عمر الياسيني
لا نحتاج الى خبير لتشخيص واقع الحال بحدود باب سبتة الوهمية فيكفي ان تقوم بجولة ليلية هناك بين التلال المزركشة بكل الوان الحكرة, والارض المفروشة ببقايا حاويات الكرطون التي تعتبر فراش الاهانة تنام فوقها اجساد تتغطى بأثواب الاستعطاف، ووجوه تحمل كل تعابير البؤس والفقر والتحقير لسيدات صامدات قذفت بهم ضيق ذات اليد و صعوبة الحياة لإمتهان مهنة الحمالات للحصول على لقمة عيش حتى ولو مرغت كرامتهم في الوحل او تعرضت اجسادهم لكل انواع الاستغلال والاستعباد، واروحهم جثث تداس تحث الاقدام.
ما عاينته هذه اللية هناك يعتبر سلسلة من الممارسات التي لا تخضع لأي منطق او عقل او يستوعبه ضمير حي، معانات تضرب بكل الاعراف، والديانات السموية التي ارسلت رحمة للعالمين لأخراج الانسان من كل انواع الظلم، الذل، والعبودية، عكس ما هو موجود بهذه الحدود التي اعتبرها حدود من لا حدود لهم او نهاية مسار لكل المواطنين المتخلى عنهم في وطن ضحوا من اجله الا ان خيراته يستفيد منها كل الانتهازيين والوصوليين ، الحدود الجهنمية التي تنعدم فيها كل الحقوق الكونية للمواطنة وتعدم فيها كل القيم الانسانية،الساعة تشير الى الثانية عشرة من منتصف الليل طوابير من النساء المغربيات الصامدات بين ظلم الظلام، وظلام الليل الذي اصبح رفيقهم يخفي عنهم جزء من معانتهم ويعشقونه كأنهم مصابون بمتلازمة "النيكتوفيليا"، صراخ ،آهات ، منهم الحامل ، ومنهم ذو الاحتياجات الخاصة والحظ الأوفر من ذو الاحتياجات العامة، يتقاسمن صبر ايوب وظلم الذئب البريئ من دم يوسف،يشخصون بتجاعيد الحكرة المنقوشة على وجوههم كل تعابير الاحتياج وضيق ذات اليد ، يتناولن فيما بينهم قساوة المناخ،وبعض الطعام البارد وكسر من الخبز الجامد والقاسي مثل مسؤولي هذا البلد الذي يعيشون النعيم على حساب شريحة عريضة من المجتمع لم ترق بعد لمرتبة الانسان عند المفهوم الدولي التي يحث على العناية بكل المخلوقات وتوفير ظروف العيش الكريم حتى تستمر الحياة ويتغير منظور المواطن للساسة على انهم جنود الرحمة وليسوا افاعي سامة تتربص بهم للانقضاض عليهم وتحويلهم الى مجرد ورقة موسمية يتم المراهنة عليها وبعض ذلك يتم رميهم في هذه الحدود الجهنمية التي تنعدم فيها كل القيم الإنسانية.
الساعة تشير الى الخامسة صباحا صفوف طويلة من السيدات المكافحات الصامدات تستعد للولوج الى سبتة المحتلة الأرض الطاهرة التي يقصدها كل من ضاقت بهم السبل وتقطعت بهم الاوصال، يجرون خلفهم عربات الرحمة التي تنوب عنهم لحمل ما سوف يجنونه من سلع للحصول على بعد النقود تقيهم ضيق الفقر وتوفر لهم بعض الاحتياجات لأنقاذ اسرهم من التشرد والادمان والتطرف والهجرة.
.ومن هنا استعد لأرحل عن معبر البؤس بعدما قضيت ليلة ليست ككل الليالي تقاسمت فيها معاناة اخواتي السيدات الصامدات غادرت وانا مثقل بهموم وطني حائر بين الظلم البادي والقهر الأبدي قاصد بيتي لأنام ما تبقى من ساعات لعلي استقيظ من نومي وأجد في وطني العدل على العدل راضي .