عبد الصمد البلغيثي
قبل الحديث عن ابن رشد(520ه595ه/1126م1198م) وموقفه السياسي من السلطة في زمنه, لا بد من تقديم صورة موجزة لمظاهر المجتمع والثقافة بالأندلس, ففي المراحل الأولى للغزو الإسلامي للأندلس, لم تظهر أي بوادر لزدهار فكري أو إصلاح سياسي, فالداخلون الأوائل معظمهم جنود وفرسان من الأمازيغ والعرب, برعوا في فنون الحرب والقتال وتميزوا بحميتهم الدينية, ولم يكن لهم ميل للفكر والثقافة, وهو ما كان أثره خطيرا على الحياة الفكرية بالأندلس, لكن كيف أصبح الحال بعد ذلك سياسيا وثقافيا؟
1-الفكر بين السلطة الفقهية والسلطة السياسية:
كان الحال بعد إستقرار غزو الأندلس, مؤسفا جدا, فقد سادة سلطة الفقهاء وسيطرت ثقافة مبنية على العلوم الدينية واللغوية وبعض فنون الشعر, وغلب على هذه المدارس طابع التقليد والإنغلاق, فكان من الصعب الخروج عن سلطة الفقهاء, وأصبحت المشروعية في الإتباع والبدعة في المخالفة والإبداع.
لقد تميزت الأندلس بسلطة سياسية مستبدة بالحكم, تخدمها طبقة من الفقهاء المتشددين, إحتكروا الساحة الثقافية, ومارسوا رقابتهم على كل تجديد في الفقه وباقي علوم الدين, وفي هذا الإطار يقول الباحث الإسباني أنخل جنثاليث بالنثيا(1889م/1949م): "وكان فقهاء
الأندلس المالكيون من أشد الناس كراهية لكل تجديد ومخالفة ماكانو سائرين عليه, وشدت الدولة أزرهم في حزم, فحرمت على الناس كتب الفقه غير المالكي".(تاريخ الفكر بالأندلس,ص323), ويضيف قائلا: "بل لم يتسامحوا مع نفر من الناس صدرت عنهم أقوال تمس الدين في ساعة الضيق أو إشتداد المرض أو في لحظة خفة وانبساط فعاقبوا بعضهم وقتلوا البعض الأخر".(م.ن.ص224).
ويبقى ما رواه صاعد الأندلسي(419ه462ه/1029م1070م) مؤرخ الحياة الفكرية للأندلس في كتابه طبقات الأمم, عن حاجب الخليفة هشام(354ه403ه/965م1013م) المنصور أبي عامر(327ه392ه/938م1002م) وفقهاء البلاط, وتسلطهم على الفلاسفة ورجال الفكر والعلوم, وإحراقهم لخزانة الحكم المستنصر بالله(303ه366/915م976م), خير دليل لما اقترفه هؤلاء من إستبداد في حق علماء الأندلس.(طبقات الأمم,ص163.164)
نلاحظ أن هذا الجو لا يستجيب لقيام تيار مجدد في الدين والعلوم الشرعية, فكيف يسمح بظهور فكر فلسفي أو إصلاح سياسي؟ وبالرغم من هذا الحصار الذي ضربه فقهاء المالكية المتزمتون ورجال السلطة المستبدون, على أي محاولة تروم االإصلاح والتجديد والدعوة إلى التفكير خارج الثقافة السائدة, نجد أن الواقع يشهد بقيام حركات ومبادرات اتسمت كثيرا بالفردية, ودعت إلى توجهات جديدة في الفقه والفلسفة, و السياسة ونظام الحكم, وظهرت شخصيات بارزة تحدت ظروف القهر والرقابة وصدعت بدعوتها وأفكارها.
ومن أبرز هؤلاء فيلسوف قرطبة ومراكش أبو الوليد ابن رشد(520ه595ه/1126م1198م), الذي عبر عن دعوته السياسية لإصلاح السلطة في شرحه لكتاب الضروري في السياسة مختصر سياسة أفلاطون, وتواليف أخرى للرجل تضمنت جملة من أرائه السياسية.
2-ابن رشد وجمهورية أفلاطون:
أ-ابن رشد وإمكانية قيام مدينة فاضلة:
يشك أفلاطون(427ق.م/347ق.م) في إمكانية قيام مدينة فاضلة على أرض الواقع, ويعترف بصعوبة الحصول على من تتوفر فيه شروط الحاكم الفيلسوف, غير أن فيلسوف قرطبة ومراكش يرفض هذا الشك ويرى أن قيام هذه المدينة أمر ممكن, وليس إمكانا مطلقا, بل أيضا إمكانا محددا معيننا بزمان ومكان, هما زمن ابن رشد ومكانه.(الضروري في السياسة, ص139)
ب-النساء والسياسة عند إبن رشد:
لقد انتبه ابن رشد إلى هذه المسألة وحاول أن يبدي رأيه من خلال ما يلي:
-النساء والرجال نوع واحد في الغاية الإنسانية.
-النساء يشاركن الرجال في الصنائع وفي صناعة الحرب.
-إناث الحيوانات لها مثل ما للذكور من مدافعة وتصرف.
-نظرتنا للمرأة كرستها وضعيتها الإجتماعية وقهرنا لها.
وقد إنطلق ابن رشد من موقف أفلاطون, الذي تسائل في جمهوريته عن دور النساء فيها, وهل يشاركن الرجال في حفظ المدينة وسياستها, فيكون منهن جنديات ورئيسات أم من الأفضل جعل مهمتهن مقصورة على الإنجاب وتدبير البيت.
ويحدد ابن رشد موقفه من ذلك في قوله: "وإذ قد تبين أن النساء يجب أن يشاركن الرجال في الحرب وغيرها, فقد ينبغي أن نطلب في اختيارهن نفس الذي طلبناه في الرجال, فيربين معهن على الموسيقى والرياضة".(م.ن.ص126)
ج-ابن رشد ونظام الحكم المتسلط:
يقدم لنا فيلسوفنا في كتابه صورة للحاكم المستبد, وذلك من زمانه ومكانه, وهذا موضوع ورد في الكتاب التاسع لجمهورية أفلاطون, وهو يتكلم من تجربته الخاصة ومعاناته مع السلطة والمحيطين بالخليفة, فالحاكم المتسلط شخص إعتلى الحكم بالقهر والغلبة دون حق, ومارس الظلم على رعاياه واستبد بهم.(م.ن.196)
غير أن هذا الحاكم لن يسلم من تبعات سياسته, فنظامه مهدد دائما بالزوال نظرا لضيق الناس به, واستعدادهم في أي لحظة للتمرد عليه, وهذا ما جعل فيلسوفنا يؤكد على الطابع الإنساني للممارسة السياسية, لأن للإرادة دور كبير في السياسة ولا مجال للحتمية.(م.ن.203)
مصادر ومراجع الموضوع:
* ابن رشد, أبو الوليد, الضروري في السياسة مختصر متاب السياسة لأفلاطون, ترجمة أحمد شحلان, تحقيق محمد عابد الجابري, مركز دراسات الوحدة العربية,ط2, بيروت, 2002.
* صاعد الأندلسي, طبقات الأمم, تحقيق حياة بولعوان, ط1, بيروت, 1985.
* بالنثيا, انخل جنثاليث, تاريخ الفكر الأندلسي, ترجمة حسن مؤنس, النهضة المصرية, القاهرة, 1945.