بنية المجتمع.
هذه الترسانة القانونية متخمة بالقوانين التي باتت حبيسة الرفوف، وقد نجد في قانون 19.12 المتعلق بشروط الشغل والتشغيل للعمال المنزلين، من خلال منع تشغيل الأطفال، خير مثال على عبثية إقرار قوانين تجد صعوبات في التطبيق، فضلا عن قانون التحرش الجنسي داخل فضاءات العمل في القانون الجنائي، الذي يبقى بدوره غير مفعل، ونتائجه جد محتشمة.
يجب أن لا ننكر بأن إخراج قانون محاربة العنف ضد النساء للوجود، سوف لن يلقى في البداية ترحيبا كبيرا من كل أطياف المجتمع، فالتيارات المحافظة، تعتبر أن هذا الموضوع لم يصل إلى درجة الظاهرة
المقلقة، مما يستدعي إعطائها أولوية مستعجلة، بالنظر لغياب دراسات علمية مضبوطة تؤشر لارتفاع العنف ضد النساء في المجتمع المغربي، كما أنها مازالت تنظر بعين الريبة للموجة الحقوقية النسائية، وتعتبرها بمثابة حصان طروادة، الهدف منه الرفع التدريجي لسقف المطالب، وصولا إلى المساواة في الإرث والقوامة ومنع التعدد، وهي أمور بدأت تجلياتها في البروز، من خلال طرحها على مائدة النقاش العمومي، فضلا عن السماح للمرأة وتمكينها من ولوج مهنة العدول.
التيارات ذات التوجه العلماني، رأت في مشروع القانون، انتصار صغير، لا ينصف المرأة، مادامت المسألة لم تطرح في عمقها الأساس، وهي مسألة المساواة بين الجنسين، ولم تأخذ حقها الكافي في النقاش بين كل مكونات المجتمع المدني، كما أن هذا القانون ينطوي على حمولات أيديولوجية، تنتصر للمرأة والأم المتزوجة فقط، في حين لم تتم الإشارة لحالات الأمهات العازبات مثلا، مما يوحي لاستمرارية تكريس وظيفة المرأة التقليدية في التربية والإنجاب، وهيمنة العقلية الذكورية، بالنظر لضعف تمثيلية المرأة في الوظائف، على الرغم من تصاعد تفوق النساء في التعليم والتحصيل، واكتساحهن للمعاهد والمؤسسات العليا بجدارة واستحقاق، لكن ذلك لا يوازيه تواجدهن في مراكز القرار.
في سياق متصل فالقانون 103.13 قام بتجريم مجموعة من الأفعال و الممارسة في حق المرأة باعتبارها عنفا، وتخصيص حزمة من الغرامات والعقوبات الحبسية، التي تختلف حسب الحالات المعروضة على القضاء، من قبيل الاعتداء الجسدي، النفسي،الجنسي، والاقتصادي، الاختطاف، الاحتجاز، التحرش الجنسي،وكذا التقاط وتسجيل وبث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري دون موافقة أصحابها...
قد تحتاج وزارة العدل والحريات بذلك إلى جيش من القضاة، وكذا وزارة الداخلية إلى فيالق من رجال الأمن حتى تتمكن من السهر على حسن مراقبة سلوكيات المواطنين في علاقتهم بالعنف في الشوارع والبيوت، و تطبيق الأحكام المعروضة على المحاكم واحتواء هذه الظاهرة.
لا بد وأن يشعر الرجل، في ظل هذه الأجواء، بهجمة شرسة و قاسية، تتهمه بإنتاج العنف والكراهية، وتلبسه لباس الشر، وتنزع عنه إنسانيته، كأنه الوحيد المسؤول عن مآسي المرأة والعالم، سعيا لترويض سلوكه، في أفق صنع رجل في نسخة جديدة.
يمكن أن نقول، بأن هناك إجماع على أن نجاح تفعيل المنظومة القانونية، يرتبط أساسا وبالموازاة مع منظومة التربية والتعليم، التي هي المنطلق والنهاية، فالمدرسة والأسرة هي لب أي إصلاح مجتمعي جذري، يتوخى منه تربية الأجيال على سلوكيات المواطنة باحترام الحقوق والواجبات، فضلا عن تهيئ مكونات المجتمع بحملات تحسيسية للقوانين الصادرة، التي في غالب الأحيان نجهل مقتضياتها.