عبد العزيز الإدريسي
من خلال الأحداث والوقائع والحراكات التي شهدتها الساحة السياسية المغربية ضد الحكومة، والأحزاب السياسية المشاركة في الأغلبية الحكومية وحتى الأحزاب التي هي في المعارضة.
لقد أصبح الجميع متساوون في رأي المجتمع المدني المغربي وذلك من خلال الأحداث التي عرفها المغرب على عهد الحكومات التي قادها حزب العدالة والتنمية، واعتقد أن هذا الأخير يبقى هو المسؤول الأول والأخير عن الفشل السوسيو اقتصادي والاجتماعي والسياسي، فهو الحزب الوحيد الذي واعد الناخب بواسطة برنامجه الانتخابي على أنه هو القادر على تحقيق انتظارات المواطنين، وأنه هو الحزب الذي يمكنه أن يفض النزاع حول الصحراء مع الأشقاء الجزائريين، ثم القضاء على آفة البطالة، وتجفيف آليات الفساد والمفسدين، وأنه هو الذي يرفع من الدخل الفردي ودعم القوة الشرائية والأكثر من هذا أنه واعد بأن تصل نسبة النمو إلى ما فوق 7% بفتح الحدود مع الجارة الجزائر التي منذ أن تحمل الدكتور العثماني حقيبة وزارة الخارجية والتعاون لم يحقق أي شيء من تصوراته، لأنه إما لم يستطع التواصل مع الأخوة في النظام الجزائري، و إما أنه عجز عن التواصل معهم من حيث الأسلوب السياسي والدبلوماسي، وهو ما يمكن القول معه أنه فشل في هذا الباب، سواء على مستوى العلاقة الثنائية مع الشقيقة الجزائر أو على المستوى الدولي والمنظمات الدولية المختصة، وهو الأمر الذي يجعل الملاحظ يقول أن حزب العدالة والتنمية فشل في السياسة الخارجية والدبلوماسية المغربية عرفت تقهقرا على مستوى الشرق الأوسط، كما هو الحال في أوروبا وأمريكا، ولولا تدخل الدبلوماسية الملكية الرشيدة لكان المغرب عرف وضعا دبلوماسيا صعبا، حيث أن جلالة الملك نصره الله وأيده بذل ويبذل مجهودا جبارا في السياسة الخارجية، وبحكم علاقاته الجيدة مع جل ملوك ورؤساء الدول والحكومات استطاع توظيف هذه العلاقات بحكمة وعقلانية متبصرة ودبلوماسية عالية حيث تدعمت العلاقات الثنائية مع مجموعة الاتحاد الأوروبي، وأمريكا، و أساسا الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي مما جعل المغرب يحافظ على مكانته المرموقة والمتميزة داخل هذه المكونات الدولية، وذلك في ظل استراتيجية شاملة منها الشراكة ومنها التعاون في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية ذات البعد الحيوي في العلاقات الدولية والتي يحظى بها المغرب من خلال جلالة الملك محمد السادس، لأنه يحظى باحترام وتقدير دول المعمور، أمريكا، أوروبا، افريقيا و آسيا، فجلالته حباه الله بالبركات والشرف والنسب الطيب الذي يمتد إلى الشجرة الطيبة جده أبو القاسم وفاطمة الزهراء، صلى الله عليه وسلم،وصلة جلالته بهذا النسب المقدس ساعدته على حفظ الاستقرار والأمن والأمان، وهو الراعي الأمين على الأمة المغربية، وهي لا تثق إلا في جلالته بحكم التجربة والتعايش الذي امتد إلى قرون من الزمن مع الأسرة العلوية الشريفة والشعب، وجلالته أمير المؤمنين وسبط الرسول الكريم، فحاشى أن تظام بلد فيها سبط رسول الله (ص)، والدليل هو كلما حاول الخائنون إيلام هذا البلد إلا وفضحهم الله سواء من الداخل او الخارج، ومنهم من نال جزاءه الشرعي، ومنهم من نال جزاءه من عند الله في الدنيا قبل الآخرة، التي سيحاسب فيها حسابا عسيرا على ما اقترفه من سوء في الدنيا محاولا إيذاء هذا الوطن الأبي الذي قهر رجاله الاستعمار بكلمة اللطيف، واسترجع صحراءه بحمل المصحف الشريف وهو ينادي "الله الله الله...." والعلم المغربي يرفرف فوق تراب الصحراء المغربية.
