طارق بوستا
لا يسع المغاربة عامة والمتتبعين للشأن السياسي خاصة إلا الاعتراف باستثنائية النظام المغربي بين جموع الدول التي عرفت حراكا شعبيا، والذي سمي بالربيع العربي، فقد استطاع بمناورة مفضوحة، ساذجة وبسيطة، أن يطيح بنباهة البعض وبكرامة آخرين، ونجح في قلب أفكار معارضيه وقلب موازين القوى لصالحه، دونما تكبد عناء تغيير شيء في واقع انتفضت لأجله فئات عريضة من الشعب المغربي وصدحت حناجرها شهورا لأجل تغييره.
إرادة بين الهرم والدون
سجل التاريخ المغربي بمداد من فخر، حراكا شعبيا غير مسبوق، في إطار حركة 20 فبراير، أبان خلالها شبابنا و شيبنا عن نضج سياسي متميز، وعن حكمة وحنكة إدارية ، وإرادة قوية في التغيير لم تقف أمامها جموع المهالك المتربصة برجال الثورة ونسائها، من قمع للمناضلين والمناضلات وهتك للأعراض الشريفة وشدخ لرؤوس المشاركين والمارة من الناس... رهب ورعب واستشهاد، لم يثني مسيرة الصمود من حراكها وتغلغلها وتربعها على هرم سلطة الإرادة التي لا تبتغي غير التغيير مدخلا، شعارها إسقاط الفساد والاستبداد.
إرادة التغيير دون الهرم دون .
وفي الهرم سطعت إرادة شباب حركة 20 فبراير بمكوناته السياسية المختلفة، ودونه تجذب سطوة الاستبداد وسلطة الفساد نقائص الإرادات التي اختلجتها رهبة المستقبل الغامض، والخوف من حنظل يثمره ربيع قد تكون سحابة ليبيا أو سوريا من سقت غرسه. ولندع قلما مداده من حكمة إن وجد، أن يخط لنا حجج الناكصين من الساسة والمخضرمين ، ذووا البطون والأفكار المنتفخة التي تهوي بها الريح كلما وجدت نفسها على بسيطة دون غطاء، ألفت حمايته وبسطه الماكر معها، وقوله لها افعلي وقولي ما شئتي ما دمتي تحت سمائي.
فبذريعة الخوف من زعزعة استقرار المغرب أو بزوغ نوازع طائفية يحتج البعض، ولإصلاح المنظومة السياسية وكنس الفساد الدائر حول محيط القصر الملكي يرنوا آخرون، وقد لا نستغرب إن وجد من يدافع عن الفساد والمفسدين، ولو لاك خطابا لا يتقنه إلا المناضلون الأحرار.
المشهد السياسي ودورته المتسارعة
وقد دارت دائرة المكر في أبهى حللها، وكان للنظام المغربي وأتباعه ما كان. وحل العهد الجديد المتجدد بعد دستور ممنوح، لازال الكل يحث الكل على تنزيل مقتضياته، فانتخابات نزيهة على مقاس المخزن الذي زين بها مشهده السياسي الخارجي بإسلامييه، الورقة الرابحة والأخيرة، ثم حكومة الإطفاء التي عملت على إخماد لهيب الشارع المغربي، المشتعل والمتناثرة شرارته في كل جسم المجتمع المغربي الذي تشتكي فئاته العريضة من الفقر والظلم، وشبابه من البطالة والإهمال، وأطره من الإقصاء والتحقير، ومناضلوه من القمع والترهيب. حكومة عهدت فأخلفت، وعقدت الاتفاق لأجل الشعب فأخلت، وشمرت لمجرد الإصلاح فنكصت، ووعدت بالإفصاح والصدق فراوغت، وباسم العفاريت والأشباح انطفأ إرادتها وانكفأت. فلا إرادة لمن يعفو عن التماسيح أو المفسدين وينتشل من الشعب المسكين دراهمه المعدودة، ولا سلطة لمن لا يملك لنفسه مجرد عقد مهرجان بسيط في ساحة عمومية، تمنعه العفاريت التي يبدوا أنها لا تخنس ولو استفتح المهرجان باسم الله الرحمان الرحيم.
لا غرو أن من يقامر بتاريخه ويغامر بمبادئه في مشهد سياسي آفل كالذي شاهدنا دورته المتسارعة في النكوص ، ومن يوهم الناس والتاريخ بتغيير لا وجود له إلا في برامج تحديث الاستبداد ، لا تعوزه حجج واهية ولا تغلبه كلمات منمقة، يرصعها في نعش الاستبداد، يجابه بها كل منتقد أو مخالف أو معارض ، وإن دعي الأمر فشدخ الرؤوس وتكسير العظام قد يفي الغرض، إيذانا بدورة جديدة قادمة إن شاء الله، تلوح إشاراتها في الأفق.