يوسف بوغنيمي
أن تحتفل الطبقة الكادحة بعيدها الأممي فاتح ماي 2018 ،بربوع المملكة المغربية على إيقاع الإحتجاجات بسبب تردي الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية ،وأن تصدع حناجر العاملات والعمال بشوارع المدن والحواضر المغربية, مرددة شعارات تشجب السياسات اللاشعبية التي مافتئت حكومة العدالة والتنمية تتبعها ،مستهدفة في العمق الطبقتين المتوسطة والفقيرة على السواء ،إلى هنا ... يبدو المشهد مألوفا ,والأمورإلى حد ما مستصاغة ،وفي حدود العقل والمنطق والمعقول ،لكن الغريب , ومالايمكن أن يقبله عقل بشر أو منطق رياضي وحتى ناموس وضعي ، هو أن تجد أعضاء الحكومة وفي طليعتهم وزيرهم الأول يمتهنون العمل الحكومي, ويمارسون المعارضة , أي بلغة الخشيبات من يتواجدون على رأس السلطة التنفيذية اليوم بالمغرب، يسوسون البلاد ويسنون القوانين ويمارسون السياسات ويسطرون التوجهات العامة للدولة، طيلة أيام السنة بسيطة كانت أم كبيسة ، تجدهم في عيد العمال اليتيم ذاك ,في قلب الاحتجاجات يعتلون المنصات ,ويتلون الخطابات ,ويسيرون في ركب العاملات والعمال .. فهذا من فصول الخيال العلمي ...و ...هذا لايمكن أن يحدث سوى في المغرب بلد الإستثناء, حيث تمارس الحكومة الدجل السياسي تسوس وتعارض في نفس الآن ...
إنها حكومة المعارضة ...بالمغرب...
فرئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني يمشي بخطى ثابثة على خط كبيره الذي علمه سحر السياسة وعلوم الدروشة والمسكنة ،من كان يوما تلميذا نجيبا لأستاذته مديرة صندوق النقد الدولي "كريستين لاكارد" ،والتي كانت تنقطه بالامتياز كلما حلت بالمغرب، وتستشهد به في حلها وترحالها ،لإيمانه الأعمى و الراسخ بها بسياسات الحمل الوديع صندوق النقد الدولي ،ولكون بن كيران في ولايته تلك مرر عرمرما من السياسات اللاشعبية ,وهو الشيء الذي عجزت عنه الحكومات السابقة لعقود من الزمن ... , بنفس الوتيرة وعلى نفس الشاكلة يسير خلفه ...
و على بعد أيام من نعي المركزيات النقابية الحوار الإجتماعي ،يعتلي العثماني منصة جناح حزبه النقابي ،متخليا عن عباءته الحكومية لابسا " كاسكيطة" نقابية استعارها من حليفه الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب , مزكيا المثل الشعبي المغربي" المندبة كبيرة والميت فار " أي العيد عيد العمال المغاربة يندبون حظهم مع حكومات مررت عليهم قوانين السماء والأرض ,وهاهو العثماني يتغنى بنتائج وإنجازات حكومته لتحقيقها في عامين على حد قوله مايعادل ولايتين سابقتين قبيل وصيفه ضحية البلوكاج ،حصيلة من الإنجازات الإجتماعية ،في ظل أزمة خانقة تعيشها الطبقات الشعبية, وتستمتع بسنفونيتها لسنوات عجاف من تجميد للأجور, وزيادة في الاقتطاعات لملء صناديق منهوبة وضعت تقارير افتحاصها في ثلاجة الحكومة ،وتمديد لسنوات الشغل بقطاعات منهكة كالصحة
والتعليم ،مقابل ارتفاع صاروخي في أثمنة المواد الإستهلاكية ,ومقاصة للمحروقات ,شعارها زيادات بالدراهم ونقصان بالسنتيمات ،حتى في ظل الانخفاض الشديد الذي عرفته في الكثيرمن الأوقات أثمنة المحروقات ، هاهو الطبيب الوزير يزف زيادة المئة درهم 100 dh ,أي مايعادل العشر دولارات لمدة ثلاث سنوات ,ويتحدث عن استراتيجية حكومته في محاربة الفساد ،ويقرر تطبيق هذا الإنجاز الحكومي الباهر من جانب واحد، أي زيادات لفئات عمالية بعينها دون سواها بالقطاعات الحكومية ،ويعد بتصديرها للقطاع الخاص , بشرى تعويضات عائلية بنفس السومة السالفة عن كل طفل الى حدود السادس من أبناء موظفي القطاع العام بالمغرب ويلقن المركزيات النقابية فنون التفاوض بالقبول بالموجود , على وقع المثل الشعبي المغربي " المعروضة من الخير ..." .
رئيس الحكومة الدكتور العثماني لم يتحدث عن الشركات التي أستأسدت وتغولت في ظل رهن السوق الوطنية للمجهول ،وهيمنة لشركات لايهمها تأجيج للأوضاع الإجتماعية والاقتصادية ،ولا عن زواج المتعة بين رجالات السياسة وسلطة.....الجاه والمال حيث وزراؤه يسوسون القطاعات الوزارية ,ويمتلكون وعائلاتهم كبريات الشركات المتحكمة في رقاب الناس اجتماعيا واقتصاديا ...يستفيدون من المعلومة ويحظون بجاه السلطة...
العثماني الذي تناسى التعريج عن أسباب ومسببات الأوضاع الإجتماعية المأزومة التي تعتبر إحدى تجلياتها المقاطعة الإقتصادية الشعبية , لكبريات العلامات التجارية بالمغرب ،وهي امتداد للحراك الشعبي الذي انطلق من الريف ولم يتوقف عند حدود جرادة ...
نفس المشهد يتكررمن حكومة المعارضة , بمدينة القنيطرة غير بعيد عن العاصمة الإدارية الرباط الناطق باسم الحكومة مصطفى الخلفي ,والمنتمي لحزب العدالة والتنمية المغربي الذي يقود الحكومة الحالية ، يخرج من بين حشد من المحتجين, يستعرض فنون الخطابة ويتحدث بحماسة على أن المعركة من أجل الصحة والسكن والتعليم والعدالة الإجتماعية مستمرة ,ولايمكنها أن تتوقف ,وبنفس النبرة ينتقد " التعاقد" كإجراء يعلم الله أنه حكومي وصناعة محلية دشنتها الحكومة التي يتحدث بلسانها ,ويستنكر التضييق عن الحريات النقابية, وينادي بالاستقرار الوظيفي ،ويضيف "لا خير في حكومة لاتنصت لصوت عمالها ،،،".
لعمري إنها أبهى صور الدجل السياسي حينما تمارس الحكومة المعارضة ،بوجه مكشوف ,ويمعن الوزراء في لبس العباءة النقابية والحزبية ,بالرغم من كونهم أضحوا مسؤولين يمثلون جميع أطياف الشعب المغربي , والأحرى بهم أن يقفوا على نفس المسافة من جميع التنظيمات السياسية والنقابية والجمعوية بمجرد أدائهم القسم القانوي ...