منتديات
يولد الأطفال وهم يبكون، ويستمرون في البكاء تعبيرًا عن احتياجاتهم الأساسية والعاطفية حتى يستطيعوا التعبير بالكلام والعبارات والإشارة، لذلك فإن بكاء الرضيع في حد ذاته أمر معتاد وطبيعي للغاية ولا يضر بالطفل طالما يحدث لفترات قصيرة ويزول بزوال السبب، لأنه هنا وسيلة الرضيع الوحيدة ليخبرك بالجوع وتغير الحفاض والرغبة في النوم أو حتى التدليل، ولكن متى تكمن خطورة بكاء الرضع وتؤثر على سلامتهم الجسدية والنفسية؟
أحيانًا يبكي الرضع بكثرة دون أسباب وبطريقة مرهقة للأم التي تفعل كل ما بوسعها لتهدئة صغيرها، ولكنه يظل يبكي ويبكي دون توقف، رغم تغيير الحفاض وحصوله على الرضاعة والنوم الكافي بل وأحيانًا يبكي في أثناء حمله وتدليله أيضًا، فما العمل إذًا؟ البعض يقترح على الأم في هذه الحالة ترك رضيعها يبكي حتى يتوقف بمفرده ويشعر باليأس من البكاء المتصل حتى لا يعتاد على الحمل أو يُدلل بشكل مبالغ فيه، ولكن هذه النصيحة أثبت الطب والأبحاث العلمية أنها خاطئة تمامًا بل وتضر الطفل بطريقة لا تتخيلينها.
أضرار عدم الاستجابة لبكاء الرضيع
وجد باحثون أمريكيون بجامعة "ييل" وكلية الطب بجامعة "هارفارد" أن ترك الرضيع يبكي لفترات طويلة وبكثرة وعدم الاستجابة له حتى يشعر بالإجهاد الشديد يؤثر على جهازة العصبي ونفسيته وسلوكه فيما بعد، فهو يؤدي إلى تغيير أنظمة الناقلات العصبية ويسبب تغيرات هيكلية ووظيفية في دماغ الرضيع مشابهة لتلك التي تظهر لدى البالغين الذين يعانون من الاكتئاب.
من ناحية أخرى، أظهرت الدراسات أن الرضع الذين عانوا من فرط البكاء المستمر في الأشهر الأولى بعد الولادة، كانوا أكثر عرضة بـ10 أضعاف عن غيرهم من الأطفال للإصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، إلى جانب ضعف الأداء المدرسي والسلوك العنيف وضعف الثقة بالنفس، وذلك لعدم وجود استجابة من الأم والأب تجاه بكاء الرضيع ليشعر بالأمان والسكينة، إذ إن الأطفال الذين تتركهم أمهاتهم حتى يهدؤوا من تلقاء أنفسهم يشعرون بعدم الأمان وبأنه ليس هناك أحد حولهم، ما يؤثر على مستويات الهرمونات بأجسادهم الصغيرة وجهازهم العصبي.
الآثار السلبية لذلك لا تتوقف عند هذا الأمر فقط، حيث يرتفع كذلك مستوى هرمون الإجهاد "الكورتيزول" في جسم الرضيع وانخفاض هرمون النمو في المقابل، وهو ما يؤثر على نمو وتطور الرضيع حركيًّا وعاطفيًّا. وكذلك ارتفاع ضغط الدم وانخفاض أداء الجهاز المناعي، فيصبح أكثر عرضة للمرض عن غيره من الأطفال، وظهور اضطرابات الرضاعة والنوم لديه، وانخفاض مستوى ذكائه الدراسي والاجتماعي والعاطفي فيما بعد.
وقد أظهرت إحدى دراسات جمعية الطب الأمريكية أيضًا، أن هرمون الإجهاد "الكورتيزول" الذي ترتفع نسبته في دماغ الرضيع عند البكاء لفترات طويلة دون تهدئته، يدمر بالفعل نمو اتصالات الأعصاب في أجزاء حساسة من الدماغ.
وبالإضافة إلى ذلك، عندما لا يتم تحفيز أجزاء من الدماغ المسؤولة عن التعلق والسيطرة العاطفية خلال مرحلة الطفولة الأولى وإهمال بكاء الطفل بشكل متكرر خلال مراحل حياته المختلفة، يصل له الشعور بالتجاهل والدونية وعدم الأمان، ما يؤدي لعدم نمو أو تطور هذه الأجزاء العصبية في الدماغ، ونتيجة لذلك ينشأ الطفل عنيفًا ومتهورًا ولديه اضطراب عاطفي وربما يعاني من الاكتئاب في مرحلة المراهقة والشباب.