محمد بوبكر
"مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا"، و الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي من الذين ما بدلوا تبديلا، فهذا الرجل بصم تاريخ المغرب كمقاوم للإستعمار و كمعارض و سياسي محنك.. لم يتخلى أبدا عن مبادئه.
"القائد عبد الرحمن" ورفاقه الذين وردت أسماءهم في كتاب "أحاديث في ما جرى" قدموا الغالي والنفيس و ضحوا بأرواحهم و سجنوا، كل هذا في سبيل ان تنعم الاجيال الحالية بالحرية في هذا الوطن، و غادروا المغرب مكرهين، حفاظا على حياتهم، و بالرغم من كل ذلك، ظلوا متشبثين بمبادئهم و بوطنهم و كانوا يدافعون عن المغرب من الخارج.. إنه النضال المستميت يا سادة !!
و سيبقى الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي إرثا تاريخيا كبيرا ومميزا في تاريخ الكفاح السياسي ومقاومة الاستعمار والتسلط والاستبداد... و هو ما تبقى للمغرب من رموز النضال بشتى ألوانه وأساليبه..
- كتاب "احاديث في ما جرى"
و أنا اقرأ الجزء الاول من كتاب "أحاديث في ما جرى".. تمنيت لو أنني عشت في زمن اليوسفي، بنبركة، بوعبيد و عمر بنجلون...، فهؤلاء الشرفاء مثلوا الوجه العميق و الجميل للمغرب في عهد الاستعمار، إنهم من طينة المغاربة العظماء.. ذوي المبادئ التي لم يتنازلوا عنها حتى آخر رمق، هؤلاء أحبوا المغرب و اعطوه الكثير..
و من خلال هذا الكتاب لاحظت أن الدور الذي كانت تقوم به الأحزاب في القرن العشرين، مختلف تماما عن ما تقوم به الآن، حيث أصبحنا اليوم أمام أحزاب و ساسة، يطمحون فقط لبناء مصالحهم الخاصة، متناسين أن واحدة من اساسيات نشوء الأحزاب السعي لتحقيق مصلحة الشعب، في ما مضى كانت الأحزاب تقوم بتفعيل بناء الخيار الديمقراطي.. أما الآن فلقد أصبحت تستعمل فقط مصطلح "الديمقراطية" كشعار.
الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي خلال كتاب "أحاديث في ما جرى"، تحدث عن مجموعة من الأحداث التي عاشها هو و رفاقه.. كما ذكر المغاربة بمحاولة الإغتيال التي تعرض لها المهدي بنبركة سنة 1962، بعدما دعى لمقاطعة الدستور، عندما كان يسوق سيارته متوجها من الرباط إلى الدار البيضاء، عند قنطرة "واد الشراط" بضواحي بوزنيقة، و هو نفس المكان الذي توفي فيه وزير الدولة السابق " عبد الله باها " و القيادي الاتحادي أحمد الزايدي ! و هنا ربما أراد ذ.اليوسفي أن يؤكد للمغاربة، أن وفاة الزايدي و باها وفي نفس المكان لغز محير !!
- مقارنة بين حكومتي بنكيران و اليوسفي
من الواضح أن بنكيران و اليوسفي تواريا بعد انتهاء فترة ترأسهم للحكومة، عن الأجواء السياسية.. فاليوسفي عزل وقرر أن ينهي نشاطه كما هو معروف، و بنكيران هو الآخر و مباشرة بعدما قرر الملك محمد السادس إعفاءه من مهمة تشكيل الحكومة، ابتعد عن الحياة السياسية، و لكن إعفاء بنكيران لم يكن فقط مجرد تقدير تقني، كما وقع مع اليوسفي.
و الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي ترأس حكومة التناوب، بعد خطاب أكتوبر 1995، عندما خاطب الملك الراحل "الحسن الثاني" المغاربة من البرلمان قائلا " إن البلاد مهددة بالسكتة القلبية". و مباشرة بعد تعيينه وزيرا أولا باشر عبد الرحمن اليوسفي عمله و قام بإصلاحات عميقة ومستعجلة لمواجهة الازمة الاقتصادية، حيث كانت نسبة النمو في تلك الفترة مهددة بعدم تجاوز 3 إلى 4 في المائة، و في تلك المرحلة كان الاقتصاد المغربي في حاجة إلى نسبة نمو تتراوح بين 4 إلى 5 في المائة من الناتج الداخل الوطني.
و يمكن القول أن "جيوب المقاومة" التي واجهها اليوسفي عندما كان يترأس حكومة التناوب هي نفسها "العفاريت و التماسيح" التي كان يتحدث عنها بنكيران، هذا الأخير الذي جاءت حكومته في مرحلة كان يمر فيها المغرب من وضعية صعبة، تصادفت هذه الوضعية مع أحداث "الربيع العربي"، ولكن المجال الاقتصادي والاجتماعي لم يتحسن في ظل عهد حكومة بنكيران، حيث ارتفعت نسبة المديونية، واستمر انخفاض معدل النمو، وارتفعت نسبة البطالة، وتزايد عدد الفقراء لارتفاع أسعار العديد من المواد الغذائية مقارنة مع ضعف القدرة الشرائية، كما يمكن وصف حكومة بنكيران بحكومة "الملاكمة" الكلامية مع المعارضة !
- يا ليت الزمان يعود إلى الوراء
نعم يا سادة.. يا ليت الزمان يعود إلى الوراء حين كانت الأحزاب السياسية مدرسة لتخريج قيادات سياسية وفكرية ومناضلين، يا ليت الزمان يعود إلى زمن عبد الرحمن اليوسفي، لكي نعيش مثل هذه الأحداث، بالرغم من أنها كانت تختزل في طياتها مرارة، إلا أنها كانت تساهم في بناء "المغرب الحديث"، مغرب الأجيال القادمة.. و سؤالي: هل نستطيع بناء مغرب المستقبل نحن جيل اليوم ؟ هذا الذي لا أستطيع الإجابة عنه في ظل أحزاب لم تستطع أن تهيئ لنا مشروعا مجتمعيا يواكب المرحلة بدل الأحلام في البرامج الإنتخابية.