محمد ناجي
هل نجد في الديانات الأخرى من الفتاوى حول الدين، ما نجده في الإسلام؟
منذ أربعة عشر قرنا والفقهاء المسلمين يفتون في الدين الإسلامي، ولا زال الناس يستفتون العلماء والفقهاء في نفس هذا الدين إلى اليوم؟
فهل الإسلام غامض إلى هذه الدرجة؟
أم هل الإسلام معقد إلى هذه الدرجة؟
أم هل لكل عصر إسلام خاص به ؟ ـ وهذا ما يرفضه المسلمون بخاصتهم وعامتهم في كل زمان ومكان بالإجماع ، ولذلك فلا يمكن ان نقول به ـ
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه هو :
لماذا رغم مرور أكثر من أربعة عشر قرنا على ظهور الإسلام، والإسلام لم يُفهم بعد؟
فمتى سيُفهم هذا الإسلام الذي يصفونه بأنه دين البساطة والفطرة واليسر؟
أربعة عشر قرنا ولم يتفق فقهاء الإسلام على فتوى واحدة بعد؟
أربعة عشر قرنا من اعتناق المسلمين للإسلام وما يزال نصف المسلمين يكفر النصف الآخر !! فأين الخلل ؟
لا تقل لي في الفقهاء والعلماء المسلمين؛ لأنه إذا كان كبار العلماء بالدين الإسلامي وعتاة فقهائه يختلفون حول بعض أصوله وفروعه ، ويتناقضون في تفسير بعض آياته وأحاديثه، ولا يتفقون على فهم واحد لكثير من الكلمات القرآنية، مما يضفي على الآية الواحدة تفاسير متناقضة أحيانا؛ فماذا بقي لعامة الناس؟
إنه لأمر عجب حقا ..
وحتى لا يقال بأننا نفتري على الدين أو على فقهائه الأجلاء، نكتفي بآخر حدث أصبح مثار جدل في المغرب الإسلامي ، كما يريدون أن ينعتوه ،
إنه مثال واحد من هذه الفتاوى التي تجعل الإنسان لا يعرف أين الحق من الباطل في هذا الدين.. رئيسا مجلسين علميين في المغرب :
رئيس المجلس العلمي لعمالة تمارة الصخيرات التابعة لولاية الرباط العاصمة، ورئيس المجلس العلمي لمدينة وجدة ، عاصمة المغرب الشرقي؛
أولهما أفتى بجواز الحصول على قرض من البنك لاقتناء أضحية العيد، واعتبر ذلك القرض الربوي حلالا، والأضحية جائزة.
أما الثاني ـ رئيس المجلس العلمي لمدينة وجدة ـ فلم يجز ذلك، وأدخله في باب الحرام.
هاتان الفتويان لو صدرتا عن عالمين؛ أحدهما متخصص في الشريعة والفقه الإسلامي، والآخر متخصص في علم الجراحة أو الفزياء النووية؛ لقلنا: إنما يؤخذ بكلام المتخصص في الموضوع، وما دام موضوعنا في الشريعة الإسلامية، فلا محل لإعطاء أي اعتبار لفتوى الجراح أو الفزيائي.
كما لو أن الفتويين صدرت إحداهما من عالم بالشريعة، متفقه في الدين، ومتضلع في القرآن والسنة وفقههما، ويحمل شهادات عليا فيها،، وآخر لا يعدو ان يكون من دعاة العلم الذين لا يتوفرون على أبسط المؤهلات للفتوى، ولم يقرؤوا كتابا واحدا في الفقه أو في تفسير آيات الأحكام أو مقاصد الشريعة؛ لما جاز لنا أن نقارن بين الفتويين؛ إذ لا قياس مع وجود الفارق. أما أن تصدر الفتويان عن عالمين نِدّيْن، متساويين علما ومكانة ، وولهما نفس المسؤوليات الدينة في مجتمعهما ومدينتيهما، وأن يكون كل منهما رئيسا لمجلس علمي بإحدى المدن المغربية المهمة، ثم يصدران فتويين متناقضتين إلى أقصى حدود التناقض؛ فهنا يصبح الإشكال جوهريا من صميم الدين، أو هو في أصل هذا الدين؛؛
فأهل الرباط حلال عليهم أن يقترضوا من البنك بالربا لشراء أضحية العيد، لأن مفتيهم أفتى بذلك وأحله، وليس فيهم من هو أعلى منه مكانة علمية، ولا من هو أعرف منه بكتاب الله وسنة رسوله، ولا منهم من يبزه في تضلعه في الفقه الإسلامي، وإتقانه لعلومه، وغوصه في مقاصد الشريعة ..
ومن ثم فقد حُق لهم أن يتبعوا فتوى هذا المفتي لما له من علم ومكانة دينية في مجتمعهم؛ فهو رئيس مجلسهم العلمي !
أما سكان وجدة فحرام عليهم ذلك، لأن مفتيهم حرّمه، وليس منهم من هو أعلم منه بالتشريع والفقه والمقاصد، ولا فيهم من هو أكثر تبحرا منه في القرآن والسنة، ولا من هو حاصل على شهادات علمية في الشريعة الإسلامية أعلى مما هو حاصل عليها..
