أخبارنا المغربية ـ و.م.ع
في النرويج، يعتبر الاندماج مع الطبيعة طريقة عيش يطلق عليها مريدوها “فري لوفتس ليف”. وبالنظر إلى العديد من الدراسات الاستقصائية العالمية، فإن فلسفة الحياة هذه أبعد ما تكون عن السذاجة، لأن المملكة الاسكندنافية توجد، منذ فترة طويلة، ضمن البلدان التي تتصدر قائمة دول العالم السعيدة.
لا حاجة لإنفاق ثروة لتحصيل السعادة في بلد تغمره الطبيعة. يكفي التجول واستنشاق الهواء النقي في الغابة، أو التخييم بالقرب من بحيرة، أو صيد الأسماك في مضيق بحري، أو استكشاف المنحدرات أو النوم تحت سماء تزينها النجوم.. كل هذه الخيارات المتاحة، ستمنحك جرعة من السعادة النرويجية.
من الدنمارك إلى هاواي مرورا باسكتلندا، أبدع كل شعب وصفته الخاصة للسعادة، تجمع في كثير من الأحيان بين قيمتي الرفاه وسحر الطبيعة. وهما اثنين من العناصر المتجسدة في "فري لوفتس ليف" (الحياة في الهواء الطلق!).
هذا المصطلح أبرزه الكاتب المسرحي هنريك إبسن (1828-1906)، الذي انبهر بجمال الطبيعة النروجية. في قصيدته "على المرتفعات" التي كتبت في عام 1859، سلط الضوء على الشغف الذي يجذب إلى الطبيعة، كتجربة قوية تمكن الروح بأسرها من الانطلاق.
هذا هو حال إنجيبيورغ وهيغ، وهما من أتباع هذه الفلسفة من الحياة في الهواء الطلق، منذ حوالي العشرين سنة. كلما سنح الوقت، يغادر الصديقان العاصمة أوسلو حيث يعيشان منذ سنوات من أجل الغوض في قلب الطبيعة. شكل من أشكال الفلسفة الاسكندنافية ترسخت منذ سن مبكرة.
“هذه الحياة في الهواء الطلق تلقن في المدرسة وتتم مشاركتها مع الزملاء وأفراد العائلة والأصدقاء"، وفق ما ذكرته ستاين، وهي مواطنة نرويجية؛ موضحة أن "الهواء الطلق، والحياة البرية بشكل عام، يسمحان لي بإعادة التركيز.
وفي النرويج، سواء خلال تساقط الثلوج أو المطر أو هبوب الرياح، يحب الجميع مواجهة عناصر الطبيعة. والمثل السائد هنا هو "ليس هناك طقس سيء، فقط ملابس سيئة". هذا هو بالضبط ما يوضحه عالم الاجتماع الفرنسي وعالم الأنثروبولوجيا جان ديديير أوربان، مؤلف كتاب "غبطة العالم" (2018).
وأضاف:"يتولد انطباع أن الدول الشمالية منقطعة عن الاضطرابات الدولية، بأنهم على هامش العالم بأسره. هنا تسود سكينة اجتماعية، حقيقية أو بالأحرى من ضرب الخيال!".
النرويجيون هم من بين الأسعد في العالم، كما يتضح من تقرير السعادة العالمي الذي نشرته الأمم المتحدة. فالتقرير الأممي السنوي الخامس صنف النرويج كأسعد بلد في العالم، منتزعة الصدارة من جارتها الاسكندنافية، مملكة الدنمارك. أما في عام 2018، فقد احتلت البلاد المرتبة الثانية، خلف فنلندا، بعدما كانت في المرتبة الرابعة في القائمة قبل عامين.
لا مجال هنا للاستغراب، عندما ندرك أن القيم الاسكندنافية تفتل في حبل “فري لوفتس ليف”: الهدوء والبساطة، واحترام الطبيعة، وجودة الروابط الاجتماعية... كما أن النرويجيون ينسجون علاقة خاصة مع الطبيعة، كفضاء للتأمل والراحة والعناية.
من جانبه، يشرح إنجبيورغ أن "الفكرة هي قضاء أقصى وقت في الخارج، في تواصل مباشر مع الطبيعة، وفي انسجام مع العناصر التي تحيط بنا".
في الحالة النرويجية، من المهم حقا أن تخصص الوقت لنفسك، لتحرير الذات من الإيقاع الجحيمي المفروض على الفرد في عالم متشابك بالكامل. ومن أجل تقدير الرغبات الشخصية البسيطة، ينبغي عيش اللحظة الراهنة، في عناية تامة بالطبيعية والأجواء التي تتيحها، وبالتالي سيكون “فري لوفتس ليف” هو الترياق، في النرويج خاصة: بلد الجبال والمضايق والغابات والشفق القطبي.
بلد يزخر بالجمال والمناظر الطبيعية الجميلة التي توفر لك تجربة روحانية: عبور سهول هاردان، والمشي على طول الطريق من سانت أولاف أو حتى تحدي عمالقة بارك “يوتونهايمن” الوطني سيمنحك لمحة عن “فري لوفتس ليف”.
في النرويج، يقال إن “لا شيء يعدل المشي في الطبيعة من أجل البقاء في مزاج جيد”. مثل بسيط يجمع ما تفرق من فلسفة السعادة النرويجية.
-بقلم: وهيبة الرابحي-