البشير ايت سليمان
ظهرت الصحافة الاليكترونية نمط جديد من أنماط نقل المعلومة إلى المتلقي الافتراضي، وشهدت قفزة نوعية في مدة جد قياسية، تزامنا مع التطور التكنولوجي الذي يشهده عالم المعرفة اليوم، وارتفع معه بذلك عدد مستخدمي هذا الجنس الصحفي كمصدر للمعلومات الخبرية بفعل سرعة الحصول على الأنباء مُرفقة بالصوت والصورة والكلمة المقرونة، لكن رغم كل هذه الميزات التي تحسب للصحافة الاليكترونية والمواقع الاخبارية المنتشرة بكثرة، نجد أن تحديات جسام لا تزال في طريقها من أجل المأسسة واكتساب مصداقية ومهنية لدى "القارء الاليكتروني".
فإذا كان قارئ صحافة ورقية معروفة، أو مشاهد قناة إعلامية ذائعة الصيت، أو مستمع إذاعة مشهورة، على دراية تامة بالمؤسسة الاعلامية التي تزوده بالخبر، وعلى معرفة بالعاملين بها، فإن أصحاب الموقع الاليكتروني المتخصص في نقل الأخبار (السياسية بالخصوص) قد لا تُعرف أسماءهم الحقيقية لدى العامة من الناس، ويلجؤون في بعض الأحيان إلى إخفاء هوياتهم، أو يعمدون إلى استعارة أسماء وهويات أخرى مادام عملهم لا يتجاوز حجرة أمام جهاز كمبيوتر، وهو ما يطرح سؤال صحة الخبر من عدمه، مادامت امكانية محاسبة ومساءلة الصحفي الاليكتروني أو المقاولة الصحفية الاليكترونية تبقى بعيدة المنال في حالة الضرر الناجم عن نشر خبر عار من الصحة.
وأثناء بحثنا في ماهية الصحافة الاليكترونية، عثرنا في القانون الأساسي للرابطة المغربية للصحافة الاليكترونية (وهو منشور في موقعها على الانترنيت) على تعريف للصحافي الاليكتروني جاء فيه أن "الصحافي الإلكتروني هو من يعمل أو ينشر بشكل منتظم في موقع أو مواقع إلكترونية مهيكلة بشكل قانوني، ويحترم أخلاقيات المهنة والقوالب الصحافية المختلفة وينسجم مع آليات الإعلام الإلكتروني". وعلى هذا التعريف تطرح أسئلة كبرى من قبيل اختزال الصحافة الاليكترونية في الموقع الاليكتروني الذي يصادفه القارئ أثناء بحثه على شبكة الانترنيت دون الاشارة إلى أن الصحيفة الاليكترونية هي- قبل كل شيء- مؤسسة ذات هيكلة وتنظيم معروفين، ومقاولة مصرح بها وبالعملين بها لدى السلطات وتعمل في الحقل الاخباري والاعلامي، ومن الأسئلة الأخرى التي تطرح على هذا التعريف وتُظهر قصوره هو الحديث عن أخلاقيات المهنة في إشارة إلى أخلاقيات مهنة الصحافة "الكلاسيكية"، في الوقت الذي يعتبرون أن الصحافة الاليكترونية بمثابة جنس جديد من
الصحافة، ولا أشك أن واضعي هذا التعريف يجهلون الظروف والمعاناة التي تعترض عمل الصحافي المهني في جريدة ورقية أو قناة إعلامية أو إذاعة، لكن الصحافي الاليكتروني يعمل في ظروف أكثر أريحية دونما حاجة إلى التنقل والنزول إلى الميدان - في غالب الأحيان.
إن ما أريد أن أصل إليه من خلال هذه المقارنة هو ضرورة وضع تعريف شامل للصحافة الاليكترونية، مع العمل على سن قوانين تجعل في المقام الأول حق المواطن في الوصول إلى المعلومة الصحيحة والدقيقة، وحمايته من كل مساس بشخصه وممتلكاته، مع ربط المسؤولية الصحفية عن كل عمل صحفي بالمحاسبة القانونية في حالة الاخلال بأحد بنود القانون المنشود، ثم العمل على مأسسة الجسم الصحافي الاليكتروني والتمييز بين الصحافي الهاوي الذي يتقن فن النسخ واللصق ويسمي عمله صحافة إليكترونية، وبين المؤسسة الصحافية المحترفة التي تتحرى الصدق في نقل الخبر وتحترم حق المواطن في المعلومة دونما تشهير بالأشخاص والمؤسسات