الحسين بوخرطة
عاش العالم الصراع الإيديولوجي ما بين المعسكرين الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي سابقا والغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. لقد تباينت التقديرات، والاعتبارات، ومرتكزات محاور المخططات الجيوستراتيجية بالاستحضار القوي للعبارتين المشهورتين : "الملكية العامة لوسائل الإنتاج"، و"الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج". لقد اشتد الصراع ما بين الأجيال المختلفة في الثانويات، والجامعات، والمعاهد، والحكومات والمجتمعات في شأن سؤال: ما هو المصدر الأساسي للتنمية وتراكم الثروات وتحقيق الغنى المجتمعي، هل هو العمل أم الرأسمال؟، واتسعت الهوة بين التيارين إلى أن سيطر نقاش فريد في موضوع وحيد : "من الأفضل بالنسبة للمجتمعات، هل هو النظام الذي ينبني على الملكية العامة لوسائل الإنتاج، أم النظام الذي ينبني على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج؟"....
ومباشرة بعد الإعلان عن النظام العالمي الجديد من طرف بوش الابن، والذي كان لبوريس إيلتسين فضل كبير على هدم جدار برلين، حلت "الآلة" و"الروبو" محل الإنسان في العمل، وبدأ المكون الإسلامي مسلسل بروزه في مطلع التسعينات، وشاع الترويج لما يسمى بالاقتصاد الإسلامي والسياسي، عربيا ومغاربيا، وكأنه مدرج في إطار إستراتيجية عالمية تقودها الدول الصناعية القوية عسكريا في العالم، بما في ذلك روسيا والصين ....
فبعد 11 شتنبر الشهيرة، افتتحت أبواب الحدود لنزوح المتعصبين والمتطرفين باسم الإسلام إلى الشرق الأوسط معتقدين بفكرة "الجهاد". لقد تأسس، بالرجال والنساء والسلاح المتطور، ما يسمى ب"داعش" والمعارضات الدينية، وتحول المجال الإقليمي الشرق الأوسطي إلى دمار شامل، وأصبحت المصالح على ترابه مرتبطة بما يسمى ب"إعادة البناء" ومنطق التعامل مصلحيا وظرفيا مع تركيا وإيران،...
لقد حل محل لغة التنافسية والحرية الاقتصادية، كأساس ترتكز عليه العولمة النيوليبرالية المنتصرة، إلى عسكرة شاملة، لتصبح ظرفيا مردودية الاقتصاد العالمي مرتبطة بالحروب والتكنولوجيات الحديثة والتهديدات النووية.... فالمعسكر الروسي-الصيبي يسعى إلى ترويج أفضال الدولة القوية (الرئيس بوتين في روسيا، والرئيس الصيني على رأس الإمبراطورية الصينية مدى الحياة)، وحماة الديمقراطية والحرية الغربية أصبحوا يطيقون الأخطاء لتختفي ظاهرة الاستقالات والانتحارات بسبب الفضائح والانزلاقات، .....
وأمام سيطرة لغة المصالح والحروب في إطار اقتصاد السوق عالميا، لم يبق أمام دول الجنوب النامية سوى تقوية اللحمة المجتمعية والإجماع الوطني، وإغلاق منافذ الاختراق، والتركيز على التربية والتعليم والتكوين وترسيخ قيم الانفتاح على الآخر والتسامح والتضامن والعقلانية...