وبالعودة إلى حزب العدالة والتنمية الذي قاد حكومة الأغلبية منذ حوالي سبعة سنوات، عرف المغرب في هذه المرحلة أزمة اقتصادية واجتماعية، ساد الركود الاقتصادي، وتجميد الأجور وسوء التفاهم مع الهيئات الممثلة للعمال والطبقة الشغيلة، فضلا عن الغلاء والزيادة في الأثمنة المهولة التي اثقلت كاهل الأسر، أضف إلى ذلك ضعف الخدمات العمومية كالصحة والتربية والتعليم، تفاقم الجرائم المرتكبة من طرف الشباب العاطل لدرجة أصبح المواطن كل يوم يسمع أن هناك جريمة قتل وقعت هنا وهناك، كثر
الفساد بحكم "عفى الله عما سلف"، كما تراجعت القيم والاخلاق الحميدة التي هي شيم المغاربة، وأصبحنا نسمع بأحداث لا أخلاقية يقترفها اناس من اهل الوعظ والارشاد.
زاد حزب العدالة (كملها و جملها) عندما حول محاكمة أحد مناضليه في فاس إلى محاكمة سياسية، فبدل ان يترك القضاء يأخذ مجراه الطبيعي باعتبار هذا المناضل في صفوف حزب العدالة والتنمية مواطنا خاضعا لقواعد القانون مثله مثل جميع المواطنين في دولة الحق والقانون التي هم يسيرون دواليبها الحكومية من موقع الأغلبية، حاولوا تحويل النازلة من محاكمة في إطار الحق العام إلى محاكمة سياسية وذلك بكثر نزولهم بأعداد يصعب على المرء تحديد أعدادها، والغريب في الأمر من هؤلاء الذين نزلوا إلى مساندة زميلهم في الحزب أو المتعاطفين معهم، تغيبوا عن المهام المنوطة بهم لخدمة المواطنين وعطلوا مصالح هؤلاء المواطنين لا لشيء و إنما لمساندة الظنين، وهي مساندة قد تؤثر على استقلالية القاضي و القضاء، وتجعله مرتبكا في اتخاذ القرار الصائب في إطار القانون الجاري به العمل، وهو ما قد يؤدي إلى التشويش على المحاكمة العادلة، وبالتالي قد يكون ما قام به حزب العدالة والتنمية فعلا غير صائب، وقد يؤثر سلبا على مساره السياسي مما يقلص أكثر من مصداقيته، والأمر الذي من شأنه أن يجعله يفقد مقاعد برلمانية في الاستحقاقات المقبلة ويقذف به إلى الاصطفاف في المعارضة، التي هي الأخرى قد يجد نفسه مثقلا بملامة المواطنين، والذين ربما يفقدون ثقتهم في هذا الحزب حتى ولو أصبح في المعارضة، لأن موقع المعارضة أكثر حساسية من موقع الأغلبية، حيث يصبح الحزب الفاقد للمساندة الشعبية لا هو في المعارضة ولا هو في الأغلبية، وقد يقبل بالقليل القليل من أجل قبوله في المشاركة الحكومية، ويقول المثل "اللهم قرصة من الفكرون وإلا يمشي مانع".