هؤلاء إذن يحرم عليهم شرعاً وتبليغاً الاقتراضُ من البنك من أجل أضحية العيد ..
وهكذا هو هذا الدِّين : ما أحله أكبر فقهاء الرباط يحرمه أكبر فقهاء وجدة؛
وهذا يبيح لي أن أسألك أخي المسلم من خارج هاتين المدينتين:
هل تفضل أن تكون من مسلمي الرباط المباح لهم، أم أن تكون من مسلمي وجدة المحرم عليهم؟
ولا أقول لك هل تفضل أن تكون مسلما مالكيا أو مسلما حنفيا أو مسلما شافعيا أو حنبليا، فتلك قصة أخرى؛
كما لن ألجئك إلى شر من ذلك كله وأسلك: هل تختار أن تكون مسلما محاربا لأهل السنة في صفوف المسلمين الشيعة، أم أن تكون مسلما محاربا للمسلمين الشيعة في صفوف المسلمين من أهل السنة؛
لن أحرجك بهذا السؤال لأنه السؤال الكارثة في الدين الإسلامي؛ حيث نصف المسلمين كفار ومارقون وخارجون عن الملة والدين بالنسبة للنصف الآخر، وكل نصف من المسلمين
هو بالنسبة للنصف الآخر أبغض إلى الله والرسول من اليهود والنصارى والمجوس وكل المشركين والملحدين وعبدة الفئران..
إني أرى ـ وكلي أسف وحسرة ـ أن الدين الإسلامي مكسور الظهر، مجثت الركبتين؛ وأنه سيظل كذلك إلى آخر الزمان، لأنه يستحيل جبره، فالخلاف يبدأ عندهم من أول ركن من أركان الإسلام وهو التشهد، ثم يستمر من عقدة إلى أعقد منها في كثير من المسائل الجوهرية في الدين، بحيث يستحيل أن ينتهي بينهما إلا بظهور المهدي المنتظر أو تقوم الساعة..
إذن؛ إذا كنت أخي المسلم لا ترى أن الخلل في الدين نفسه؛ وفي الفهم المختلف حوله لنصوص القرآن وبعض الأحاديث النبوية؛ فأَرِني أين يكمن؟
وإنها لدعوة إلى السلام بترك الدين بين الإنسان وربه، ولكل عقله يفكر به، ما دام الإنسان قادرا أن يميز بين الطيب والخبيث، وبين الحسن والقبيح، فالإنسان لم يعد ـ ولم يكن حتى قبل أربعة آلاف سنة وقبل ظهور الديانات السماوية ـ قاصرا، أو غير مدرك للفرق بين الخير والشر، وبين المقبول والمرفوض في أخلاق الناس وتعاملاتهم،، فشريعة حمو رابي كانت قبل ظهور موسى والديانة اليهودية ، وحكم الهنود والنهضة العلمية الباهرة في الآثار السومرية والفرعونية،، كلها تشهد ان الإنسان قادر ان أن يشرع لنفسه ليبيح ما ينفعه وينفع مجتمعه، ويجرم ما يضره ويضر مجتمعه، إذ لا يمكن ان نقول أن الكذب أو شهادة الزور، أو السرقة أو القتل العمد بدون سبب، أو الاغتصاب ... إنما حُرمت بمجيء الديانات ؛ فهي محرمة في كل زمان ومكان، من أقدم العهود؛؛ بل إننا نلاحظ أنها مُفَعّلة اليوم في الدول التي لا تؤمن بأي دين كاليابان، أكثر منها في الدول الإسلامية كالمغرب، حيث لا يمر يوم دون أم نسمع باغتصاب إمام أو فقيه لطفل حضر لديه ليحفظ القرآن أو يتعلم الصلاة، فيخرج من عنده مهتوك العرض ..
فهل الصلاة هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، أم الضمير والتربية على المحبة والخير والقيم الإنسانية الراقية؟
وهل فتاوى الحلال والحرام هي التي تربي الإنسان على التمييز بين الطيب والخبيث والحسن والقبيح، أم التعليمُ الجيد الرصين، القائم على مناهج علمية مدروسة، وبرامج هادفة لما يضمن التعايشَ والتواددَ بين الناس جميعا، وطرقٍ تربوية دقيقة تتحرى أن تجعل من الطفل مسؤولا عن نفسه وأفعاله منذ صغره بحسب طاقته وإمكانياته ... في المدرسة والبيت معا ..
فدعوا الدين للعبادة لا للسياسة والمعاملات يرحمكم الله
رابي
سؤال معقول
مزيدا من الشجاعة والبحث والتنقيب لان الجهل يهدد مصيرنا واولادنا. الجهل المرغوب فيه كاداة محروس بكلاب جائعة لا ترحم رغم خطبهم عن المحبة والصدقة والعطف والعدل ووووهلم ايديولوجبا. تحبة لكل المحتهدين العارفين الفطنين.