مولاي علي الإدريسي
كيف لا يتربع المغرب في المراتب المتأخرة في أغلب القطاعات والميادين وعلى رأسها قطاع التعليم والتربية والتكوين؛ القطاع الذي يعتبر العمود الفقري لكل القطاعات، والقلب النابض لها. من التعليم يتخرج كل الموظفين والصناع والتجار والحرفيين والفنانين والبرلمانيين والوزراء والرؤساء. فكيف لهؤلاء جميعا أن يتنكروا لمدرستهم التي علمتهم أبجديات العلوم والحياة؟! وكيف لهم أن يحتقروا المعلم والأستاذ الذي علمهم ورباهم، وهاهو يعلم ويربي أبناءهم وأحفادهم وهكذا دواليك؟!.
إن معيار التأخرأو التقدم لدى الدول والأمم يتجلى دائما في درجة الإهمال أو الإهتمام بالمدرس والمدرسة؛ لأن ذلك ينعكس سلبيا أو إيجابيا على المتعلمين، الذين هم أبناءنا وهم الجيل الصاعد، وهم ثروتنا في الحاضر والمستقبل. فمن منا لا يريد فلذات كبده أن تتعلم بجد واجتهاد ومردودية أفضل ؟! من منا لا يريد أن يرسل أبناءه لمدرسة فيها مدرسين مستقرين نفسيا، أسوياء، أكفاء ومكدين ومتابرين ومحبين لأبناءنا ؟! من منا لا ينتظر نتائج جيدة ومفرحة مع تكوين مناسب من أبناءه في آخر سنة دراسية ؟! ومن منا يبتغي لأبناءه مدرسين متأزمين نفسيا وغير مستقرين لا ماديا ولا مهنيا؟!
أكيد لا أحد سيجيب بالإيجاب إلا أولائك المسؤولين الذين يسبحون ضد التيار، والذين لا يهمهم بلدهم في أي تقدم ولا أبناء الشعب في أي تفوق. أولائك الذين يرسلون أبناءهم لأمريكا وفرنسا وألمانيا والصين وهَلمَّ جرَّا، من نفقات الشعب المغربي طبعا ودافعي الضرائب ..فهؤلاء هم العدو الأول للوطن بالرغم من أنهم السباقون دائما لكل النعم والترقيات والخيرات والوظائف السامية ولطالما أكل كثيرهم من النعمة وسب الملة كلما أحس بأي تهديد .. وإلا لماذا لا يتركون إولادهم في الوطن الذي يتبجحون به ويصدرون قوانينا ومراسيم ومذكرات تلو أخرى كما يزعمون للدفع بعجلة البلاد للتقدم والرفاهية ولطالما عبروا أن وطنهم وصل وأصبح يضاهي غيره، لماذا لا يدعوا فلذات أكبادهم في هذا الوطن المتقدم كي يدرسوا فيه ويستشفون فيه ويقضون فيه عطلهم؟!
إن قطاع تعليمنا لسوء حظنا يعيش أزمة خانقة ما فتئت تنذر باحتقان اجتماعي خطير، ومتشابك لن يقتصر على العلاقة بين الأطر التعليمية والوزارة الوصية أو الحكومة، بل إنها أزمة مجتمع ككل، أزمة أسر مغربية مع من يتحكم في القطاع وبالتالي بين المجتمع والدولة . وإذا كان سابقا يقتصر المشكل في نقطة معينة لا ثانية لها، فقد عاد اليوم مشكلا متشابكا و بنيويا، وإضافة لذلك فالمسألة تمس أهم عنصر في المنظومة التعليمية ألا وهو المدرس الذي لم يعد هو ذلك المُبَجَّل، ذو السمعة القصوى والمهابة والكرامة بسبب المكانة المهنية الغير المستقرة التي يشعر بها وهنا أعني بذلك الأستاذ (المتعاقد) حيث لم يكن الأستاذ يوما يظن أنه سيصبح في يوم من الأيام حيوان تجارب في مختبر تجريبي كوضعية أو درس إسمه: (التعاقد)، تمييزا بينه وبين زميل له يسمى الأستاذ (المرسم) المستقر والمطمإن على وضعه. زِد على ذلك ما يعاني منه أساتذة الزنزانة، ناهيك عما تعاني منه الأطر التربوية الإدارية ووضعية المفتشين ...كل ذلك من أوضاع متدبدبة وغير مقبولة لم تشفع للمسؤولين ايجاد حلول شاملة جامعة لقطاع حيوي.
الكثير يعزي كل ما يحدث بالقطاع إلى إملاءات المؤسسات المالية الدولية، ولكن السؤال المطروح ألا تعرف هذه المؤسسات إلا المغرب لتجعله متأخرا بينما باقي دول العالم في خطها التنموي المتقدم؟! ذلك قد يصدق في شق ما لكن المسؤول الأول والأخير هم المغاربة كلهم بدءا من الأبناء من مستويات تعليمية متقدمة حيث يدركون أن مستواهم ضعيفا ولا يفصحون عن ذلك، مرورا بأولياءهم من الآباء والأمهات الذين يعلمون أن فلذات أكبادهم غالبا ما يضيعون سنواتهم في تلقي لاشيء، وتربية لا شيء، وعادوا لا يفكرون إلا في نتائج مرتفعة وإن لا تعبر عن مردوديتهم، وتفكيرهم هو إنهاء السنوات الدراسية بلا سقوط، واتمام الدراسة بشواهد ولوكلفهم ذلك اللجوء لمدارس خاصة تحت نفقات مرتفعة وإيجاد وظيفة مهما تكن أو الهجرة للخارج أو ..ومرورا بالأستاذ الذي يبقى وسيلة ميكانيكية -وفق التعليمات والترسانات القانونية والسياق الجديد- لتمرير مقررات نازلة عليه من السماء، في غياب إجماع وطني عليها وفي غياب إشراك أغلب الفاعلين في القطاع وفي خضم تنافس بعض الأطر والناشرين، وتوزيع كعكة الكتب والطبعات عليهم دون التأني في اختيار الجودة وما تقتضيه ظروف الساعة والتقدم العلمي، وإرادة الشعب، وصولا للجهات المسؤولة على القطاع التي تحاول كل مرة القيام بعمليات تجارب سواء في المناهج والبرامج أو المقررات الدراسية، أو الوسائل البيداغوجية أوطرق التوظيف أو..بناء على تجارب قد مرّت بها دول معينة، وقد تكون فاشلة أصلا ولعل كثيرا منه استنزف من خزينة الدولة أموالا طائلة دهبت سدى وفي مهب الريح دون رقيب ولا حسيب ..
إن غياب ظروف عمل مستقرة لدى المدرس لا يمكن بأي حال أن يثمر إلا وضعا غير مستقر ولا مثمر، سواء لدى أسرهم وأهاليهم، أو لدى المتعلمين وأولياءهم، أو لدى الوزارة المعنية، وبالتالي لدى الدولة والمجتمع إن المدرس هو رحى المجتمع؛ فإذا تم تعطيله تعطَّيل أهم منتج للمجتمع ككل ولوسائل تقدمه، ولذلك آن الأوان لإيلاء قطاع التعليم مكانته المناسبة اقتداء بالدول المتقدمة خاصة من جهة المدرس، وإلا لماذا يتم شراء واقتناء برامج وتجارب تلك الدول فيما يخص المناهج والبرامج والطرق وفي نفس الوقت لا يتم اقتناء تجاربهم في الإعتناء بالمدرس والأستاذ؟! أم أن الأمر تجاريا فقط وصفقات ودولارات ولا يهم التقدم ولا أي شيء آخر؟!