هذا من جهة أما من جهة ثانية، هناك الاحزاب الاخرى التي لمسها غضب الشعب المغربي، وفي المقدمة:
* حزب التجمع الوطني للأحرار:
هذا الحزب كانت له مصداقية وكانت كلمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية مكنته من التواجد في المشهد السياسي لحوالي اربعة عقود، واعتقد أنه في نهاية سنة 2018 عليه باحياء ذكراه الذهبية 1978/2018، حيث تاسس سنة 1978 على يد الاستاذ احمد عصمان الذي على عهده عرف المغرب نموا اقتصاديا وصناعيا لا بأس بهما، حيث أنشأت المناطق الصناعية ومراكز التكوين المهني منها على سبيل المثال لا الحصر
1) مراكز تكوين الممرضات
2) مراكز تكوين المعلمات والمعلمين
3) مراكز تكوين أساتذة التكوين التعليم الثانوي
بالاضافة إلى المراكز التكوينية في مجال الصناعة واليد الماهرة
غير أن هذا الحزب تراجعت مصداقيته على الخصوص في السنوات الأخيرة التي أصبح حزب العدالة والتنمية يتزعم الاغلبية الحكومية برئاسة الدكتور سعد الدين العثماني، وقبله الاستاذ عبد الاله بنكيران الذي لفظته الاقدار السياسية ووضعته في زاوية الترقب حيث لم يستطع تصريف الحالة، وبالتالي يعالج الاوضاع المحتدة بعقلانية ودهاء، من خلال التوقعات والجو الذي ساد المرحلة بعد الانتخابات التشريعية الاخيرة معتقدا في مخيلاته ان الغلبة له، لأنه حزبه وهو أمينه العام، حصل على 125 مقعدا برلمانيا، وان الفصل 47 من دستور 2011 إلى جانبه، وفعلا كان هذا لفصل إلى جانبه وحظي بثقة جلالة الملك حيث كلفه بتشكيل الحكومة الاغلبية وغاب عليه ذكاء خصومه، وهو يعرفهم جيدا حيث عجز في الانتصار عليهم من خلال تشكيل الحكومة الأغلبية بعدم توفقه إن لم نقل خضوعه إلى حزب الاصالة والمعاصرة،
وتعنت هذا الاخير ساعد على إعفاء السيد عبد الاله بنكيران من تشكيل الحكومة لأن الفصل47 من الدستور لم يترك مجالا أو آجالا معينة لانقضاء التكليف بتشكيل هذه الحكومة الأغلبية، ومن هذه الأسباب ما جعل مصداقية حزب التجمع الوطني للأحرار تتراجع، ومازاد الطين بلة تلك الاحداث التي وقعت في اقليم الريف الحسيمة-الناظور، بالاضافة الى جرادة وبعض المدن الاخرى، مما اجج المشهد السياسي لدى لمواطنين، وحملوا وقائع هذه الاحداث إلى رئيس التجمع الوطني للاحرار السيد عزيز أخنوش، ثم ظهرت وقائع أخرى مرتبطة بالاقتصاد والمالية، ووجهت فيها اصابع الغضب إلى السيد بوسعيد الذي غضب عليه جلالة الملك في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة، وإلى جانبه السيد عبد الحفيظ العلمي الذين هم جميعا قادة في حزب التجمع الوطني للأحرار الذي أصبحت الآمال في وضعه السياسي ضئيلة بحكم الاحداث التي تم ذكرها بغض النظر عن اسباب المقاطعة لمحطات افريقيا التي يمتلكها السيد عزيز اخنوش وهو وزير مرموق في حكومة السيد العثماني، فضلا عن مقاطعة شراء الحليب وماء سيدي علي وبعض المشروبات الغازية الاخرى التي تركت آثارا سلبية على الشركات المالكة لهذه البضائع أو العاملين لديها، ولا أعتقد أن هذه الأحداث ستمر مرور الكرام دون محاسبة في الاستحقاقات المقبلة، وتلك هي الأسباب التي ستؤثر على حزب التجمع الوطني للأحرار وتجعله لا يتصدر القوائم في الانتخابات المقبلة، وما ينحسب على حزب الحمامة قد ينحسب على حزب "العود" الاتحاد الدستوري لأنه ربط مساره السيسي بمسار التجمع الوطني للأحرار، وعلى من اراد ان يتعمق في الموضوع يراجع المقال المنشور في موقع "اخبارنا" يوم 15/12/2018، وكذا موقع "هلا بريس"، وهو تحت عنوان "الاحزاب السياسية ومدى مصداقية برامجها الانتخابية المقبلة ومن خلالها المعارضة القادمة"، والاعتقاد إن لم يربط الاتحاد الدستوري مساره السياسي بحكومة الدكتور سعد الدين العثماني كان من المحتمل أن يحصل على نسبة عالية من المقاعد البرلمانية وخصوصا في جهة الرباط سلا القنيطرة، وجهة الدار البيضاء سطات، والبعض من الاقاليم الجنوبية، والشمالية كطنجة تطوان الحسيمة ومدن بني ملال خنيفرة وبعض العمالات الاخرى، وإن كان هذا التوقع افتراضي.
أما الاحزاب المشاركة في الحكومة الحالية فمصيرها مثل مصير الاتحاد الدستوري باستثناء حزب الحركة الشعبية لأنه ظل في منأ من الأحداث المذكورة كما له أرضية و مناضلوه موجودون في كل الاقاليم، وخصوصا المناطق الوسطى والاطلسية والجنوب.
أما حزب الاستقلال بحكم انه حزب وطني حافظ على مكانته في المشهد السياسي منذ الاستقلال، وبغض النظر أن له قواعد منتشرة في كل الأقاليم وهي وراثية أبا عن جد، فإن له أمينا عاما محبب لدى الجميع، وهو رجل متزن حكيم، اقتصادي، له تجربة اقتصادية وسياسية، حيث تحمل عدة مسؤوليات ادارية واجتماعية وعمل كأستاذ جامعي له نظرة فيما يعانيه هذا القطاع من مشاكل، وإذا أراد هذا الشخص النجاح في اعتقادي، وهو قادر على ذلك، والمقصود هنا تغيير العقليات بدماء جديدة قادرة على تحمل المسؤولية، كما جاء في قانون الأحزاب السياسية وأساسا المادتين الثانية والثالثة منه، وفق التخمينات والتصورات، فهذا الحزب و إلى جانبه بعض الأحزاب اليسارية ولم لا؟ حزب الاصالة والمعاصرة و إن تغيرت بعض الوجوه المسيرة له أحيانا، يمكن أن يتصدر القوائم الانتخابية إلى جانب حزب الاستقلال مع امكانية انتقال بعض الاحزاب التي كانت تعد من الاحزاب الكبرى إلى احزاب صغرى جراء الأفعال التي تمت الاشارة ليها سابقا بغض النظر عن الفشل الذي ابانت عنه هذه الاحزاب، وإن كان حزب العدالة والتنمية سيظل موجودا في المشهد السياسي، قد لا يحصل على مرتبة متقدمة في الاستحقاقات المقبلة، والدليل هي الانتخابات الجزئية التي عرفها المشهد السياسي مؤخرا.
أما و إن لم يثبت حزب الأصالة والمعاصرة أقدامه إلى حلول موعد الاستحقاقات المقبلة وهبط إلى الساحة وربط الاتصال المباشر مع المواطنين قد تحدث المفاجأة السياسية، وقد يصعد إلى المرتبة الأولى حزب
يساري في شكل اتحاد حزبي على شكل "G8"، وهو أمر غير ظاهر الآن، وإما ن يكون العزوف على صناديق الاقتراع وهذا ليس بحل ولا بمحبذ إلى المواطنين، فإن حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال والحركة الشعبية قد يتزعمون الأغلبية المقبلة، ويشكلون حكومة أغلبية هشة، قد تسقطها المعارضة إن هي ضبطت نفسها وتوحدت وتضامنت واحترمت تعهداتها فيما بينهم.
وهذه المعارضة قد تكون من الأحزاب التالية:
* التجمع الوطني للأحرار
* الحركة الشعبية
* الاتحاد الاشتراكي
* التقدم والاشتراكية
* الاتحاد الدستوري
بالإضافة إلى أحزاب أخرى مختلفة التوجهات السياسية والإيديولوجية.